قضايا وآراء

الانتخابات الرئاسية التونسية والدرس السنغالي

محسن النويشي
رغم المدة التي تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتي لا تقل  عن ستة أشهر فإن دينامكيته قد انطلقت مبكرا بإعلان السلطة التزامها بموعده الدستورى وإنجازه وفق القانون الانتخابي لسنة 2014.. الأناضول
رغم المدة التي تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتي لا تقل عن ستة أشهر فإن دينامكيته قد انطلقت مبكرا بإعلان السلطة التزامها بموعده الدستورى وإنجازه وفق القانون الانتخابي لسنة 2014.. الأناضول
ستكون تونس من بين ما يزيد على الخمسين دولة في العالم ستقع فيها انتخابات إما رئاسية أو تشريعية أو كلاهما أواخر السنة الجارية 2024 وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والأكيد أن نتائج هذه الانتخابات ستتأثر بالأحداث الدولية والإقليمية الظاهرة الآن على السطح مثل الحرب الروسية الأوكرانية والمحرقة الصهيونية ضد غزة إضافة إلى الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحارقة والتي يزداد لهيبها مع تواصل الأزمات الدولية وانعكاساتها الاقتصادية.

ضمن هذا السياق حصلت الانتخابات الرئاسية في السنغال يوم 24 مارس 2024 وقدمت درسا ديمقراطيا بليغا في منطقة تعيش دوامة من الاضطرابات الناتجة عن الانقلابات المناهضة للنفوذ الفرنسي. وذلك من خلال ما أبداه الشعب السنغالي بكل مكوناته السياسية والعرقية والدينية من تضامن ورفض للانحراف بالسلطة نحو الاستبداد بتجاوز الدستور وتمديد العهدة الرئاسيةحيث تصدى الشارع لذلك في كنف السلمية واليات الديمقراطة رغم استعمال القوة من جانب السلطة  .

ولما تعذر التمديد تأجلت الانتخابات لترتيب الأوضاع لصالح المرشح الرسمي بعد أن تم الزج بكل منافسيه المحتملين في السجن بتهم ملفقة وعلى رأسهم عثمان سوكنو زعيم حزب الوطنيين من أجل العمل والأخلاق والأخوة (باستيف) مع قرابة ألفين من أنصاره ومعارضين آخرين.

أولوية كل المعنيين بالمنافسة الانتخابية هي تغيير مزاج الناخب أو في الحد الأدنى تعديله في اتجاه إعادة ثقته في العملية السياسية برمتها وفي الانتخابات خاصة لإعادة الأمل في المستقبل من أجل الإقبال على المشاركة والاختيار الواعي.
إلا أن ضغط الشارع وقرار المجلس الدستوري استطاعا إبطال إجراءات الرئيس المنتهية عهدته الثانية  ماكي سال وتنظيم الانتخابات بعد إطلاق سراح كل المساجين السياسيين ومن بينهم مؤسس حزب (باستيف) عثمان سوكنو الممنوع قضائيا من الترشح وأمينه العام بشير جماي فاي الذي رشحه الحزب للرئاسة بدلا عن رئيسه والتي خاضها تحت شعار مقاومة الفساد والنفوذ الفرنسي وفاز فيها من الدور الأول .

فكيف يمكن أن تستفيد بلادنا دولة وسلطة ومعارضة ومجتمعا مدنيا ونخبا فكرية وسياسية ومواطنين  من هذا الدرس الديمقراطي الذي يشابه سياقه سياقنا وبلاده بلادنا؟

رغم المدة التي تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والتي لا تقل  عن ستة أشهر فإن دينامكيته قد انطلقت مبكرا بإعلان السلطة التزامها بموعده الدستورى وإنجازه وفق القانون الانتخابي لسنة 2014 مع تغيير طفيف في شروط الترشح وتاكد ذلك من خلال تصريحات هيئة الانتخابات التي من المنتظر أن تعلن الرزنامة الانتخابية إلى جانب دعوة رئاسة الجمهورية الناجبين للتصويت. إلا أن بعض المعنيين بالعملية ومتابعيها يبدون عدة مخاوف في علاقة بامكانية وضع حواجز قانونية أو إجرائية لإقصاء مترشحين جديين من المنافسة وكذلك حول ضمانات حياد الدولة ومؤسساتها تجاه جميع المترشحين .

