قضايا وآراء

الشيطان "رئيسا للجمهورية"

1300x600
انتظر كلَّ أسبوع حصة «الألم» و«الوجع» المصري اللا منتهي حتى يأذن الله، وكل أسبوع أدعوه تعالى في «سري» وفي «علني» أن يجيء جرح هذا الأسبوع أقل «شجناً» من سابقيه لسنوات مضتْ، فقد تكسرتْ السهام على السهام، وبالغتْ الأخيرة في جرح الروح وإدمائها.

فإن كانت الأمة الإسلامية كلها «تتدحرج من فوق السُّلم العالمي منذ قرنين من الزمان، ويُسمعُ لسقوطها دويٌّ رهيب»، والكلمات للراحل الشيخ «محمد الغزالي»، طيب الله ثراه، فإن النفس كانت تقول بإنها الفترة التي عناها الغزالي، لم تشهدها، ولكن نحاول، والله المستعان، وإن كنَّا قد عانينا من فترة حكم المخلوع «مبارك» ألما خاصا من ذلك السقوط، تضييقا علم الله به من قطع للأرزاق للشرفاء بوجه عام، وإبعاد عن عمل بل وطن، إلا أن كل مخلص كان وما يزال يحتسب ذلك عند الله تعالى، وصدق أحد الزهاد العباد حين قال:

ـ اللهم إنّا نستجير بك من السلب بعد العطاء، ومن النقص بعد الزيادة!

وأيا ما كان رأيي فيما حدث في 25 من يناير 2011 في مصر، إلا أن «حُلما» كان صعبا، ونجما محلقا في السماء.. صار صديقاً لكل الشرفاء المصريين، وفي هذا السياق تحديدا، كلما استحضرتُ هذه الفترة تذكرت حديثينِ عابرينِ مع اثنين من سائقي سيارات مٌجمعة تساعد «حافلات النقل العام»، الأتوبيسات في نقل ساكني القاهرة الكبرى، أحدهم قال لي أثناء عام 2012م السحري، الذي رغم محنه جامعاً للمصريين:

ـ لولا الثورة ما استطعتُ الحديث معك باطمئنان يا «أستاذ»، كانوا يجعلوننا نخاف من الحديث لبعضنا البعض، فقد يكون أحد الذين أحدثهم مدسوسا دون أن ندري.

أما السائق الثاني فقال لي على الطريق نفسه لكن يوم 6 من يوليو 2013م، وعقب الانقلاب بأيام قليلة:

ـ أخذوا سائق السيارة التي أمامنا في «الكمين» وها هم يضربونه على خلفية وجهه، عدنا.. وإن كانت لم تستقر لهم بعد!

«1»

لما استمعت إلى كلمات قائد الانقلاب «عبد الفتاح السيسي» في افتتاح المنتدى المصري الفرنسي يوم الاثنين الماضي علمتُ أن نصيب الألم قد بدأ في التوافد، ولا أدري لماذا تذكرتُ إخواننا السوريين لما بدأ المجرم «بشار» في قصفهم، وكان المسار الديمقراطي في مصر ما يزال مُبشراً، وكان بعض الأصدقاء، سامحهم الله، يحلو له القول:

ـ وماذا نفعل إذا كان الله وهبنا جيشاً يحبنا، وكان الجيش السوري غير هذا؟!

ذلك حينما كانت تجيء سيرة الجيوش ..

أما الأمر الثاني الذي تذكرتُه لما تحدث السيسي فهو قول أم «عبد الله الصغير» آخر ملوك الأندلس لما سلمّها:

ـ أبك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال!

قائد الانقلاب يقول بوضوح أمام الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند»:

ـ يجب أن تتفهموا طبيعة شعوبنا في هذه المنطقة، كي تستطيعوا التعامل معنا يجب أن تفهمونا، اسمعوا منا كي تستطيعوا التعامل الجيد معنا، نحن لسنا شعوبا ننطلق من قواعدكم في المعاملة، نحن شعوب غير متقدمة، وعمليا لدينا وقت لكي نصل إلى ذلك، طال أم قصر، وأقصد بالمنطقة ..المنطقة العربية كلها، شعوبها ليست على النحو الذي تتعاملون به مع شعوبكم ..

و«تجميع» الكلام على النحو السابق، وترجمة عامية السيسي الرقيقة إلى الفصحى في حد ذاتها خطأ في حق اللغة والإنسانية معاً.

ماهذا الذي يقوله هذا «المأفون» يا سادة، بلا سكر ولا زيادة، وكيف يصمت أكثر من 300 مليون عربي عليه؟

«2»

أي تواطؤ غير معلن، ومن أي نوع وملة وشكل ولون بين السيسي وملوك وحكام وأمراء العرب كي يصمتوا على مثل هذه الكلمات الجوفاء الرعناء الشاذة التي لا يصمت عليها إلا متعاون متضامن معها، إنه يصف العرب من المحيط إلى الخليج بالتخلف وعدم التقدم، ولا يكتفي بالمصريين، وينصح «هولاند» أن ينصح حكام أوروبا وغيرهم ألا يزعجوا حكام هذه المنطقة بحقوق الإنسان أو ما شابه، فلا إنسان في الأمة العربية كلها من الأصل كي يتم احترامه، وبالتالي دعوا الحكام يتعاملون معهم كما تتعاملون في أوربا مع الأفاعي.

