كتاب عربي 21

السيسي إلى البيت الأبيض.. منتصراً!

لماذا غيّر بايدن موقفه من "ديكتاتور ترامب المفضل"؟- صفحة الرئاسة المصرية
سنتكلم في المسكوت عنه!

فقبل منتصف هذا الشهر، سيزور السيسي الولايات المتحدة الأمريكية ليلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأول مرة (الزيارة) منذ انتخابه، وهي الزيارة التي كنت أول من أعلن عنها، ولم أنقل خبرها عبر مصادر خاصة في القصر الرئاسي المصري، ولكن لأنه بلغني استعداد "أقباط المهجر" لها، من خلال شحن عناصرهم من الولايات المختلفة، وتفريغها في واشنطن، في إقامة مدفوعة طيلة فترة الزيارة، كما هي العادة منذ أن تولى الجنرال حكم مصر مع كل زيارة له لواشنطن ولغيرها من العواصم الغربية، ليستقبل بزفة؛ كان هناك ما يبررها في بداية حكمه، والاستمرار فيها يؤكد أنه إلى الآن لم يستشعر أنه صار رئيساً شرعياً للبلاد!

لقد بدا الرئيس الأمريكي، منذ أن كان يوصف بـ"الجديد"، معرضاً عن أن يلتقي بديكتاتور ترامب المفضل، بسبب الانتهاكات في ملف حقوق الإنسان، ورفض ترتيبات للقاء في الخارج، على هامش أي تجمع دولي، وإذ اتصل به هاتفياً من قبل، فقد كان لغرض الوساطة لدى المقاومة الفلسطينية للاتفاق على وقف إطلاق النار، بعد الاعتداء الإسرائيلي على غزة، والذي ردت عليه المقاومة بما أفزع الإسرائيليين، وإذ طلب بايدن من القطريين التعاون مع القاهرة للوساطة، فقد رأى السيسي ألا يشاركه أحد في ذلك، وباعتبار أن الموضوع رتب له وضعاً لم يكن على البال أو الخاطر، إلى درجة أن الرئيس الأمريكي نفسه يتواصل معه، وإن كان الرفض الأمريكي للقاء مشترك (وجهاً لوجه) تم بعد هذا الاتصال الهاتفي!

الوضع بدأ يتغير شيئاً فشيئا، عندما أعلن البيت الأبيض عن زيارة للرئيس الأمريكي لمدينة شرم الشيخ لحضور قمة المناخ في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهناك حسابات خاصة ببايدن لحضور القمة، وسابقه كان يريد أن ينسحب من هذه الارتباطات، ليؤكد (بايدن) بمشاركته فيها على استمرار السياسة الأمريكية. ومع هذا اعتبرت اعترافاً بشرعية السيسي

الاعتراف بشرعية السيسي:

الوضع بدأ يتغير شيئاً فشيئا، عندما أعلن البيت الأبيض عن زيارة للرئيس الأمريكي لمدينة شرم الشيخ لحضور قمة المناخ في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهناك حسابات خاصة ببايدن لحضور القمة، وسابقه كان يريد أن ينسحب من هذه الارتباطات، ليؤكد (بايدن) بمشاركته فيها على استمرار السياسة الأمريكية. ومع هذا اعتبرت اعترافاً بشرعية السيسي، لا سيما وأنه لم يتحدث في اللقاءات الثنائية عن ملف حقوق الإنسان، ولم يمارس ضغوطاً للإفراج عن معتقلين تهتم بأوضاعهم الدوائر الغربية، وإذ كان هناك حديث جانبي عن هذا الشخص أو ذاك، فلم يطرحه الرئيس، وإنما عرضه الوفد المرافق له، وللدقة فلم يشأ بايدن أن يحرج "نظيره" المصري بتقليب المواجع. ويبدو أنه منذ هذه الزيارة الميمونة بدأت الترتيبات لزيارة السيسي لواشنطن، وسيعود من هناك وقد حقق انتصاراً جديداً بعد سلسلة من الانتصارات في الآونة الأخيرة!

إنه لم يتقدم من الرئيس التركي ذراعاً ليتقدم منه باعاً، فالصحيح أن السيسي وقف في مكانه وجاء إليه أردوغان هرولة، ومواقع البحث تحفظ هذا الإعلان المتكرر، قبل الأكل وبعده، للخليفة بأنه لن يصافح منقلباً أبداً!

وهذا إذا استبعدنا المصالحة مع قطر، والتي كانت ضمن إطار خليجي، تماماً كما كانت مشاركته في الحصار، لأن خليجيين قرروا ذلك، ولم يكن له في الأمر من شيء، لكن الانتصار هنا من زاوية أنه صار في وضع أقوى من ذي قبل، فلا توجد دولة تشكك في شرعيته، أو تعاديه، ولم يجد نفسه مضطراً لعداء أحد، وأصحاب القرار في قمة العلا قرروا الدخول في السلم كافة!