ويبقى المعني الأول بتبديد هذه المخاوف هو هيئة الانتخابات صاحبة الولاية الكاملة على العملية من بدايتها إلى نهايتها.

هل تستخلص بلادنا بكل مكوناتها وأطيافها ومؤسساتها العبرة من التجربة السنغالية وغيرها من التجارب الديمقراطية التي جمعت بين وحدة الدولة ووحدة المجتمع و جعلت المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار؟
أما السياقات والمناخات التي ستقع ضمنها الانتخابات فهي أيضا محل غموض لأن السؤال المتداول اليوم هو هل ستحصل المنافسة فعلا وفق المعايير الدولية لتتمكن البلاد من التفرغ لمعالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب أم لا؟ خاصة وأن كل الطيف السياسي والمتابعين للشأن التونسي يجمعون على ضرورة تنقية المناخات العامة في علاقة باستقلالية القضاء وحياد الإدارة وحق الترشح للجميع دون استثناء وإطلاق سراح المساجين السياسيين فالدرس السنغالي يؤكد أن الحيلة في ترك الحيل خاصة وإننا لسنا إزاء تمديد للعهدة بل إزاء ضمان للالتزام بالمعايير الدولية في عملية تجديد الشرعية على اساس من النزاهة والديمقراطية  التي لا مفر منها ولا وجود لطريق غيرها لتحقيق التنمية التي تحتاجها الدولة ومؤسساتها في هذه المرحلة للقيام بدورها في خدمة المجتمع بفاعلية ونجاعة، حيث أكدت تجربة السنوات الماضية ذلك كما يحتاجها المجتمع وكل قواه الحية دون استثناء أو إقصاء للمحافظة على وحدته والالتفاف حول دولته ومؤسساتها لتجاوز المأزق الاقتصادي الحاصل نتيجة  مراكمة الفشل لما لا يقل عن نصف قرن من الزمن    .

وأمام تعدد الخيارات المطروحة على الناخبين حسب المعلن من الترشحات بشكل غير رسمي وأحيانا غير صريح  سواء من في الحكم ولديه حصيلة ستكون إما له أو عليه، أو من جرب الحكم سابقا خاصة ما قبل الثورة أو بعدها وستكون لتجربته السابقة انعكاسا على وضعه التنافسي، أو من لم يجرب الحكم وستكون مصداقيته وخبرته المكتسبة ووعوده ونتائجه في منافسة 2019 إن سبق له أن ترشح معيارا لاختياره .

إلا أن الفيصل في ذلك كله هو الإطار الموضوعي السليم الذي تضمنه الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها هيئة الانتخاباب ثم اختيار الناخب الذي يرتبط أساسا بنسبة مشاركته التي يتحكم فيها مزاجه الذي تصنعه الظروف الذاتية والموضوعية والذي بينت المحطات السابقة أنه محكوم باللامبالاة وفقدان الأمل في تغيير ظروفه والتقوقع حول وضعه الذاتي الاقتصادي والاجتماعي دون الاهتمام  بالشأن العام.

لذلك تصبح أولوية كل المعنيين بالمنافسة الانتخابية هي تغيير مزاج الناخب أو في الحد الأدنى تعديله في اتجاه إعادة ثقته في العملية السياسية برمتها وفي الانتخابات خاصة لإعادة الأمل في المستقبل من أجل  الإقبال على المشاركة والاختيار الواعي. فهل تستخلص بلادنا بكل مكوناتها وأطيافها ومؤسساتها العبرة من التجربة السنغالية وغيرها من التجارب الديمقراطية التي جمعت بين وحدة الدولة ووحدة المجتمع و جعلت المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار؟

*كاتب وناشط سياسي تونسي
التعليقات (0)