الذاكرة السياسية

لماذا أعلن علي سالم البيض الانفصال ولجأ إلى سلطنة عُمان؟

فيصل جلول يروي قصة إعلان علي سالم البيض انفصال الجنوب ولجوئه إلى سلطنة عمان

برزت آراء مختلفة داخل الحزب الاشتراكي في سياق بحث سيناريوهات الأزمة وطرق الخروج منها، من بينها رأي في غاية الأهمية عبر عنه محمد حيدرة مسدوس مفاده؛ إن التيار الأصولي ـ القبلي المدعوم من المملكة العربية السعودية هو المستفيد الوحيد من الأزمة. هذا التيار سيدفع علي عبد الله صالح للتخلص من الحزب الاشتراكي، ثم يعود ليتخلص من علي عبد الله ويستأثر بحكم اليمن.

لم يلق هذا السيناريو بالا، لكنه سيتحقق بعد حين. لقد أفضت الحرب إلى إلغاء الشراكة الوحدوية وإضعاف الحزب الاشتراكي ابتداء من العام 1994، ومن ثم إلى بروز أقطاب ثلاثة تناصب علي عبد الله صالح العداء. القطب الأول يتمثل بـ "التجمع اليمني للإصلاح" (مستندا إلى أحزاب "اللقاء المشترك" المعارضة ومن بينها الحزب الاشتراكي)، الذي اتسع نفوذه وشن حملة شاملة على التوريث، وأخذ يطالب برئاسة الجمهورية بوصفه التيار الأكثر تمثيلا في الشارع، أو الموازي في تمثيله لـ "المؤتمر الشعبي العام". والقطب الثاني يتمثل بـ "أنصار الله" المعروفين شعبيا باسم "التيار الحوثي"، وقد باشروا تمردهم على الدولة ابتداء من العام 2004. القطب الثالث يتمثل بالحراك الجنوبي الذي ضم تيارات متعددة، أجمعت على وجوب العودة إلى صيغة الدولتين.

سيتعرض علي عبد الله صالح لمحاولة اغتيال في مسجد "دار الرئاسة" (يونيو ـ حزيران 2011) كادت تودي بحياته، وستكشف التحقيقات أن أبرز المتهمين فيها أصوليو النزعة ولديهم علاقة مباشرة بشخصية عسكرية مقربة من التيار الأصولي، وقد تم الإفراج عنهم في عملية تبادل أسرى عام 2021 بين أنصار الله والأصوليين. وسيتعرض صالح للقتل عام 2017 عندما حاصرت مجاميع حوثية منزله في صنعاء، لتتحقق نبوءة "حيدرة مسدوس" القيادي البارز في الحزب الاشتراكي اليمني، الذي فشل من قبل في حمل الحزب على تفادي مجزرة كانون الثاني- يناير عام 1986، مع فارق أساسي هو أن السلطة في اليمن لم تحسم هويتها بعد، وقد لا تحسم في وقت قريب جراء أقلمة الأزمة اليمنية وتدويلها مع حرب العام 2015.

قبل الوصول إلى هذه المحطة، لا بد من إلقاء الضوء على الفصل الأخير في الشراكة الوحدوية بين علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح. ذكرنا في الحلقة السابقة أن وثيقة "العهد والاتفاق" كانت آخر المحاولات التي بذلت من أجل طي أزمة الحكم الاندماجي والانتقال إلى اللامركزية الإدارية، وكان من المفترض أن يعود نائب الرئيس علي سالم البيض إلى صنعاء من أجل تطبيقها، وينبغي بالمقابل أن يتخذ الرئيس علي عبد الله صالح إجراءات تمهيدية تتيح التعبير عن حسن نيته، من ضمنها اعتقال المتهمين بمحاولات الاغتيال. لكن شيئا من ذلك لم يتم، بل اشتدت الحملات الإعلامية ومعها توزيع الأسلحة والمعدات الحربية على أنصار الطرفين. 

