تقارير

مرج ابن عامر.. "سلة غذاء فلسطين" السليبة

مشهد عام للمرج كما يبدو للناظر من جبال فقوعة

ليس مجرد أرض زراعية سهلية ترمز للجمال والطبيعة الساحرة، وإنما هو جزء من هوية المنطقة المرتبط وجدانيا وثقافيا بكل سكانها العرب قديما وحديثا.

هو سلة غذاء فلسطين، كما كان يوصف، وأكبر سهولها على الإطلاق، وتنتشر فيه القرى من جنين إلى حيفا، وتكاد جميع أرجائه تكون مستغلة في زراعة محاصيل مختلفة ومتنوعة نظرا إلى تربته الخصبة التي تصلح للزراعة المروية والبعلية على السواء.

مرج ابن عامر هو مرج واسع بين منطقة الجليل وجبال نابلس في شمال فلسطين يأخذ شكل مثلث أطرافه مدن: حيفا، جنين وطبريا. ويبلغ طوله 40 كلم وعرضه المتوسط 19 كلم ومساحته الكلية 351 كلم.

سمي بأسماء كثيرة فالكنعانيون أطلقوا عليه اسم سهل "يزراعيل" نسبة إلى قرية زرعين ومنهم من أسماه بالسهل الكبير، وعرف عند الرومان باسم "اللجون" .

 

                             مشهد لجانب من مرج ابن عامر

وأطلق عليه العرب مرج ابن عامر نسبة لقبيلة بني عامر، وبنو عامر هم من قبيلة كلب القحطانية، وتذكر الروايات التاريخية أن بني كلب وجذام كانتا في الدولة الأموية أولى القبائل العربية التي سكنت فلسطين. وروي أن تسمية مرج ابن عامر بهذا الاسم نسبة إلى عامر الأكبر ابن عوف الكلبي جد الصحابي المدفون في قرية الدحي في سهل مرج ابن عامر ويسمى أيضا سهل أرشيد نسبة للشيخ الجليل أحمد أرشيد.

كان تاريخ مرج ابن عامر زاخرا بالأحداث فقد شهد معارك في السنين الغابرة، وكان السهل الساحلي الفلسطيني دوما موضع نظر القواد العسكريين الذين كانوا يخرجون من مصر لاحتلال فلسطين وسوريا. وكان كذلك موضع اهتمام قادة الجيوش القادمة من سوريا إلى مصر، وكان مرج ابن عامر يوفر الطريق المناسب لذلك.

ومن بين هذه الحروب معركة "مجد" أو "اللجون" عام 1479 قبل الميلاد، والتي قادها الفرعون المصري تحتمس الثالث، وموقعة "عين جالوت" التي انتصر فيها المسلمون على المغول عام 1260.. والحملة الفرنسية الفاشلة لنابليون عام 1799، ومعركتا جنين: الأولى (المدينة) وجنين الثانية (الأرياف) عام 1948.

وفي حقبة الانتداب البريطاني، بدأ الاستيطان يتجه إلى مرج ابن عامر، الذي أصبح جزء كبير منه يقع خلف ما يسمى "الخط الأخضر"، لتنشأ أولى المستوطنات فيه وهي "العفولة" تبعتها عشرات المستوطنات الأخرى التي تحاصر القرى العربية فيه سواء في جنين أو أراضي عام 1948، ومنها: صندلة، ومقبيلة، وعرابة، وتعنك، وخربة ليد، وجنجار، وتل العدس، وأبو شوشة، وخنيفس، واليامون، وكفردان، ورمانة، وزبوبة.

وضمن نشاط الحركة الصهيونية الاستيطاني، قامت الحركة باقتناء الكثير من الأراضي في مرج بن عامر، حيث كانت أفضل أراضيه ملكا لأثرياء من أسر لبنانية بعد مزاد أعلنته السلطة العثمانية عام 1869 لاستيفاء الضرائب من الفلاحين أصحاب الأراضي، فاقتنت الكثير من الأراضي من ملاكين خارج فلسطين ومن عائلات فلسطينية، كما أنها شاركت مباشرة في المزادات العلنية التي كانت أراضي الفلاحين العاجزين عن دفع الضرائب تعرض فيها للبيع.

