كتاب عربي 21

الحوار الوطني.. أم النعجة دوللي؟!

1300x600
فلما كانت الجلسة الثانية من جلسات تنسيقية الحوار الوطني، تذكرت على الفور التطور السريع في حياة النعجة، الفقيدة، دوللي!

فقد تم استقبال حالة النعجة المذكورة بزفة عارمة، احتفاء بالتقدم العلمي المعجز، وكان الانبهار هو سيد الموقف، وربما هو ما أراده من وقفوا خلف حالة الاستنساخ هذه. وتم سؤال رجال الدين بهدف التعجيز؛ عن حكم الإسلام في أن يدخل مجال الاستنساخ على البشر، بعد النجاح في مجال استنساخ نعجة عظيمة، أوشكوا أن ينصبوا لها مزاراً، ويقيموا لها ضريحاً يطوفون به. وإذ توقفت الضجة وتم طوي الملف، ولم يعد أحد يتذكر النعجة، ربة الصون والعفاف، تم نشر صورة لها بعد عام، وقد ظهرت عجوزاً، أصابها الكدر والهرم مبكراً، وظهرت لها لحية بيضاء، يعرف دلالتها من لهم اتصال بعالم الحيوان، وسرعان ما نشر خبر وفاتها!

فالجلسة الثانية لما يسمى بالحوار الوطني في مصر، كانت تدشيناً لحالة الهرم السريع، حتى بدا الكلام ماسخاً، والموضوع فاقداً لجاذبيته، والحوار ليس أكثر من دوللي المستنسخة، وقد فقدت بريق ظهورها في البداية، لأن القوم كان هدفهم استنساخ فكرة الحوار الوطني. وقد شغلت الدعوة الجميع، ولم يكن مسموحا، في ظل آمال الكثيرين العريضة، بأي رأي يمكن أن يقلل من جرعة التفاؤل، حتى بدا من يدعو الى رفض الحوار كما لو كان سيبعث يوم القيامة وقد كتب على جبينه: "آيس من رحمة الله"!
القوم كان هدفهم استنساخ فكرة الحوار الوطني. وقد شغلت الدعوة الجميع، ولم يكن مسموحا، في ظل آمال الكثيرين العريضة، بأي رأي يمكن أن يقلل من جرعة التفاؤل

فلما كانت الجلسة الثانية، بدا أن مناديا نادى في القوم، أن أطفئوا الأنوار، وأوقفوا المطرب عن الغناء، واطلبوا من المدعوين مغادرة الموقع، فقد ذهبت العروس للعريس، ليصبح الجري للمتاعيس، أو كما جاء في المثل المصري، وكأن الهدف من هذه الدعوة لم يكن سوى تحسب للمقابلة الأولى للرئيس الأمريكي الجديد، الذي ضن على السيسي باللقاء، فلم يلتقه عندما جمعهما مؤتمر واحد في الخارج، رغم إلحاح مساعدي الجنرال من أجل تحقيق هذه الأمنية الغالية، لتكون المرة الوحيدة التي اتصل به بايدن فيها هي للقيام بدور لصالح إسرائيل، وبالضغط على حركة حماس، لأنه "حارس البوابة"، فتضطر المقاومة للاستجابة له.

أعمال السيادة:

وكان اللقاء في المملكة العربية السعودية بروتوكولياً، فلم يفتح بايدن ملف الاستبداد السياسي وقمع الحريات، حيث تعامل على أنه "لقاء الضرورة" التي تقدر بقدرها، فكان في حدود التقاط الصور بدون تبكيت أو توبيخ. فلم يجد السيسي نفسه مضطراً لأن يخبر الراعي الأمريكي بأنه دعا لحوار وطني؛ قال في البداية إنه لن يستثني منه أحداً، ثم استثنى الإسلاميين، ليكون قاصراً على تجمع 30 يونيو، ثم اختزل هذه التجمع في الأقلية الناصرية، وإن دُعي ليبرالي هو عمرو حمزاوي، لاستكمال الشكل وزينة. وقد انتهى اللقاء مع بايدن على خير، فقد عاد من هناك بطلب طي ملف الحوار الوطني، وكانت الجلسة الثانية بتفريغه من معناه!
قال في البداية إنه لن يستثني منه أحداً، ثم استثنى الإسلاميين، ليكون قاصراً على تجمع 30 يونيو، ثم اختزل هذه التجمع في الأقلية الناصرية، وإن دُعي ليبرالي هو عمرو حمزاوي، لاستكمال الشكل وزينة. وقد انتهى اللقاء مع بايدن على خير، فقد عاد من هناك بطلب طي ملف الحوار الوطني، وكانت الجلسة الثانية بتفريغه من معناه

