كتاب عربي 21

ثورة.. أم انقلاب؟

1300x600

لم يعد أحد يجادل في أن ما جرى في مصر يوم 3 يوليو الماضي، هو انقلاب وليس ثورة، فقد حُسم الأمر، وتوقف الجدل، وان كان بعض ضيوف "الجزيرة" الجدد من الانقلابيين، تكون بداية مشاركتهم من أول "المقرر الدراسي"، وبالحديث عن الثورة التي جرت، فإنهم سرعان ما يتجاوزون ذلك بعد المشاركات الأولى، وإن كانوا لا يغادرون الفصل الثاني الخاص بفشل الإخوان، وكأن انقلابهم نجح في حل المشكلات التي فشل الإخوان في حلها، وكأن الأزمات لم تتفاقم في عهد السلطة المغتصبة للحكم التي مثلت درساً بليغاً في الكفاح الفاشل، وعنواناً بارزاً علي الفشل وقد تمثل بشراً من لحم ودم!

إذا قدر لك أن تخالط من يناصرون سلطة الانقلاب، فسوف تستمتع بكيف أن القوم في حواراتهم العادية لا ينسون أبداً أن ما جرى هو انقلاب بالوصف والرسم، فالحديث يكون عن هذه الواقعة جرت قبل الانقلاب، وهذا الحدث وقع بعد الانقلاب. وأحدهم جاء لي مطالباً أن أتدخل وأطلب من زميل أن يحذف تعريفه الذي يجري تقديمه به، وهو "منسق حركة ناصريون ضد الانقلاب"، وعندما أخبرته بأنه ليس ما في الأمر ما يستدعي غضبه، فكل القوى السياسية فيها وفيها.. فيها المنحاز للشرعية، وفيها المنحاز للفريق السيسي. قال: لكن الناصريين، كل الناصريين، يؤيدون الانقلاب. وعندئذ قلت له معني هذا أنكم تعترفون بأن ما جرى كان انقلاباً! فأسقط في يده، واتهمني بأنني أقوم بتغيير الموضوع هروباً من الموضوع الرئيسي!

ونقل لي أحد الأصدقاء كيف أن خلافاً حدث بين اثنين من الانقلابيين في حضوره على توقيت واقعة بعينها، وظل أحدهم يكرر بأنها كانت قبل الانقلاب، بينما أصر الآخر على أنها كانت بعد الانقلاب، ولم يتنبها إلى خطورة ما قالا إلا عندما قال لهما الحاضر المستمتع بالحوار ضاحكاً: لو قام أحد بتسجيل هذا الجدل لتحولتما أمام الناس إلى فضيحة!

أنا درويش قديم، من دراويش الشيخ عبد الحميد كشك، شرّقت وغربت، وظل موقعي منه كما هو، وعندما أجريت معه الحوار اليتيم قبل وفاته، مازحه صديق مشترك بعد المقابلة بأن من حاوره "علماني". وانزعج الرجل مخافة أن أعبث بالحوار حين نشره، لكن من مازحه عاد ليطمئنه بأنني على الرغم من ذلك فإنني "أمين" مهنياً. ولعل هذا لم يخفف من حدة انزعاجه إلا بعد أن تم نشر المقابلة بدقة، وكانت المقدمة تأكيدا على المكانة: درويش.

نفس الصديق هذا، هو من مازح الشيخ يوسف البدري قبل ربع قرن من الزمان، وكنا ثلاثة من الصحفيين ضيوفاً عليه في منزله، واستأذنته بمجرد أن وصلت في دخول "دورة المياه"، وأخبره صاحبنا بأن الداخل "علماني"، فعاد ليسأله بعربية " قريش": وما معنى "علماني"؟.. قال له ضاحكاً: "إن العلمانيين يقضون حاجتهم وقوفاً"، وكانت ليلة ليلاء!

لم يكن لباب الحمام ما يمكنني من غلقه بإحكام، وقد صددت أكثر من غارة للشيخ وهو يحاول اقتحام "الموقع" وهو يهتف مرة "سليم يا ابني بيتي طاهر فلا تنجسه"، وتارة: "سليم يا ولدي بيتي طاهر فلا تنجسه".. أيضاً. فالخلاف كان بين موقعي منه "ابني" أم "ولدي"؟!

الشيخ كشك يروي في أحد خطبه كيف أن قسّاً يعمل بالتبشير جاء إلى مصر وطلب من القوم أن يأتوا له بعدد من المسلمين لتنصيرهم، فوجدوا طائفة الحرفيين هم من يمكن التأثير عليهم بالمال لتحقيق الشكل للقس. وظل الرجل ثلاث ساعات يتحدث عن الأب، والابن، وروح القدس، ثم توقف ليشرب، فران على الجلسة صمت عميق، قطعه احد الحضور بعفوية بقوله: "وحدوه"، ربما دون أن يتبين مدلول "هتافه"، وكانت الاستجابة له عفوية أيضاً، إذ ردد الحضور: لا إله إلا الله.

ثورة، أم انقلاب؟.. هذا سؤال تجاوزته الأحداث، لأن الإجابة عليه باتت معلومة للجنين في بطن أمه، وقد توقفت الدعاية عن أنه ثورة من قبل المؤيدين لما جرى يوم 30 يونيه، ويوم 3 يوليو، فحتى من مثّلوا غطاء ثورياً لهذا الانقلاب غادروه، ومنهم من يتم سجنه الآن. فقد استدار قادة الانقلاب ليأكلوا من سبق لهم أن شاركوا في ثورة يناير، وانحازوا لهم تحت لافتة أن خلافنا مع الفلول ثانوى وأن الخلاف الجذري هو مع الإخوان!

والشعب الآن يخوض معركته من أجل كسر الانقلاب.