كتاب عربي 21

بناقص تعاطفهم.. ليتهم يتعاطفون مع إسرائيل!

ينتقد البعض علاقة الفصائل الفلسطينية بإيران- تسنيم
يجلس أحدهم على أريكته، فلا يجد ما يتحدى به الملل، إلا أن يفرض وصايته على المقاومة!

وأحدهم هذا مثلي؛ لم يحدث أن تبرع للمقاومة بمليم واحد، ولم يقدم لها سوى التعاطف المجاني، لكنه يتصور بتعاطفه أنه ناضل، وضحّى، ووقف على خط النار، وتعاطفه يكفي لأن يقوم بدور الوصاية فيملي عليها إرادته، ويفرض عليها أن تتحرك في إطار حساباته هو البسيطة، وليس حساباتها هي المعقدة!

يقول قادة المقاومة إن إيران قدمت الدعم للمقاومة، وأنها منحازة لها، فيقرر أحدهم هذا من تلقاء نفسه أنه لا دعم، وأن عليها أن تنفض يدها من إيران الشيعية، ولا تتحالف إلا مع أهل السنة والجماعة، ولا تسأل أحدهم هذا: وأين زعماء الدول السنية؟ لأنك لن تسمع إلا استدعاء للتاريخ، والاعتصام بالجغرافيا، وإن كان معظم القادة هم إلى العدو أقرب منهم للمقاومة!

ينكر أحدهم هذا، وهو يتبوأ مقعد الوصي، زيارة هذا القائد أو ذاك لطهران، وما العمل لفك هذا الحصار الإقليمي عليها؟ لا رد، لأنهم يريدون حشر المقاومة في الزاوية كما فعلوا مع الرئيس محمد مرسي، الذي ألقى بكل ثقله على الدولة السنية الأم، فلما ضمنت أنه لا ناصر له، تآمرت عليه، تماما كما حدث مع حركة النهضة، التي كانت قد بدأت رحلتها بعد الثورة بالاقتراب من إيران، فتدخل المحور السني على الخط، انظر كيف انتهى الحال الآن؟!

المسرحية الإيرانية:

بالعقل والمنطق، أن المقاومة هي من تقرر خياراتها، وفق ظروفها، فهي أدرى بالتحديات التي تواجهها، لكن حزب أحدهم هذا، لا يتوقف عن القيام بدور الأستاذ المعلم، والوصي عليها، وكل ما قدمه هو هذا التعاطف المجاني!

المقاومة هي من تقرر خياراتها، وفق ظروفها، فهي أدرى بالتحديات التي تواجهها، لكن حزب أحدهم هذا، لا يتوقف عن القيام بدور الأستاذ المعلم، والوصي عليها، وكل ما قدمه هو هذا التعاطف المجاني

المقاومة تقول إنها تتلقى الدعم من إيران، وحزب أحدهم، الوصي على حركة الكون، يريد أن يطلع على تفاصيل هذا الدعم، ولو قدمت له قائمة بذلك، فسوف يستمر على موقفه!

يشكر أحد قيادات المقاومة الهجمات الإيرانية على تل أبيب، فينبري له أحدهم وحزبه رافضا أن يكون لهذه الهجمات أي أثر، فهي مجرد مسرحية تم الاتفاق عليها بين طهران، وواشنطن، وتل أبيب، بهدف إقناع سيادة أحدهم بأن إيران ضد أمريكا وإسرائيل!

على أيامنا كانت هناك أصوات نشاز، تصور إيران وثورتها على أنها حليف للولايات المتحدة الأمريكية، وهو تصور أفرزه العته العقلي، لكن القاعدة العامة كانت تعلم، وبدون توافر معلومات لديها، أن قطيعة القاهرة معها لم تكن منطلقة من إرادة مصرية، ففضلا عن أن الإقليم هو من كان يحدد سياسة مصر الخارجية في عهد مبارك، فإن مبارك في الشأن الإيراني كان يفعل هذا ترضية للجانب الأمريكي، ولا مانع بين الحين والآخر من الإعلان عن القبض على خلية شيعية، ولم يثبت في فترة أن تم إثبات تلقيها دعما ماليا من إيران!