في الجلسة الأولى قال المنسق إن الحوار الوطني لن يتطرق لتعديل الدستور، باعتبار أن الحوار يدور في إطاره وتحت مظلته. ولا نعرف ما الجريمة في أن يدور الحوار في رحاب الدستور ثم يطلب طالب بتعديل هذا النص أو ذاك، فالسيسي انتخب على أساس هذا الدستور ثم عدله بالمخالفة لنصوصه، لكنهم اعتبروا أي أمر يخص هذا الدستور هو من أعمال السيادة، وقرار خاص بالسيسي، الذي سيجد نفسه مضطراً بعد قليل لتعديله، لأنه إذا دخل في الولاية الأخيرة سينزعج من المجهول، كما أن الدستور وقف بنصوصه حائلاً دون استكمال الفرح بالانتقال المرتقب للعاصمة الإدارية الجديدة، فلم يكن أمامه إلا إعادة تعيين الحدود الشرقية لمحافظة القاهرة، لتكون هذه المباني ضمنها وتكون مجرد ضاحية من ضواحي العاصمة القديمة وليست عاصمة جديدة أو بديلة!

وفي الجلسة الثانية، اتسعت أعمال السيادة لتشمل عموم القضايا المهمة، وعندما سئل المنسق العام من جانب الصحفيين إن كان الحوار الوطني سيطلب إقالة الحكومة، قال إن هذا ليس من صلاحياتهم الدستورية، وعندما سئل إن كان سيطلب بحل البرلمان، قال أيضاً إن هذا ليس من الاختصاص الدستوري للحوار الوطني، فحتى البرلمان ليس من سلطته حل نفسه! ولم تتطرق أسئلة الصحفيين إلى قضايا أخرى، مثل الانتخابات الرئاسية المبكرة، وغير هذا، لأن هذا السؤال يدخل في المناطق الحرام، فمن يجرؤ على ذلك، حتى من الذين كانوا من قبل ينامون ويستيقظون وهم يطالبون الرئيس محمد مرسي بانتخابات رئاسية مبكرة، منذ اليوم الأول لإعلان فوزه، مع أنهم عندما خرجوا بهذا المطلب في 30 حزيران/ يونيو 2013 لم يكن قد مر عام واحد على انتخابه، لكنهم الآن لا يجرؤون على ذلك مع واحد انتهت ولايته الثانية، بحكم دستور 2014 الذي انتخب السيسي نفسه بمقتضاه، ولا يجوز له أن يبقى يوماً إضافياً في السلطة إذا كانوا بالفعل يوقرونه؛ حد أنهم يشترطون على من يحوز صلاحية دعوته للحوار أن يقر به، ويتعبد بنصوصه!
لا يوجد وضع دستوري للحوار نفسه، ولا يجوز مع كل مطلب أن يكون الرد بأن هذا ليس من الصلاحيات الدستورية للحوار الوطني، لتصادر الآراء بمقتضاه، فلن يكون بالتالي مجرد "مكلمة" يقول المشاركون فيها ما يريدون، ثم يرفع الأمر الى صاحب القداسة فيتجاهل كل ما قالوه

لا يوجد وضع دستوري للحوار نفسه، ولا يجوز مع كل مطلب أن يكون الرد بأن هذا ليس من الصلاحيات الدستورية للحوار الوطني، لتصادر الآراء بمقتضاه، فلن يكون بالتالي مجرد "مكلمة" يقول المشاركون فيها ما يريدون، ثم يرفع الأمر الى صاحب القداسة فيتجاهل كل ما قالوه. فمجرد رفع المطالب ممنوع في حد ذاته، ليكون هذا الاستنساخ المشوه لفكرة الحوار الوطني، فهناك قيود على مجرد طرح الآراء، فليس كل الموضوعات مباحاً الكلام فيها.. مجرد الكلام، ليكون السؤال: وما هو المباح في حوار القوم؟!