وكانت المملكة العربية السعودية قد دخلت على خط الأزمة، وعقدت صفقات بمليارات الدولارات لتزويد الاشتراكيين بمعدات عسكرية جديدة (تفاصيل هذه الصفقات وعمليات توزيع الأسلحة يمكن متابعتها في كتاب فيصل جلول، اليمن: الثورتان الجمهوريتان الوحدة، بيروت، دار الجديد، 2000).

من جهته بادر الرئيس علي عبد الله صالح إلى عقد تحالف مع "التجمع اليمني للإصلاح"، وإلى تعزيز حضور أنصار الرئيس علي ناصر محمد في مراكز القرار، فضلا عن تعبئة جيشه ووحداته العسكرية؛ استعدادا للقتال الذي صار مؤكدا بعد إقفال كل منافذ حل الأزمة بالوسائل السياسية. 

كانت آخر فرص التوسط مع البيض قد تمت من طرف الدكتور عبد الكريم الإرياني، أحد أبرز مساعدي علي عبد الله صالح والجنرال علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، التي كانت ركنا أساسيا في الجيش وفي حكم الرئيس اليمني الراحل. التقى الرجلان مع البيض قبل فترة وجيزة من اندلاع الحرب. سمعت من كل منهما، بعد شهور من اللقاء، وصفا متقاربا لما جرى، موجزه أن علي سالم البيض فقد ثقته بالرئيس، وأنه كان منفعلا في حديثه؛ إذ كرر مرارا أنه صنع وحدة اندماجية على قاعدة الشراكة في الحكم واختيار الأفضل من التجربتين، وأن الدستور هو الحكم وليس الارتجال، وأن الوحدة لا تترجم بعودة الفرع إلى الأصل: "لسنا فرعا ولستم أصلا". وكان مقررا أن يلتقي البيض الرجلين مجددا في اليوم التالي، لكن الإرياني والأحمر أيقنا أن لا جدوى من اللقاء، بل اعتراهما خوف على حياتهما، فقررا التخلي عن السيارات والموكب الرسمي والذهاب فورا من الفندق إلى موقف للسيارات العمومية، وركبا سيارة أجرة نقلتهما إلى صنعاء من دون أن يعرف السائق هويتهما.

بعد أيام ستندلع الحرب في الخامس من أيار-مايو عام 1994 وستختلف التقديرات حول من بدأها. يرى البيض ان الحرب بدأت عمليا في 27 نيسان ـ أبريل عندما ألقى الرئيس علي عبد الله صالح خطابا ناريا في ساحة السبعين حمل فيه بقوة على قادة الحزب الاشتراكي الأمر الذي أدى بعد ساعات قليلة إلى وقوع مجزرة في معسكر مدينة عمران الشمالية، حيث تتمركز قوات مشتركة من الشمال والجنوب. 

تشير التقديرات إلى سقوط أكثر من مئتي جندي و300 جريح و400 أسير، في حين يرى "المؤتمر الشعبي العام" أن الحرب بدأت عبر استفزازات عسكرية جنوبية طالت لواء العمالقة في أبين، تلتها استفزازات عسكرية من لواء باصهيب الجنوبي المتمركز في مدينة ذمار. وستتحول هذه المناوشات إلى معارك متواصلة ابتداء من بعد ظهر الرابع من أيار/ مايو عام 1994. ولن تتوقف إلا في السابع من تموز/يوليو من العام نفسه، تخللها إعلان حكومة انفصالية في عدن في 21 أيار/مايو، أي بعد أكثر من أسبوعين على بدء الحرب. 

