قضايا وآراء

انتخابات الرئاسة التركية وإنجازات أردوغان

ينتظر الأتراك جولة الحسم للرئاسة- جيتي
شهدت الانتخابات التركية فوزا مريحا بأغلبية البرلمان لتحالف الجمهور ممثلا في حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفائه، بينما لم يحسم الرئيس أردوغان الفوز من الجولة الأولى على غريمه كليتشدار أوغلو زعيم الحزب الجمهوري، حيث لم يتجاوز أردوغان نسبة 50 في المئة +1، فقد حصل على نسبة 49.51 في المئة مقابل 44.88 في المئة لكليتشدار أوغلو.

وكان هذا الحدث مفاجأة غير متوقعة، فقد كانت التوقعات أن ينجح الرئيس أردوغان من الجولة الأولى في حين يواجه حزبه تحديات قد تحول دون حصوله على أغلبية مريحة في البرلمان. وفي المقابل، انتكست توقعات حزب الشعب الجمهوري ومُني بخسارة فادحة، فقد خسر أكثر من 30 مقعدا برلمانيا لصالح أحزاب إسلامية متحالفة معه ضد أردوغان، وفي الوقت نفسه جاء ترتيبه الثاني في انتخابات الرئاسة ليذهب لجولة الإعادة والفشل يحيط به من كل جانب، واللوم والوجوم والتنازع سيد الموقف بين أعضائه. ولم يختلف عن ذلك حليفه حزب الجيد الذي خسرت رئيسته ميرال أكشينار حلمها بأن يتغير النظام الرئاسي التركي وتتولى رئاسة الوزراء، بعد استحالة تحقيق ذلك في ظل الأغلبية المريحة لتحالف حزب أردوغان.
إجراء جولة إعادة للانتخابات الرئاسية يمثل حدثا نوعيا يحدث لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، وحدوثه مع أردوغان يطرح العديد من التساؤلات عن سلوك الأتراك وعدم اكتراثهم بما حققه أردوغان من نهضة للدولة التركية

إن إجراء جولة إعادة للانتخابات الرئاسية يمثل حدثا نوعيا يحدث لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، وحدوثه مع أردوغان يطرح العديد من التساؤلات عن سلوك الأتراك وعدم اكتراثهم بما حققه أردوغان من نهضة للدولة التركية التي كانت تعيش في غيابات الفقر والمرض، فلا دخلٌ يقيم بيتا، ولا مستشفى يداوي جرحا، ولا تعليم يقيم إنسانا، ولا مياه نظيفة تمر في البيوت، ولا هواء نظيفا، اللهم سوى تلوث وروائح كريهة تزكم الأنوف.

لقد بنى أردوغان دولة من عدم، وأعاد لتركيا مجدها ودورها، وحرص على بناء الإنسان فيها، كما بنى احتياجات بلاده من الغذاء والدواء والكساء والمساكن والسلاح، والطرق والسدود، والموانئ والمطارات.

وعلى المستوى الدولي ظهر دوره الفعال، لذا تكالبت قوى الشر في الغرب سعيا لإسقاطه، وخرجت العديد من صحفها تعلن ذلك دون استحياء، وحولوا الانتخابات إلى معركة بين استقلال وتبعية، بين إمبراطورية عثمانية وغربية، بين إسلام وغير إسلام، واصفين حكم أردوغان بالدكتاتورية، وما ذاك إلا كذب وافتراء، فلو كان الأمر كما يدعون لما دخل أردوغان الجولة الثانية من الانتخابات ولنجح بنسبة تقترب من مائة في المائة كما يحدث في بلد غلمانهم وسماسرتهم من بلاد العرب.

إن الغرب يعادي تركيا لأن الرئيس أردوغان حقق للدولة التركية استقلالا، وهو في خطته للفترة الرئاسية الجديدة يسعى لجمهورية جديدة بعد مائة سنة من اتفاقية لوزان التي قيّدت تركيا، وبعد ثمانين سنة من حكم العلمانية المتطرفة التي قضت على الخلافة العثمانية وطردت الأسرة العثمانية وشرّدتها في بقاع الأرض، وعاثت في الأرض فسادا وحربا على الإسلام وأهله، ومنعا للحجاب وستره، وتحويل المساجد إلى إسطبلات للخيول، ومنع الأذان من أن يرفرف في بلد فتحها محمد الفاتح بالعدل والإحسان.

إن ما يُحزن المرء أن مدينة إسطنبول التي ولد وترعرع فيها أردوغان، وحقق فيها نموذجا تنمويا عالميا وقت رئاسته لبلديتها في العام 1994م، لم تُعط للرجل حقه، حيث حصل على 46.69 في المئة من أصواتها مقابل 48.55 في المئة لغريمه كليتشدار أوغلو الذي لا يعرف هو وحزبه سوى لغة الفشل، وأهل إسطنبول أنفسهم يرون بأم أعينهم الفشل الذريع الذي يحيط بهم من أكرم إمام أغلو، رئيس بلديتهم ممثلا عن الحزب الجمهوري. فهذا الرجل لم يفلح في شيء إلا في حب الظهور، وكان له دور ملموس في تغذية التضخم في إسطنبول ومن ثم تركيا بتعمده المتكرر رفع أسعار الخدمات وفي مقدمتها النقل والمواصلات والمنافع العامة، وفي عهده غرقت إسطنبول بمياه الأمطار مرات ومرات، وعانى الناس من حركة وغلاء أسعار المرافق العامة. وهو مع كل ذلك تطاول على رئيس الدولة -الذي يصفونه بالدكتاتور- في ختام الجولة الأولى من الانتخابات وما زال حرا طليقا لا يمسه أحد، ويمارس هوايته في ترك خدمات بلديته وتقمص دور رئيس دولة.

طبيعة الأتراك أنه عندما يحدق الخطر بهم، يخافون من عدم الاستقرار وانهيار الاقتصاد، ويصوتون في اتجاه واحد، ومن ثم سيصوتون في نفس اتجاه الأغلبية البرلمانية، بما يحول بين التعارض بين الرئاسة والبرلمان
إن قراءة المشهد التركي تُبرز أن الفوز حليف أردوغان في الجولة الثانية بإذن الله، فقد حصل على هذه النسبة في الجولة الأولى رغم ما مُنيت به تركيا من أزمة التضخم وأزمة الزلزال، والفرق بينه وبين غريمه كليتشدار أوغلو من الصعب أن يحصل عليه كليتشدار أوغلو من حصة المرشح سنان والذي حصل على نسبة 5.17 في المئة؛ لا سيما في ظل تحالفه مع حزب الشعوب الكردي الذي هو في عداء مع القوميين الأتراك، كما أن طبيعة الأتراك أنه عندما يحدق الخطر بهم، يخافون من عدم الاستقرار وانهيار الاقتصاد، ويصوتون في اتجاه واحد، ومن ثم سيصوتون في نفس اتجاه الأغلبية البرلمانية، بما يحول بين التعارض بين الرئاسة والبرلمان.

لذا فلا مناص من اختيار أردوغان الذي تحتاجه تركيا لإكمال مهمته في عمران ما هدمه الزلزال، ومعالجة قضية التضخم في ظرف عام، وتعزيز الإنتاج والصادرات، وترشيد الواردات، والاكتفاء من النفط والغاز، وبناء الإنسان التركي في التعليم على مبادئ الإسلام، وتسليح تركيا بما تحتاجه من وسائل الدفاع، وتركها من بعده في يد أمينة تكمل الطريق، بما يعيد للأتراك مجدهم وللمسلمين عزهم.

twitter.com/drdawaba