ويتكون المرج من تربة دبالية جرفية خصبة جدا عدا عن توفر المياه والمناخ المناسب في الشتاء والصيف لنمو العديد من المزروعات، كل ذلك ساهم في توفر الغلال الوافرة على مر العديد من الفترات التاريخية.

ويعد مرج ابن عامر حتى عام 1947 سلة خبز فلسطين، فطبيعة فلسطين بتضاريسها الجبلية والصحراوية بالإضافة إلى الغور وقلة مساحة سهولها ومروجها مقارنة مع مساحة التضاريس الأخرى، جعل من مرج ابن عامر من أجمل سهول العالم. ويبلغ معدل الليالي التي يتكون فيها الندى في هذا المرج حوالي 200 ليلة ولهذا تأثير كبير على الزراعة في أشهر الصيف الجافة.

 

                                    جانب من مرج ابن عامر

وتكثر التلال في مرج ابن عامر وعيون الماء. ويعد نهر المقطع أحد الأودية الشهيرة في مرج ابن عامر، وأطول أودية فلسطين، وفيه مجرى دائم في بعض مناطقه الشمالية، ومتقطع في مناطق أخرى.

وقبيل الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، اشتهر المرج بزراعة القمح كونه مصدرا أساسيا للقمح في المحافظات الفلسطينية إذ كان يزرع المرج بنحو 135 ألف دونم سنويا، لكن ما تبقى من مساحته البالغة 28 ألف دونم بعد أن سيطرت الاحتلال على غالبية مساحاته، لم تعد كما كانت في السابق وتتنوع فيها المزروعات حاليا.

في الوقت الحالي تراجعت المحاصيل الحقلية في مرج بن عامر، والسبب الأهم في تراجع الزراعة الفلسطينية في المرج، هو سيطرة سلطات الاحتلال على الأحواض المائية ومصادر المياه الفلسطينية حتى بعد توقيع "اتفاقية أوسلو" بين السلطة الفلسطينية والاحتلال  وتحكم الاحتلال بالمياه، وخصوصا في المناطق المصنفة "ج"، إضافة إلى عدم السماح بإنشاء آبار جديدة.

وكان يوجد في المرج 25 ينبوعا طبيعيا كانت تنتشر في سهول المرج جفت جميعها، بسبب الاستنزاف الزائد من الآبار للحوض الجوفي السفلي، وبسبب تذبذب سقوط الأمطار، علاوة على سيطرة الاحتلال على الأحواض المائية.

وبدأت وزارة الزراعة الفلسطينية وبالتعاون مع عدد من المؤسسات الدولية الشريكة، باستصلاح أراض جديدة وزراعتها بالأشجار المثمرة في مرج ابن عامر، على أمل أن تسد جنين حاجتها من الفواكه والحمضيات بدلا من استيرادها من الاحتلال، إذ كانت جنين مزروعة بنحو أربعة آلاف دونم من الحمضيات، فيما تقدر اليوم، وفقا لإحصائيات وزارة الزراعة، بنحو 500 دونم فقط.

وورد في الموسوعة الفلسطينية أن أحد الرحالة وصف مرج ابن عامر، في أواخر القرن التاسع عشر، بالقول: "بحيرة خضراء يتماوج قمحها حول قرى ودساكر ناهضة كالجزائر فوق رواب مستقرة آمنة".
ذلك هو مرج ابن عامر الغني بكل شيء والمحاصر والمستنزفة خيراته.

المراجع

*حسين خليل، مرج ابن عامر "سلة خبز فلسطين"، موقع مرج المتخصص بأخبار منطقة مرج ابن عامر، 2013. 
*المركز الفلسطيني للإعلام، مرج ابن عامر.. أكبر سهول فلسطين "أسير الاستيطان"، 2017.
*الموسوعة الفلسطينية، مرج ابن عامر، 2015.
*محمود السعدي، تدمير مرج بن عامر..مخططات إسرائيلية لإفقار سلة "خبز فلسطين"، العربي الجديد، 2015.