في الواقع، ما كانت الحرب بحاجة لمن يبدأها، ذلك أن التوتر كان على أشده جراء انسداد الأفق السياسي لحل الأزمة. وكانت الوحدات العسكرية الجنوبية المتمركزة في الشمال والوحدات الشمالية المتمركزة في الجنوب عرضة لاستفزازات شبه يومية. كان الأمر يحتاج إلى حادث كبير كما جرى في الرابع من أيار/ مايو في ذمار حتى تفتح النار في كل الجبهات. ومع ذلك، لا بد من التأكيد أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يحتفظ بقرار الحرب في اليمن: اندلعت بقرار اتخذه فعلا ولم يخف مسؤوليته عنه، إذ أكد مرارا أنه حارب حفاظا على وحدة الشعب اليمني التي تمت باستفتاء شعبي ديمقراطي.

الملفت في هذه الحرب، هو إدراك القيادة العسكرية الجنوبية أن من الصعب أن تكسبها، فالجيش الجنوبي كان قد تلقى ضربة قاصمة في أحداث كانون الثاني/يناير عام 1986، وما كان لديه الوقت الكافي لإعادة البناء والتجهيز، ناهيك عن انتشار 7 من ألويته الضاربة في الشمال وانعزالها عن خطوط إمدادها الجنوبية.

 

في الواقع، ما كانت الحرب بحاجة لمن يبدأها، ذلك أن التوتر كان على أشده جراء انسداد الأفق السياسي لحل الأزمة. وكانت الوحدات العسكرية الجنوبية المتمركزة في الشمال والوحدات الشمالية المتمركزة في الجنوب عرضة لاستفزازات شبه يومية.

 



إن التفسير الوحيد لانخراط وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر في الحرب، يكمن في ما نقله عبد الرحمن الجفري المعارض الجنوبي الشهير عن تقديرات الحزب الاشتراكي للحرب: "كان قادة الاشتراكي يتصورون أنه ستقع معارك بسيطة حول الألوية الجنوبية في الشمال والشمالية في الجنوب، ثم يتدخل الملحقون العسكريون في سفارات الدول الأجنبية والعربية، ويضعون حدّا للتقاتل ويعلن الانفصال". (أسبوعية الوسط المحتجبة 14/ 8/ 1995).

رهان الحرب كما يفصح عنه الجفري يؤكده سالم صالح محمد (عضو مجلس الرئاسة)، في رواية سمعتها من عضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي الشيخ يحيى منصور أبو إصبع الذي يقول: "في 26 حزيران ـ يونيو 1994 ذهبت إلى القاهرة للتوسط مع سالم صالح محمد فرفض الوساطة، وقال: قل لصاحبك غير مسموح له أن يصبح صدّاما جديدا في المنطقة. قل له سنكسر رقبته وسنريه نجوم الظهر. لقد حصلنا على أسلحة جديدة ستظهر قريبا على الساحة". الأرجح أنها مقاتلات ميغ 29 التي اشترتها المملكة العربية السعودية للجنوبيين خلال الحرب (لقاء في صنعاء 5/10/ 1994 وحول صفقات الأسلحة راجع كتاب فيصل جلول، اليمن: الثورتان الجمهوريتان الوحدة ـ مرجع مذكور).

كان الرئيس علي عبد الله صالح معزولا في الخارج؛ فقد تمكنت دول الخليج، ما عدا قطر، من محاصرته: كانت حركتها مكشوفة وتتم في سياق عقابه على مواقفه المؤيدة للعراق في حرب الكويت، وكانت الولايات المتحدة تدعم الموقف الخليجي من دون أن تذهب بعيدا في الضغط على الرئيس اليمني.

يروي الدكتور الراحل عبد الكريم الإرياني تفاصيل هذا الموقف بقوله: "... لم يلتزم الأمريكيون الحياد، وقد أبلغونا أن دخول عدن خط أحمر. وذلك مسجل بمذكرة خطية. طالبونا ثلاث مرات بإبعاد المدفعية عن عدن، بريطانيا كانت مع الانفصال، وأمريكا تقبل به إذا نجح، في حين كانت فرنسا مع الوحدة، والصين ظلت في موقف متأرجح طيلة الحرب، أما روسيا فكانت غائبة، وتلقينا تأييدا من إسبانيا والأرجنتين". 

