كتاب عربي 21

السياسة الليبية.. ماذا يطبخ في الدوائر المغلقة؟

1300x600

من أهم نتائج فشل خطة السيطرة على العاصمة من قبل الحكومة المكلفة من مجلس النواب إبعاد الخيار العسكري من المشهد وعودة الحيوية إلى السياسة، إلا أن اتجاه السياسة ليس وفقا لنتائج فشل العمل العسكري على الأرض، وإنما رهنا للعقل السياسي الأكثر حيوية وفاعلية، وهو هنا قيادة مجلس النواب ومن يدعمه في صناعة الموقف والسياسة من دوائر تفكير، هناك مؤشرات على أنها خارجية.

التطورات على الساحة الدولية والإقليمية والتي في مقدمتها رغبة أمريكية في استغلال نتائج الحرب الروسية الأوركرانية في ترتيب الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما يبدو أنه ظلال لهذا التوجه وهو التقارب بين أعداء الأمس، السعودية والإمارات والبحرين ومصر في مواجهة تركيا وقطر، هذه التطورات تلقي بظلالها على الواقع الليبي، ومن ذلك الإحجام عن دعم عملية الدخول للعاصمة بالقوة من قبل جبهة طبرق الرجمة الشهر الماضي، كما وقع العام 2019م، والتراجع خطوة في الموقف السياسي المتصلب من قبل جبهة طبرق الرجمة وهو الإصرار على تمكين العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات الرئاسية.

ماكينة السياسة تشتغل بحيوية اليوم، لكن بلا صورة او صوت، بمعنى أن هناك شئ يطبخ في أماكن مغلقة له رائحة ولا يعرف كنه، وهو ما دفع قنوات إعلامية ومراقبين ومحللين إلى القول بأن صفقة وقعت بين رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري.

إعلان رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في إفتتاح لقاء مجلس النواب الأخير، عن استبعاد شروط الترشح للانتخابات الرئاسية تطور مهم في مسار التسوية والاتفاق لإجراء الانتخابات، وبرغم أن عقيلة صالح لم يقل بتأجيل الانتخابات الرئاسية والتركيز على الانتخابات البرلمانية كمرحلة أولى، إلا أن تأكيده على استبعاد شروط الترشح المختلف حولها يعني أن الانتخابات الرئاسة مؤجلة، فليس من المحتمل أن تقع انتخابات رئاسية وخليفة حفتر ليس في السباق نحو كرسي الرئاسة، إذ لم يتعطل المسار السياسي وتفشل كل الحوارات إلا لأن جبهة طبرق الرجمة تصر على ضمان فرصة كبيرة لحفتر للوصول إلى كرسي الرئيس.

مصادر مختلفة تحدثت عن اتفاق بين صالح والمشري يقضي بالترتيب للإنتخابات التشريعية في مقابل الاحتفاظ بصلاحيات الرئيس لدى المجلس الرئاسي الذي سيخضع وفق هذه الصفقة لتغيير يأتي بعقيلة صالح على رأسه وذلك حتى إجراء الانتخابات الرئاسية التي تتطلب دستورا يقره المجلس التشريعي المنتخب.

وفقا لهذه التخريجة فإن جبهة طبرق الرجمة تثبت حيويتها وقدرتها على المناورة وتحقيق المكاسب حتى مع اتجاه رياح السياسة الدولية والإقليمية عكس ما تشتهيه، فعقيلة الذي لا فرصة له في العودة لرئاسة المجلس التشريعي المنتخب أو كرسي الرئاسة عبر الانتخابات يستمر في المشهد بصلاحيات لا بأس بها عبر المجلس الرئاسي، وهو قادر على مضاعفة نفوذه خلافا للرئيس الحالي للمجلس، محمد المنفي.

 

مصادر مختلفة تحدثت عن اتفاق بين صالح والمشري يقضي بالترتيب للإنتخابات التشريعية في مقابل الاحتفاظ بصلاحيات الرئيس لدى المجلس الرئاسي الذي سيخضع وفق هذه الصفقة لتغيير يأتي بعقيلة صالح على رأسه وذلك حتى إجراء الانتخابات الرئاسية التي تتطلب دستورا يقره المجلس التشريعي المنتخب.


المجلس الرئاسي سيتمتع بصلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يعني أن بقاء حفتر كنافذ عسكري ممكن وبصلاحيات معتبرة وذلك حتى التوافق على دستور وإجراء الانتخابات الرئاسية، وهذه مكاسب لا يستهان بها في ظل واقع سياسي وأمني داخلي وخارجي، يضيق على جبهة طبرق الرجمة ويحاصرها.

من نتائج فشل الرهان على القوة لفرض أمر واقع وتغليب السياسية لتحقيق المصالح والغايات التوافق على اللجوء إلى القضاء للفصل في القضايا الخلافية، ولأن الاتفاق السياسي يقضي بتوافق النواب والأعلى للدولة لتعيين رئيس المحكمة العليا، والذي هو رئيس الدائرة الدستورية أيضا، ولأن شيئا لم يصدر عن الأعلى للدولة بخصوص تعيين رئيس جديد للمحكمة العليا من قبل مجلس النواب برغم الخرق القانوني الجلي في إجراء تعيينه، وهو ما يعني موافقة ضمنية من الأعلى للدولة حتى الأن، فإن المحكمة العليا والدائرة الدستورية ربما لن تكون ضمن الضغوطات التي تعرض لها مجلس النواب ورئاسته بعد إعادة تفعيل الدائرة الدستورية والنظر في طعون العديد منها ضد قرارات لمجلس النواب ورئيسه، أو الطعن في اي اتفاق جديد بين النواب والاعلى للدولة.

إذا صحت تلك التكنهات فإن هناك احتمالا لتمرير الاتفاق، فالجبهة الداخلية التي سئمت الحروب وسوء الأوضاع الاقتصادية وتردي الخدمات العامة لن تكون عائقا، فالقرار وفق الطرح الحالي بيد الغرب الليبي، ولأن الاتفاق لا يقضي باستبعاد عبدالحميد ادبيبة فقد تقبل القوى السياسية والعسكرية في الغرب الليبي بما تم الاتفاق عليه، والخارج ممثلا في الأمم المتحدة والأطراف الدولية الفاعلة يبحث عن توافق بين الجسمين وبين الأطراف الإقليمية المتورطة في الأزمة الليبية، وبالتالي سيكون داعما وليس معرقلا.