قضايا وآراء

بين القمة الفرنكفونية بتونس وكأس العالم بقطر.. توسيع دائرة المقارنة

أدخلت قطر تقاليد وثقافة المنطقة في كأس العالم- جيتي
تناول جمهور شبكة التواصل الاجتماعي بالمقارنة حدثين مهمين متزامنين في بلدين عربيين: القمة الفرنكفونية في دورتها 18 التي انعقدت خلال يومي 19 و20 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بجزيرة جربة في تونس، ودورة كأس العالم التي تنظمها قطر في دورتها الحالية لسنة 2022.

المقارنة كانت حول عدة نقاط: التنظيم، والمشهدية التعبيرية، والإمكانيات المادية، والعلاقة بقضايا الأمة وهويتها.

النتيجة لم تكن لصالح جماعة الفرانكفونية، حيث كانوا هدفا لانتقادات واسعة ولحجم من السخرية غير مسبوق، خاصة في ما تعلق بما سمّي "عروضا فنية"، حيث ظهر أشخاص في صور رديئة مهينة للكرامة الآدمية ناهيك عن قيم شعب مسلم، لقد كانت تعبيرات تافهة لا علاقة لها بالفن ولا يمكن بحال أن تعبر عن حقيقة تونس وعن عمقها الحضاري ومستوى وعي شعبها.
في الوقت الذي اشتم فيه المتابعون روائح التطبيع في القمة الفرانكفونية، تابع العالم هتاف جزء واسع من الجماهير في ملعب المونديال في قطر باسم فلسطين، على وقع قفزات الشاب التونسي الرشيق وهو يركض بالملعب متوشحا علم فلسطين

المتابعون حمّلوا المسؤولية للسلطة المنظمة إذ سمحت بمثل تلك السخافات ولم تتحمل مسؤولية مراقبة برنامج العروض والتعبيرات، وحيث تغاضت عن إهانة البلاد وتقديمها للعالم في صورة مقرفة ومنفّرة.

مقابل ذلك، أشاد جمهور شبكات التواصل بمجهودات مسؤولي قطر سواء في الجانب المادي أو في الجانب الفني الجمالي والقيمي، فقد استعد القطريون كما ينبغي للحدث العالمي، واستغلوا المناسبة ليتخذوا منها منصة عالية يخاطبون من عليائها العالم كله بما يليق بحضارتنا وديننا وقيمنا الأصيلة.

المعلقات التوجيهية المكتوبة بأكثر من لغة كانت بقدر ترحابها بالضيوف تدعوهم إلى احترام تقاليد البلد المضيف، فلم تسمح بما ينافي الذوق العالم والفطرة السليمة والمشترك الأخلاقي، كما قدمت صورة رائعة عن رحمة الإسلام وتكريمه للذات البشرية؛ حين قدمت ذاك الشاب المعجزة غانم المفتاح لافتتاح الدورة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم وتقديم كلمة بليغة ومؤثرة، ثم كانت مشاهد استعراضية غاية في اللياقة والرشاقة والأناقة، مصحوبة بلعبة تداخل الألوان وسحر الأضواء في مشهدية إبداعية تنتزع الإعجاب والتقدير.

وفي الوقت الذي اشتم فيه المتابعون روائح التطبيع في القمة الفرانكفونية، تابع العالم هتاف جزء واسع من الجماهير في ملعب المونديال في قطر باسم فلسطين، على وقع قفزات الشاب التونسي الرشيق وهو يركض بالملعب متوشحا علم فلسطين.

هذه المقارنة ذهبت بالكثيرين إلى الحديث عن حضور سيادة وطنية في قطر وغيابها في تونس، وهذا الاستنتاج يبدو عاطفيا وغير دقيق، ونحتاج قبله إلى توسيع دائرة المقارنة بالنظر في طبيعة العلاقات الخارجية لكل من تونس وقطر.

في باب توسيع عناصر المقارنة علينا ألا نغفل عن عامل مهم وهو الاقتدار المادي، فلا مجال للمقارنة بين حجم الثروات في البلدين، غير أن هذا المعطى لا يمكن أن يعفينا من حقيقة دور الإرادة السياسية في كل بلد من البلدين. إننا لا نستطيع إخفاء حالة العجز السياسي وغياب الرؤية بل وغياب الموقف الحازم تجاه الاختراق الفرنسي لبلادنا

فتونس مستعمرة فرنسية سابقة وما زالت فرنسا تعتبرها تابعة لها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، والاستعمار الفرنسي الذي غادر مستعمراته بعساكره لم يغادرها ثقافيا وإداريا، وأغلب تلك المستعمرات السابقة في المغرب العربي وأفريقيا ما زالت تتحكم بها نخبة فرنكفونية، وما زالت لغة إداراتها فرنسية، وما زالت نخب الهوية ودعاة الأصالة يتعرضون للمحاصرة والإقصاء ومحاولات الاستئصال.

في المقابل، فإن دولة قطر علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية وتتمتع معها بما تتيحه الليبرالية من حرية في التعبيرات الثقافية والدينية. فأمريكا دولة رأسمالية واستعمارية أيضا ولكنها لا تقوم على أساس ثقافي كما فرنسا، وإنما تقوم على أساس مادي رأسمالي فلا تقاتل إلا لفتح أسواق أو نهب ثروات، في حين أن فرنسا -إضافة إلى مصالحها المادية- تخوض معارك ثقافية بل وحتى دينية، وهو ما يفسر عداءها للحرية وللديمقراطية حين تُنتجان تيارات الهوية وخصوم الفرنكفونية.

وفي باب توسيع عناصر المقارنة علينا ألا نغفل عن عامل مهم وهو الاقتدار المادي، فلا مجال للمقارنة بين حجم الثروات في البلدين، غير أن هذا المعطى لا يمكن أن يعفينا من حقيقة دور الإرادة السياسية في كل بلد من البلدين. إننا لا نستطيع إخفاء حالة العجز السياسي وغياب الرؤية بل وغياب الموقف الحازم تجاه الاختراق الفرنسي لبلادنا، سواء عن طريق نخبه المهزومة حضاريا أو عن طريق "خلايا" ربما تكشف التحقيقات الجارية -في ملف الجهاز السري الفرنكفوني- أنها تُدار من خلال غرف من الداخل التونسي أو من الداخل الفرنسي.

twitter.com/bahriarfaoui1