رمية بغير رام:

بدون لف أو دوران، فإن هذه الانتصارات التي ستتوج بسفره للقاء الرئيس الأمريكي هي بسبب الإشارات التي أرسلت بفشل الدعوة إلى مظاهرات 11/11، التي اعتبرها الجنرال رمية بغير رام، وهي الدعوة التي بدت لقيطة لا نعرف هوية الداعين إليها، قبل أن يتبناها البعض ممن ينتسبون لمعسكر رفض الانقلاب بجهل منقطع النظير، فكان من نتيجة ذلك إعادة اعتقال من تم اعتقاله، ومطاردة من نجح في الإفلات من الاعتقال منهم. وشكلت الدعوة بهذا التبني رأياً عاماً ضاغطاً، كان سبباً في عدم مناقشتها مناقشة جادة، ولو بطرح سؤال من وراء هذه الدعوة؟ فأي تلميح لذلك كان سبباً في حملة إدانة من قبل بلهاء على السوشيال ميديا، فقطعاً من يشكك في هذه الدعوة العظيمة إنما هو مستفيد من استمرار حكم الانقلاب ومن وجوده في الخارج!
هذه الانتصارات التي ستتوج بسفره للقاء الرئيس الأمريكي هي بسبب الإشارات التي أرسلت بفشل الدعوة إلى مظاهرات 11/11، التي اعتبرها الجنرال رمية بغير رام، وهي الدعوة التي بدت لقيطة لا نعرف هوية الداعين إليها، قبل أن يتبناها البعض ممن ينتسبون لمعسكر رفض الانقلاب

ثم كانت الصدمة الكبرى في عدم خروج أحد البتة، ولم نشهد محاولة للخروج جرى إحباطها، لدرجة أن أحداً لو قال إن وراء هذه الدعوة والترويج لها أجهزة مخابراتية، لكان رأيه له وجاهته، للوصول إلى هذه الحالة من انتصار السيسي، ومن إحباط خصومه، هل ينكر أحدكم أنه أحبط بعد هذا الفشل الذريع؟.. نعم هو الفشل الذريع!

لقد بدت دعوة لقيطة، لا صاحب لها، وكلما أشرنا إلى أحدهم تبين أنه من المجموعة التي تبنتها، ثم كان لافتاً أن الحديث عنها في البرامج التلفزيونية للأبواق الإعلامية للانقلاب مبالغ فيه، لولا إيماني العميق أن السيسي يخشى من أن يقدم على مغامرة كهذه، فليس هو عبد الناصر الذي يعلن التنحي بعد النكسة، فتحمله الجماهير للعودة المتوقعة للحكم. وهناك أكثر من سبب يدعوه لتمثيل الدور، أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، بيد أنه يفتقد القدرة على المناورة السياسية، خوفاً من أن تكون القاضية!

لا يُرد علينا بأن الأجهزة الأمنية استعدت لها، فنحن لم نشاهد في مائة مليون نسمة، ولو مريضاً نفسياً خرج للشوارع، وفي كل مرة يكون هناك مغامرون، قد يتعرضون للاعتقال، لكن هذا العزوف الكامل كان مفاجأة، ولعله كان مفاجأة لأهل الحكم أنفسهم!

إن الذين سلخونا بألسنة حداد، باعتبارنا نعوق الثورة القادمة، لم يمثلوا الطليعة للدعوة، فربما لو خرجوا لكسروا حاجز الخوف، لكنهم اكتفوا بانتظار الثورة عبر "فيسبوك"!

سيطرة السيسي على الحكم:

ومهما كانت الأسباب فإن الرسالة التي وصلت للبيت الأبيض ذاته أن السيسي رجل مسيطر سيطرة تامة، ولا يبحث الغرب لمصر عن حاكم ديمقراطي في موقعه بإرادة شعبية، لكن يهمه أن يكون الحاكم قادرا على فرض سيطرته، فالرؤية الأمريكية القديمة التي تولدت مع ضربات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، نسيها أصحابها، وهي أن الاستبداد العربي كان سبباً في خلق التطرف الديني، وفي عجز المتطرفين عن مواجهته فذهبوا ليواجهوا أمريكا في عقر دارها، وهي الرؤية التي كانت سبباً في تلقف السلطة المصرية لمراجعات الجماعة الإسلامية بعد أن كانت لا تكترث بها، وفي هامش الحريات الذي حدث بعد عام 2004، وفي الترخيص لبعض الأحزاب، والصحف!
الرسالة التي وصلت للبيت الأبيض ذاته أن السيسي رجل مسيطر سيطرة تامة، ولا يبحث الغرب لمصر عن حاكم ديمقراطي في موقعه بإرادة شعبية، لكن يهمه أن يكون الحاكم قادرا على فرض سيطرته، فالرؤية الأمريكية القديمة التي تولدت مع ضربات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، نسيها أصحابها

وإزاء التحديات الكثيرة التي تواجه الإدارة الأمريكية الحالية، وشيخوخة الحكم، كانت العودة إلى سياسة الرئيس المسيطر، وبالتالي فإن عدم خروج ولو نفر واحد خوفاً من الاعتقال والتنكيل هو قيمة مضافة للسيسي، ومن ثم تجاوز رجل أمريكا المتوفى اللاءات السابقة، وقد جاء لشرم الشيخ بدون أن يضغط في ملف حقوق الإنسان، بل ويستضيف البيت الأبيض السيسي، والذي لم يكن الرئيس الأمريكي مستعداً للقاء به ولو في الخارج على هامش أي قمة!