وأضاف: "قال السفير الأمريكي في اليمن للعطاس: نحن تهمنا مصالحنا في الشمال والجنوب وما دامت هذه المصالح لن تتعرض للضرر مع الوحدة أو من دونها، فإن زوال الوحدة أو بقاءها أمر لا يهمنا". (السفير اللبنانية 13/ 4/ 1995).

ويؤكد محمد الخادم الوجيه ـ برلماني ووزير سابق ـ الذي كُلِّفَ ضمن وفد نيابي بمقابلة الأمريكيين خلال الحرب: "قالوا لنا في واشنطن لا تقتحموا عدن ونحن من جهتنا لن نعترف بالانفصال. قلت لأحد أعضاء مجلس الشيوخ: أنتم كانت لكم مشاكل مع الولايات الجنوبية وحسمتم الأمر بالقوة، فقال لي: طبعا، ولكن مازلنا نعاني من الآثار السلبية حتى اليوم. قلت له: الآثار السلبية لا تساوي عظمة شعار الولايات المتحدة المرسوم على علمكم الوطني. ابتسم محدثنا ولم يعلق "(لقاء خاص مع محمد الخادم الوجيه في باريس في 24/ 6/ 1994).

كان حيدر أبو بكر العطاس يريد أكثر من هذا الموقف: "قال للسفير مارتن إنديك وروبير بيلليترو مساعد وزير الخارجية؛ إن تحريك حاملة طائرات باتجاه المياه الدولية القريبة من ميناء عدن، يكفي لإرسال إشارة بأن واشنطن لن تقبل بحال التدهور المضطرد للموقف العسكري في الجنوب". فَردّ بيلليترو: "سياستنا مبنية على رفض التدخل العسكري في الحرب" (محضر لقاء العطاس مع بيلليترو وإنديك في واشنطن منشور بين الوثائق التي ضمت إلى الملف القضائي لمجموعة الـ 16 الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية بتهمة الانفصال في صنعاء 22/ 3/  1998). كان جليا أن الولايات المتحدة ليست راغبة بخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط بعد حرب الكويت. 

بيد أن خطأ يمنيا كبيرا كان من شأنه أن يستدرج تدخلا أمريكيا مؤكدا، وهذا ما تنبه إليه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي استقبل وفدا يمنيا من ضمن أعضائه الدكتور عبد الوهاب الآنسي (أحد أبرز قادة التجمع اليمني للإصلاح)، فكشف الآنسي أمام الأسد أن الجيش اليمني بصدد التحضير لإنزال وحدات عسكرية يمنية خلف الخطوط السعودية على الحدود المشتركة بين البلدين، فطلب الأسد من محدثيه الامتناع عن أي خطوة من هذا النوع حتى لا يقع لليمن ما وقع للعراق، علما أن الفرنسيين لم يعارضوا مثل هذه المبادرة بحسب الآنسي، الذي يقول إن حكمة الأسد أنقذت اليمن من كارثة محققة" ـ (لقاء خاص مع  عبد الوهاب الآنسي في 24/ 1/ 2000 بيروت).

والملفت أيضا في هذه الحرب، هو اشتراك عشرة ألوية جنوبية من أنصار علي ناصر محمد فيها بحماس شديد، الأمر الذي استدعى تعيين قائد هذه الألوية عبد ربه منصور هادي وزيرا للدفاع، ومن بعد نائبا لرئيس الجمهورية. سنرى أثر هذه التطور السلبي للغاية على الجنوب والجنوبيين بعد انتهاء الحرب.