لاحظ أن مصر أعلنت القبض على تنظيم "إنكار السنة" بقيادة الدكتور أحمد صبحي منصور، "عربون محبة" في وقت كانت تجري تفاهمات مع الجانب السعودي لعودة العلاقات بعد القطيعة في عهد السادات، وما للأجهزة الأمنية بمن ينكر السنة، أو يأخذ بالأحاديث الضعيفة، أو الموضوعة، أو المنكورة؟!

وبعيدا عن التنجيم والتخمين، فقد ذكرت من قبل أن رئيس حزب الأحرار المصري مصطفى كامل مراد طلب من الرئيس مبارك السماح لقادة أحزاب المعارضة بالسفر لطهران، فليس من المنطق أن تقطع مصر علاقتها بدولة بحجمها، وكان جواب مبارك: "الأمريكان يزعلوا"، فلما أوجد له ثغرة، وهي أن يرد عليهم بأن السفر هو قرار الأحزاب، ولا سلطان له عليها.. قال مبارك: "إنهم يعرفون البئر وغطاءه"، وسيقولون إنني من وافقت لكم على ذلك!

بين الفارسية والشيعة:

ما علينا، فعندما ضاقت حلبة المناورة، وصار حديث المسرحية مردودا عليه، تقدم أحدهم والذين معه خطوة للأمام في اتجاه الإفصاح عن أصل المشكلة! إن القادة في طهران يبحثون عن بعث مجد الإمبراطورية الفارسية. وماذا في هذا وأنت في المقابل تتحدث عن "الوحدة العربية".. وتاريخ العرب؟

البعض يتصور أن "العروبة" دين، ومن ثم فإن صح أن الإيرانيين يعتصمون بفارسيتهم فقد خرجوا على الدين، مع أن هذه عصبية وتلك عصبية، والإسلام فوق هذه العصبيات، ولا مانع من تعدد دوائر الانتماء، لكن الانتماء للإسلام يعلو على هذا كله ليكون الرابطة الجامعة للمسلمين، فلماذا تتحدث أنت عن العروبة، وتنكر عليهم الحديث عن دولة الفرس؟! وفي فخرك بصلاح الدين الأيوبي لا تعلم أنه كردي وليس عربيا.

وفي صدر الإسلام قال الرسول عن سلمان الفارسي "سلمان منا آل البيت"، وفي الوقت نفسه نزل قرآن يُتلا ليوم القيامة يلعن الحسيب أبي لهب: "تبت يدا أبي لهب وتب".. ولم يستثن التوبيخ القرآني زوجته: "وامرأته حمالة الحطب"!

عندما ضاقت حلبة المناورة تماما، تم الإفصاح عن حقيقة الموقف، فتم التوقف عن دعاية إنها مسرحية إلى القول إنهم "شيعة".. هنا يمكننا القول إننا وصلنا لبيت القصيد!

وهو إعلان يلزمه دفوع ثانوية هي أهم من الدفع الأصلي، فاستشعار العامة بخطورة المذهب الشيعي لا يتأتى إلا بذكر أنهم يسبون الصحابة: "عمر وأبي بكر وعثمان" رضوان الله عليهم.. وفي سياق آخر يتم التذكير بإباحة القوم لزواج المتعة.. وينهي الداعية السلفي المناظرة بالضربة القاضية مع الشيعي.. أريدك أن تزوجني زوجتك متعة، فيبتهج أنصاره!

ليس عندي دفاع عن زواج المتعة، لكن هذا إهانة لفترة كان مباحا فيها بإجماع أهل السنة، فهل كان الصحابة بمقتضى إباحته يتمتعون بزوجات بعض؟!

