كتاب عربي 21

اتفاقيات جديدة بين أنقرة وطرابلس

1300x600
قام وفد تركي رفيع المستوى، الاثنين، بزيارة العاصمة الليبية طرابلس، لإجراء مباحثات مع المسؤولين الليبيين لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تم خلال الزيارة توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات مختلفة، مثل الطاقة والأمن والاتصالات والإعلام، بالإضافة إلى مناقشة خطوات الحل السياسي وملف الانتخابات.

زيارة الوفد التركي حملت رسائل عديدة بعضها موجهة إلى الداخل الليبي والأخرى إلى الأطراف الإقليمية والدولية. ولعل أولى تلك الرسائل هي أن أنقرة ما زالت تدعم حكومة الدبيبة المعترف بها دوليا، وجاء تأكيد هذا الدعم بعد أن أثارت الزيارات التي قام بها لتركيا كل من وزير الداخلية الليبي السابق، فتحي باشاغا، ورئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، علامات استفهام حول موقف أنقرة من الحكومتين الليبيتين المتنازعتين. ومن المؤكد أن زيارة الوفد التركي لطرابلس أزالت كافة تلك الأسئلة، لتشدد على استمرار وقوف أنقرة إلى جانب حكومة الوحدة الوطنية الليبية.

تركيا تدعم أمن ليبيا واستقرارها ووحدة أراضيها، كما تدعم الجهود المبذولة للتوصل إلى مصالحة وحل سلمي للأزمة الليبية، وإجراء الانتخابات ليختار الشعب الليبي حكومته وممثليه عبر صناديق الاقتراع. وهي منفتحة على جميع الأطراف الليبية، إلا أن هذا الانفتاح ليس على حساب تحالفها مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا.
الاتفاقيات الجديدة التي وقعت عليها أنقرة وطرابلس خلال زيارة الوفد التركي للعاصمة الليبية كلها مهمة، إلا أن مذكرة التفاهم في مجال الاستثمار النفطي والطاقة الهيدروكربونية هي أهمها، بلا أدنى شك، وهي التي تعترض عليها أثينا وحلفاؤها، لارتباطها بالتوازنات الإقليمية والصراع على ثروات البحر الأبيض المتوسط

الاتفاقيات الجديدة التي وقعت عليها أنقرة وطرابلس خلال زيارة الوفد التركي للعاصمة الليبية كلها مهمة، إلا أن مذكرة التفاهم في مجال الاستثمار النفطي والطاقة الهيدروكربونية هي أهمها، بلا أدنى شك، وهي التي تعترض عليها أثينا وحلفاؤها، لارتباطها بالتوازنات الإقليمية والصراع على ثروات البحر الأبيض المتوسط.

أنقرة وطرابلس سبق أن وقَّعتا على اتفاقية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وأفشلت تلك الاتفاقية محاولات اليونان لفرض خارطتها غير العادلة في البحر الأبيض المتوسط على حساب حقوق تركيا وليبيا، كما أتاحت الأخيرة مساحات بحرية شاسعة للاستفادة منها. ومن المتوقع أن تحوِّل مذكرة التفاهم الجديدة تلك الاتفاقية إلى واقع ملموس، من خلال أعمال البحث والتنقيب في المناطق التي تقع داخل الحدود البحرية الليبية.

ليبيا لا تملك حاليا إمكانيات للقيام بمثل تلك الأعمال، وبالتالي، تحتاج إلى اتفاق مع دول أو شركات عالمية تملك سفنا للبحث والتنقيب عن النفط والغاز، كما تفعل كثير من الدول. ومن المعلوم أن تركيا لديها عدد من تلك السفن الحديثة، أحدثها سفينة السلطان عبد الحميد الثاني. وبالتالي، لا غرابة في توقيع طرابلس مذكرة تفاهم مع أنقرة للاستفادة من سفن تركيا وخبرتها في أعمال البحث والتنقيب عن النفط والغاز في مياهها.

الاتفاقيات الجديدة بين أنقرة وطرابلس عموما، ومذكرة التفاهم في مجال الاستثمار النفطي والطاقة الهيدروكربونية على وجه الخصوص، أزعجت اليونان ومصر، كما أعلن فتحي باشاغا وعقيلة صالح رفضهما للاتفاقيات الموقعة خلال زيارة الوفد التركي للعاصمة الليبية، بدعوى أنها غير قانونية بسبب انتهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية التي وقعت عليها.
انزعاج أثينا من مذكرة التفاهم الأخيرة يعود إلى أنها سترسخ اتفاقية ترسيم الحدود التي أفسدت أحلام اليونان في البحر الأبيض المتوسط، ولكن انزعاج القاهرة منها ودفاع مصر عن مصالح اليونان على حساب مصالحها ومصالح جارتها غير مفهوم، لأن إفشال الخارطة الظالمة التي تسعى اليونان إلى فرضها في البحر الأبيض المتوسط يخدم مصالح مصر كما يحمي مصالح ليبيا

انزعاج أثينا من مذكرة التفاهم الأخيرة يعود إلى أنها سترسخ اتفاقية ترسيم الحدود التي أفسدت أحلام اليونان في البحر الأبيض المتوسط، ولكن انزعاج القاهرة منها ودفاع مصر عن مصالح اليونان على حساب مصالحها ومصالح جارتها غير مفهوم، لأن إفشال الخارطة الظالمة التي تسعى اليونان إلى فرضها في البحر الأبيض المتوسط يخدم مصالح مصر كما يحمي مصالح ليبيا. وبالتالي، يمكن القول بأن استياء مصر من الاتفاقيات المبرمة بين أنقرة وطرابلس يعود في أساسه إلى استمرار التوتر في العلاقات التركية المصرية، رغم كل المساعي المبذولة لترميمها. وأما اعتراض باشاغا وصالح فليس إلا مناكفة سياسية، لأنهما يرفضان الاتفاقيات الجديدة ليست لأنها تضر المصالح الليبية، بل يعترضان على توقيعها مع حكومة الدبيبة.

الخارجية التركية أكدت أن أنقرة لا تعير اهتماما للتصريحات اليونانية والأوروبية المعترضة على الاتفاقيات التي أبرمتها مع طرابلس، مشيرة إلى أن "الاعتراض على هذه الاتفاقيات المبرمة بين دولتين تتمتعان بالسيادة، يتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة".

كما رفضت حكومة الوحدة الوطنية الليبية أي تدخل في مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا، وأكد المتحدث باسم الحكومة، محمد حمودة، أنها "لصالح الشعب الليبي" و"شأن خاص للدولتين". وإضافة إلى ذلك، يلفت مسؤولون ليبيون إلى الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع شركات عالمية للاستفادة من ثرواتها في البحر الأبيض المتوسط، ويتساءلون: "أحلال لكم وحرام علينا؟"، و"ما المانع من قيام شركة نفط تركية بأعمال البحث والتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري الليبي، بدلا من إكسون موبيل الأمريكية أو توتال الفرنسية؟".

twitter.com/ismail_yasa