فقد علي سالم البيض هامش المناورة بعد مرور أسبوعين من القتال، إذ تبين بوضوح أن الحرب تسير لمصلحة الرئيس علي عبد الله صالح، ومن ثم ما عاد بوسع البيض أن يخرج عما رسمه الحزب الاشتراكي في عدن. وعلى ما تطلبه الدول الخليجية التي تساعده وتوفر له حركة دبلوماسية ناجحة، فضلا عن تمويل الحرب وتوفير أسلحة جديدة، وكان مجمل هذا الدعم يشترط ـ ضمنا أو علنا لا فرق ـ إعلان الانفصال.

في 21 أيار/ مايو كان الرئيس علي عبد الله صالح قد ربح الحرب عمليا، فقد وصلت قواته إلى عدن وحاصرتها وتم فك الحصار عن لواء العمالقة في أبين. وباتت كل الطرق مفتوحة أمام القوات المتقدمة من الشمال، تؤازرها مجموعات جهادية وفتوى دينية بوجوب قتال الماركسيين، فضلا عن الألوية الجنوبية التي خسرت حرب 13 كانون الثاني/ يناير عام 1986، وانسحبت إلى صنعاء وهي تعود اليوم إلى قراها ومدنها بنزعة انتصارية.

في هذا الوقت كان البيض قد انسحب إلى حضرموت "لتخفيف الضغط عن عدن، وتجهيز المكلا عاصمة مؤقتة في حال سقوط العاصمة، وقد وصل معه قادة بارزون على رأسهم وزير النفط صالح أبو بكر بن حسينون، وهو عسكري متمرس ومقرب جدا من البيض، كانت مهمته في غاية الصعوبة؛ لأن حضرموت كانت منطقة خالية من الوجود العسكري في عهد الحزب الاشتراكي. عمل البيض مع ابن حسينون على تحصين الجبهة بواسطة المساعدات العسكرية، التي تأتي مباشرة إلى مطار الريان، لكن عامل الوقت لم يكن مساعدا. لذا؛ صادر المهاجمون بعض صناديق السلاح، وهي لم تفتح بعد" (بحسب شاهد عيان رفض الإفصاح عن هويته). 

 

فقد علي سالم البيض هامش المناورة بعد مرور أسبوعين من القتال؛ إذ تبين بوضوح أن الحرب تسير لمصلحة الرئيس علي عبد الله صالح، ومن ثم ما عاد بوسع البيض أن يخرج عما رسمه الحزب الاشتراكي في عدن، وعلى ما تطلبه الدول الخليجية التي تساعده وتوفر له حركة دبلوماسية ناجحة، فضلا عن تمويل الحرب وتوفير أسلحة جديدة، وكان مجمل هذا الدعم يشترط ـ ضمنا أو علنا لا فرق ـ إعلان الانفصال.

 



تلقى علي سالم البيض قرارا من المكتب السياسي للحزب الاشتراكي المجتمع في معاشيق بوجوب إعلان حكومة انفصالية برئاسة حيدر أبو بكر العطاس، على أن يكون البيض رئيسا للجمهورية. سيطيح هذا القرار بكل فرص التسوية، وسيعزز خطاب الرئيس صالح من أن الحراك السياسي الاشتراكي منذ العام 1993 كان يسير نحو الانفصال، وأن الجيش اليمني لن يسمح للانفصاليين بالعودة مجددا للتشطير (نص الوثيقة الرسمية). والملفت في قرار الانفصال، أنه اعتبر محطة للعودة إلى الوحدة اليمنية، الأمر الذي زاد الإعلان ضعفا، ودعم عن غير قصد حجج الرئيس اليمني الذي قال إنه يريد الحرب دفاعا عن وحدة أراضي بلاده، "المهددة بالتدخل الخارجي والمؤامرة الانفصالية".

 

          وثيقة الانفصال بخط أحد أعضاء المكتب السياسي قبل يومين من إعلانها

في 21 أيار/ مايو، في الساعة الواحدة ليلا بتوقيت باريس، اتصل بي قيادي يساري لبناني مقرب من علي سالم البيض، يعيش في العاصمة الفرنسية في حي ليس بعيدا عن منزلي، بادرني بلهجة تقترب من الثأر: "كل وحدة وأنت بألف خير. لقد أعلن علي سالم البيض الانفصال بصوته منذ ساعة". وأضاف باللهجة اللبنانية: "هيك أحسن. فشلت الوحدة، وكل طرف بيرجع إلى دولته بانتظار ظروف أفضل".