ولا «هولاند» نطق، ولا أحد من الموجودين في القاعة، كما لم يبد للأمة أو منها اعتراض!

صار «السحب» على المكشوف إذا يا سادة؟!

ليس المصريون بل العرب كلهم لدى الحكام من عينة السيسي ليسوا بشرا، ولكي يصيروا كذلك قيل معهم عشرون سنة، وقيل بل ربع قرن، وقيل ستون سنة مما تعدون، أو مما لا تعدون ولا تحسنون عداً، إذ إن العد مع وجود «العسكر» يبدأ من جديد كل مرة!

هذه المنطقة التي يتحدث الجنرال عنها هي حاضنة الديانات، ومهد التقدم والرسالات، من قديم الزمان احتوت خطوات المصلحين ومعمري الأرض، خطا فوقها أحمد، صلى الله عليه وسلم، ومن قبل المسيح عيسى بن مريم، ونوح، وشعيب، وزكريا، ويحيى، ورسل أحصاهم الله وعدهم عدا، صلى الله وسلم عليهم جميعا.

هذه المنطقة من العالم هي المُكلفة لنقل هديه تعالى، ونوره، يُقالُ عنها مثل هذه الكلمات من تافه مغمور، ولا وزن ولا قيمة له في تاريخ البشرية؟!

 «3»

ـ مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا..

ـ وبكرة تشوفوا مصر..

ـ أنا أقدر ابني وأعلي .. آه أقدر .. أنتوا نسيتوا إنكم بتتكلموا عن مصر ولا إيه؟!

ـ آه أقدر أعمل شبكات طرق في سنة .. بمصر وأولادها وعلمائها .. هي مصر صغيرة ولا إيه؟!

مثل هذه التصريحات ذهبت أدراج الرياح، وتاهت وضاعت إلى الأبد، كان يقولها ليمني المصريين بالصبر والتحسن، مثلما اعتقدنا أن كلامه عن «الأرز» الخليجي سيصير إلى مشكلة مع المُعطين له من «الشيكارة» أو الشوال من ملوك وحكام الخليج، الجميع متفق مع بعضه إذاً، وهم «دافنينه سوا» برأي العامة في مصر، أي متفقون على مصلحة واحدة، ذهبت كلمات السيسي عن الاستقرار، والبناء، كما ذهبت كلمات «عبد الناصر» و«السادات» من قبل أدراج الرياح عن الرخاء، وبدا العد من جديد في مصر، ليس فيها وحدها بل الأمة العربية، وفي رواية أخرى للسيسي «الإسلامية» أيضا.

«4»

اليوم التالي لم تتأخر ترجمة «ترهات» السيسي وكلماته المرتبكة المبعثرة، ولكم تمنيت على عالم حقيقي أن يشرح لنا شخصية هذا الكائن!

الثلاثاء الماضي ذهب أمين شرطة برشاشه لشرب الشاي في مدينة الرحاب، واحدة من أرقى مدن القاهرة، وفي «صينية» المدينة بعد أن ابتلع الأمين الشاي تشاجر مع بائعه «مصطفى محمد مصطفى محمد» لأن الأمين رفض دفع الجنيه ثمن الكوب وقال الأخير:

ـ ألا يكفيك أني لا آخذ منك نقوداً من جلوسك هنا، على سبيل البلطجة؟!

وأصاب المجرم ثلاثة، وخرج تصريح الوفاة بأن البائع مات من دون سبب!

الأمين القاتل لأجل ما يعادل 10 سنتات أمريكية، أو عُشرِ الدولار قتل لأمر تافه حقير لكنه تعلم من السيسي الإجرام، وله الله الشعب المصري «هيموت يعني هيموت»، أمين شرطة، أي مرحلة، وظيفية مصرية فقط، بين العسكري والضابط، شخص لم يتلق تعليما كافيا، مجرد ستة شهور عسكرية عقب تعليمه المتوسط، مع الاعتذار لكل إنسان فاضل نال تعليماً متوسطاً، والأمين من بعد شخص لديه رشاش أو مسدس في «الدرب الأحمر» كما في «الخصوص» في كل مكان من مصر، وهم يقتلون المصريين لأجل لا شيء!

«5»

القاتل المأجور الحقير يقول عن المقتولين المغلوبين على أمرهم إنهم ليسوا أصحاب حضارة وإنما متخلفون، وهو الذي يرعى التخلف بعد أن «استغل» أصحاب الفهم الضيق والمصالح من العلمانيين والليبراليين وأقصد البعض الخائن على كل حال، وأوهمهم ألا مطمع له في حكم مصر، وفعلها بهم وفيهم وبالشعب كله، والذين أعانوه وفوضوه وأعطوه الفرصة يتحملون الوزر معه.

لكن بماذا تصف السيسي وبشار وأكابر المجرمين الذين تمادوا في الدم والخيانة ولا تكفي أوصاف العالم فيهم، وبماذا نصف حكاما وعالما يصمت على جرائمهم؟!

رحم الله نجيب محفوظ لما أوجز واختار لأحد قصصه القصيرة اسم:«الشيطان يعظ» أو يحكم ويرأس الجمهورية في حالتنا..!