أما سب الصحابة رضوان الله عليهم، فلا يستطيع أحد أن يأتي بخطبة لقيادة إيرانية فعلت، فهناك منع لذلك، ولا أنكر أنها السياسة، لكني في الوقت ذاته لا أنسى أن عهدا بأكمله سبت فيه فاطمة الزهراء، وعلي كرم الله وجهه، والحسين سيد الشهداء، على أعواد المنابر الرسمية، وهذا لا يمنع من انحياز أحدهم هذا لهذا العهد!

ليس عندي دفاع عن إيران، ليس في اعتصامها بالمذهب الشيعي، ولكن في تمسك الدولة الإيرانية بأنها مرجعية المذهب، وسعيها لأن تهيمن به على المنطقة، كما هتف في وجهي شيعي مصري: "الدعم الإيراني لا يصل إلينا، إنهم يدعمون التشيع السياسي لا المذهبي"، وذلك عندما قلت له بعد الثورة مازحا: لقد انتهى نفوذ جهاز أمن الدولة، وصار من حقكم تلقي التمويل الإيراني!

فليس عندي إنكار، لأن إيران تريد أن تتوسع على حساب المنطقة، وليس عندي دفاع عن انحيازهم لغزو العراق، مع أن من أهل السنة من أيدوا ذلك، وليس عندي دفاع عن مساعدتهم لبشار الأسد في جرائمه ضد الشعب السوري بعد الثورة!

وليس عندي دفاع عن انحيازهم للانقلاب العسكري في مصر، ظنا منهم أنه سيوفر لهم موضع قدم مع السلطة الجديدة، فخابت حساباتهم، وفي الحقيقة أن حساباتهم في مصر كلها خائبة، وكثيرا ما وقعوا في حبائل نصابين وهم يسعون لأن يكون لهم حضور في قاهرة المعز!

المشروع الإيراني يكون الرد عليه بمشروع سني، والمشروع الصفوي (إن صح)، يكون الرد عليه بمشروع عربي، وما يستوجب على الحكام القيام به، لا يكون البديل له هو اندفاعات أحدهم وحزبه؛ حزب تحدي الملل

ومع هذا الموقف من التقارب مع العسكر في بداية انقلابهم، لم نجد هناك غضاضة في تقارب المقاومة مع النظام المصري، فهي صاحبة الحل والعقد، وهي من تحدد خياراتها في حرية تامة!

لكن المشروع الإيراني يكون الرد عليه بمشروع سني، والمشروع الصفوي (إن صح)، يكون الرد عليه بمشروع عربي، وما يستوجب على الحكام القيام به، لا يكون البديل له هو اندفاعات أحدهم وحزبه؛ حزب تحدي الملل!

وإن تجاهلت فلن أتجاهل هذه المذهبية البغيضة التي تجلت لنا بإعدام الرئيس صدام حسين في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة، وكان إعدامه وطريقته قرارا إيرانيا، لا تخطئ العين دلالته!

بيد أني مؤمن بأن المد الشيعي لن يأخذ من المنطقة إلا ما يأخذه الريح من البلاط، وهو ما تؤكده دروس التاريخ ومؤمن أن الأنظمة العربية لن تسمح له بالتمدد ومرجعيته طهران، حفاظا على كراسيها، ومؤمن -كذلك- بأنه حتى التشيع السياسي ليس له مستقبل، وهو ما كان في أوجه بعد انتصار حزب الله في 2006، لكن الحزب بدد هذا الحضور، وقد حضر المذهب في الغزو الأمريكي للعراق، الأمر نفسه ينطبق على الدولة الراعية للمذهب، فإذا بهذا الحضور المفتوح يتحول إلى عهن منفوش!

وقبل هذا وبعده، فأنا مع أي حجر يلقى على العدو، وإن ألقاه كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ومع حق المقاومة في اختيار حلفائها، فالتنوع هو ما جعل لها هذه القوة، في وقت انهارت فيه مشروعات في المنطقة، لأن خصومها هم من حددوا لها حدود حلبة المصارعة.

وإذا كان أحدهم يعتقد أنه بمجرد التعاطف صار له حق الوصاية.. فبناقص!

ليتهم يتعاطفون مع إسرائيل!

twitter.com/selimazouz1