إنهم لن يناقشوا التفريط في تيران وصنافير، وهو التفريط الذي قلنا منذ اليوم الأول إنه لصالح إسرائيل، ولا يستهدف البيع للمملكة العربية السعودية كما قال كثيرون.. استهوتهم الفكاهة، ولم يعلموا أنه كثيرا ما تكون الحقيقة أغرب من الخيال، وها هو بايدن جاء بنفسه للمنطقة لإتمام عملية التنازل هذه!

والحوار لن يناقش اتفاقية المبادئ، وهي اتفاقية مخالفة للدستور، وليست ملزمة للشعب المصري، فليس من سلطة جماعة الحوار الوطني الدعوة لإلغائها أو حتى عرضها على البرلمان لإلغائها!

والحوار الوطني ممنوع عليه التطرق لقضايا أخرى مثل هذا التفريط في مقدرات الوطن، وموانئه، لصالح الإمارات!

وليس له أن يتطرق لتحديد أولويات عملية الإنفاق، ووقف سياسة إغراق البلد في القروض الخارجية والداخلية!
المراد هو تفريغ الحوار الوطني من محتواه، فاللجنة التنسيقة اختطفت القرار فيه، وهي لجنة من الأقليات الناصرية الوظيفية، ومن ثم وضعت هامش الحوار وألزمت به المدعوين الذين اختارتهم، وقد هبطت بسقف الكلام ليكون في مستوى الأرض!

وفي كل مرة سُيرفع سيف الصلاحيات الدستورية للحوار الوطني، مع أن هذا من صلاحيات السيسي نفسه، فمن صلاحياته الدستورية حل البرلمان، وتغيير الحكومة بالاتفاق مع البرلمان، والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وإحالة اتفاقية المبادئ للبرلمان لرفضها، وفي الاتفاق مع هيئة الأمن القومي والبرلمان لإعلان حالة الحرب ما دام سد النهضة قائماً، لكن المراد هو تفريغ الحوار الوطني من محتواه، فاللجنة التنسيقة اختطفت القرار فيه، وهي لجنة من الأقليات الناصرية الوظيفية، ومن ثم وضعت هامش الحوار وألزمت به المدعوين الذين اختارتهم، وقد هبطت بسقف الكلام ليكون في مستوى الأرض!

منسق.. أم مدير أمن الحوار؟

لقد تحول المنسق العام في المؤتمر الصحفي في الاجتماع الأخير إلى مناظر للصحفيين في المؤتمر الصحفي، وكأنه يشارك في برنامج "الاتجاه المعاكس"، فلا نعرف إن كانت وظيفته منسقا للحوار أم مدير أمنه، لكنه بدا بهذه الحدة كاشفاً عن أن المولد انفض سريعاً، وليس من سلطة الحوار ولو الطلب من الحكومة تنفيذ قانون نقابة الإعلاميين، برفع يدها عن النقابة وتمكين الأعضاء من اختيار قيادتهم بأنفسهم بدلاً من هذه القيادة المعينة بقرار إداري من جانب رئيس الحكومة؛ تخلق في رحم البطلان، بما يطعن فلسفة التنظيم النقابي في مقتل، ويمثل اعتداء على القانون الذي نص على أن النقيب المعين هو لستة شهور فقط وليس لأكثر من أربع سنوات!

وإذ ظهرت النعجة دولي عجوزاً في وقت قياسي، ففي انتظار تشييع الحوار الوطني إلى مثواه الأخير، ليلحق بالفقيدة الغالية!

فإكرام الميت دفنه!

twitter.com/selimazouz1