كان الصديق المذكور يعرف مدى تعلقي بالوحدة اليمنية وحرصي على نجاحها وحماسي الشديد في الدفاع عنها. وغالبا ما كنا نختلف في هذا الجانب، لا سيما أنه كان من المتشائمين إزاء هذه التجربة ومن المحبذين بقاء الجنوب حصنا لليساريين العرب العلمانيين، فبدا الانفصال بالنسبة إليه حجة على ما كان يرى، وفرصة لاستعادة عدن "اليسار" و"التقدمية" في العالم العربي. 

في التقاليد الفرنسية، يندر أن يتصل الناس هاتفيا بعضهم ببعض بعد العاشرة ليلا، فما بالك بالواحدة بعد منتصف الليل!! لذا كنت مازلت تحت صدمة الاتصال والانفعال، فزادني الخبر انفعالا وقلت لمحدثي: هذا خبر حزين للغاية. السيد البيض ليس قادرا على حماية هذا القرار الذي سيؤدي إلى كارثة كبيرة؛ لأن الاشتراكي سيخسر الحرب والخاسر في اليمن يتحول إلى غنيمة. بعبارة أخرى يخسر كل عناصر وجوده). كان محدثي متيقنا من أن المجتمع الدولي سيحمي الحكومة الجديدة وسيجعل الرئيس علي عبدالله صالح يرى "نجوم الظهر" على حد تعبير سالم صالح محمد. فكان أن اشتدت الحرب وانتهت بعد أسابيع بانتصار الرئيس اليمني! وستتعرض مدينة عدن خلال أسبوع على الأقل لأعمال نهب أشبه بتلك التي شهدتها صنعاء، عندما سمح أحد الأئمة للقبائل المحيطة بنهبها؛ جراء محاولة انقلاب فاشلة كادت تطيح بحكمه. أما القول بأن أعمال النهب قد بدأت من الداخل بعد سقوط المدينة، فهو لا يخفف من وطأة المنهبة الكبيرة التي طالت الممتلكات العامة. 

من حضرموت سينتقل البيض إلى سلطنة عمان برا وسيصل إلى صلالة، الأرض التي كانت مسرحا لحرب عصابات يشرف عليها مع رفيقه يوسف بن علوي، الذي سيصبح وزيرا للخارجية بعد المصالحة العمانية في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد. 

 

اقرأ أيضا: سالم البيض.. اشتراكي يمني اختبر أفكاره السياسية ودفع ثمنها

 

اقرأ أيضا: البيض.. هاشمي جذبته القومية والاشتراكية والوطنية الديمقراطية

 

اقرأ أيضا: البيض.. هكذا انتصرنا على بريطانيا ووحدنا 22 مشيخة وسلطنة

 

اقرأ أيضا: البيض.. راديكالي بحكومة ثورية هدفها نفط الخليج وتحرير فلسطين

 

اقرأ أيضا: علي سالم البيض.. فقد مناصبه السياسية بسبب زواجه ثانية

 

اقرأ أيضا: كيف نجا البيض من مجزرة التواهي ووصل إلى السلطة في معاشيق؟

 

اقرأ أيضا:  علي سالم البيض يكتب الفصل الأخير في سيرة النظام الاشتراكي

 

اقرأ أيضا: قسم الوحدة اليمنية على القرآن الكريم في جبل "حقات"

 

اقرأ أيضا: البيض.. نجم قمة بغداد يخفق في دمج حزبي الحكم ويعتكف في عدن

 

اقرأ أيضا: لماذا فشلت وثيقة "العهد والاتفاق" بين البيض وصالح في اليمن؟