وإذ أسمع أصواتا الآن "تطيّب خاطر" من تبنوا الدعوة إلى 11/11، فالشعب لا يستحق تضحياتهم الجسام، فأوقن أن وجودهم سيكون سبباً في المزيد من انتصارات السيسي، وكأن هؤلاء "مطيبو الخواطر" ليسوا من الشعب الذي تقاعس، وكأنهم خرجوا للشوارع وهم رهن الاعتقال الآن!

إنه خلل لا بد من مواجهته، والضرب على الأيدي، التي تسببت برعونتها فيما نحن فيه الآن من هزيمة وإحباط، وهو خطأ نتيجة الجهل بطبائع الأمور!

الربيع العربي والإعلام الجديد:

لقد كنت دائماً ومنذ بداية الثورة حريصاً على أن أضع النقاط فوق الحروف، ولو نجحت في ذلك لما وصلنا لهذه الحالة!

فبعد نجاح الثورة في إجبار مبارك على التنحي، شاهدنا وفوداً من الشباب تسافر للخارج للحديث عن الثورة باعتبارهم أصحابها، وطالبت هؤلاء بأن يعلنوا عن أدوارهم المتميزة فيها، ولم أيأس من ترديد مقولة قلتها يوم أن ذهب نفر للتفاوض مع المسؤولين باسم الثوار، وهي أن الثورة أنتجت مطالب ولم تفرز زعامات!

وعلقت زميلة بأن جيلنا سافر كثيراً فلنترك الشباب يسافر ويسعد، وقلت لها إن هذه الدعاية ستنتج عنها آثار مدمرة، واستنكرتُ كثيراً ائتلافات الشباب ووصفتها بـ"ائتلافات الوجاهة الاجتماعية"!

وعندما تحرك من تبقى من نظام مبارك لخلق زعامة للثورة حذرت من مغبة ذلك، وعندما ألف أحدهم كتاباً تمت ترجمته للغات عدة كتبت: كيف لمن لم يحضر محطات الثورة الرئيسية أن يكتب عنها كتاباً ضخماً؟ وقد شاهدناه في شقته مع أصدقائه يأكل ويلهو بينما الثوار عند القصر الجمهوري، وكنا وقتها هناك حيث لا يجد الثائر الحق دورة مياه يقضي فيها حاجته، أو العثور على مطعم للحصول منه على سندويتش فول، فهو حلم صعب المنال في هذا اليوم!

ومن الخزعبلات التي أثيرت وتصديتُ لها أن الإعلام الجديد ومنصات التواصل هي من قام بالثورة، وهذا إفك عظيم، استهدف خلق زعامات من الهواء ونسبة الثورة لها، وكان الغرب يضغط من هذا الاتجاه، ليدعي وصلا بثورة الشعب المصري!
يناير كانت تخطيطاً على الأرض، من قوى سياسية عدة، رسمت خط سير التحركات، ونقاط الوقوف، ثم نقطة التمركز أو المصب، وهذه القوى هي التي حددت يوم 28 كانون الثاني/ يناير لجمعة الغضب، وحددت المساجد التي سيكون منها الخروج لميدان التحرير

وامتلأت مكتبات كليات الإعلام بدراسات عن تأثير الإعلام الجديد على ثورات الربيع العربي، وترتب على هذا الشعور أن كل من يملك قناة على "يوتيوب" الآن، واستحسن حديثه الناس، يعتقد بقدرته على تحريك الجماهير، وقيادة الشارع من خلف هاتفه النقال، فإن فشل فالأزمة في الشعب!

إن يناير كانت تخطيطاً على الأرض، من قوى سياسية عدة، رسمت خط سير التحركات، ونقاط الوقوف، ثم نقطة التمركز أو المصب، وهذه القوى هي التي حددت يوم 28 كانون الثاني/ يناير لجمعة الغضب، وحددت المساجد التي سيكون منها الخروج لميدان التحرير. وتجاوز هذا هو سبب فيما جرى من تبنٍ لدعوة، دون أن يكون هناك تنسيق مع نفر واحد على الأرض، وبمجرد الاعتقاد أنه بإعطاء إشارة البدء بالثورة فسوف تقوم في التو واللحظة!

ليس هذا مجال "تطيب الخواطر"، لأنه في وجود من يبررون سوف يستمر الفشل، وتستمر الهزائم، ويتنقل السيسي من نصر إلى نصر!

لا تنسى أن الجميع كان مع مبارك قبل 25 يناير، وكانت الثورة هي الخبر الثالث في الجزيرة، وكانت هيلاري كلينتون تقول إن النظام في مصر قائم ومستمر!

حكمة بالغة فما تغن النذر!

twitter.com/selimazouz1