قضايا وآراء

عندما يكون اللبناني كالشاورما.. على من تتلو مزاميرك يا نبيه؟!

1300x600
ملفت كل شيء في هذه الأيام لبنانيا، من أبسط تفصيل إلى أعلى تصريح وأقل أشعة وأخفت خبرية في كواليس المسرح السياسي الضائع، والتائه في البحث عن الحكومة الضائعة في تفاصيل الإقليم الصغيرة ورضى هذا الطرف من جهة وذاك الطرف من جهة أخرى، علما أن رئيس البرلمان الأستاذ نبيه بري أكد بما لا يقبل الشك في جلسة البرلمان حول الرسالة الرئاسية أن العُقد من عناديتنا الداخلية البحتة، وأن المشكلة في لبنان والحل في لبنان.

وبذلك تناغم معه حليفه القوي حزب الله في إطلالة السيد نصر الله الذي أوحى بضرورة التشكيل وتذليل العُقد، تحت سقيفة مبادرة بري المحلية المغلفة برضى الإقليم الذي يبدو أن فيه انفراجة قريبة قد تكون في طريقها من بغداد، أرض الحوار السعودي – الإيراني، وإلا لما حرك سيد البرلمان محركاته في هذه اللحظات.

ولطالما سعى وأطفأ محركاته سريعا، وذلك لاحتدام الصراع الحريري- الباسيلي الذي وصفه بري بصراع الشخصنة المؤدية إلى العرقلة، علما أن طرفي الصراع من خلال إطلالتهما البرلمانية حرصا على الظهور بمظهر القوي القادر الممسك بزمام الأمور. ولكن الحقيقة تقول إن الأمور إذا ما أكملت بهذا الطريق فإن لبنان قد يكون في أسرع الطرق إلى جهنم التي حكى عنها ذات تصريح على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والسياسية، حيث الشعور بأن ساعة الحقيقة قد دقت، ولا مفر من رفع الدعم وغضبة الناس الذين باتوا يكتوون كما قال أحد الظرفاء: اللبناني بات كسيخ الشاورما: وجهه للنار وظهره للسكين، وإعداده للأكل وإن اختلفت من هي الجهة التي ستأكله.

إطلالات الرئيس بري ورسائله

إن من الإشارات الملفتة أنه ومنذ فترة طويلة لم يخرج "الأستاذ"، وهو لقب رئيس البرلمان المخضرم صاحب الباع في هندسة الحلول، إلى الناس بإطلالة متلاحقة وتوجيه الرسائل وعلى المكشوف وعلى عينك يا تاجر معلنا مجموعة من الرسائل:

أولها: تبنيه الواضح للمحافظة على تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة، وذلك لاعتبارات عدة أبرزها قتل أية محاولة لإحياء أي فتنة مذهبية، أكانت سنية - شيعية أو سنية - مارونية على خلفية الرسالة الرئاسية، علما أنه أكد أن "البعض يتفنن بصناعة الأزمات".

ثانيها: ما قاله بالفم الملآن: "تحرير لبنان من المحتكرين وتحرير القضاء من التدخلات السياسية وتفعيل الهيئات الرقابية وقانون نهب المال العام، بدءاً من مصرف لبنان وصولاً إلى جميع الإدارات خصوصاً كهرباء لبنان".

ثالثها: أن الأزمة الحكومية داخلية ويجب أن نضحي بأنفسنا من أجل لبنان، والمدخل الإلزامي للإنقاذ مبادرة المعنيين دون شروط مسبقة إلى إزالة العوائق الشخصية التي تحول دون تشكيل حكومة وطنية مؤلفة من اختصاصيين غير حزبيين ودون أثلاث معطلة، وفي ذلك غمزة من قناة فخامة الرئيس والوزير باسيل معا، حيث طالبه بخطوة انتحارية. فهل يكون المخرج الانتحاري بلائحة من الأسماء المشتركة بين الطرفين للوزراء المسيحيين وينتقى منها بعناية بالغة لتمرير المرحلة وتدارك الشر المستطير، خاصة بعد كلام ستاندرد آند بورز عن أخطار اقتصادية مالية محدقة قد تضرب المودعين في اقتطاع جزء من الودائع؟

رابعا: وهو أخطر ما أعلنه الأستاذ للنائب عدوان، عن أن الانتخابات حصريا في موعدها ولا انتخابات مبكرة على الأبواب، علما أن المجتمع الدولي أكثر إصرارا على إجراء الانتخابات في موعدها بعد الحديث عن أن في النوايا ما يرسم التأجيل ولكن هل يحتمل تبني هكذا خيار، خاصة وأن الحاجة لتحريك المياه الراكدة الآسنة باتت أكثر إلحاحا، حيث صرخات الناس ومنتفضي صرخة 17 تشرين 2019 وحلقات المجتمع المدني وفريق من الأحزاب والمجتمع الدولي على الأبواب لدعم الولوج إلى الانتخابات؟

الفرصة الأخيرة وإلا.. أسبوعان فقط!!

إن المطروح حتى اللحظة وربما يكون المخرج الأخير في ظل التناغم بين الرئاسة الثانية والبطريركية، هو أن يقدم كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لائحة بأسماء يتم الاختيار من بينها، فإذا كانت الداخلية من حصة الحريري يطرح عندئذ الرئيس المكلف أسماء عديدة يختار منها رئيس الجمهورية اسما للداخلية، فيما يطرح بالمقابل رئيس الجمهورية أسماء عديدة للعدل يختار منها الحريري اسما، وبالتالي يكون الوزيران بالتوافق، وتاليا تكون نصيحة أمين عام حزب الله الاستعانة بصديق (الأستاذ نبيه بري) قد أدت مفعولها للولادة الحكومية.

لقد أنهى رئيس البرلمان مزموره الأخير بالتحذير من أننا أمام أسبوعين مفصليين قائلا: "على أنّ المدى الحرج الذي بلغه البلد بات يتطلب حلاً عاجلا، وأمامنا الآن فرصة لا بد أن نتحينها لإيجاد حل وتفاهم يُفضي سريعاً إلى تشكيل حكومة إنقاذية". وأضاف: "هذه الفرصة أخشى أنها الأخيرة، سقفها الأعلى أسبوعان على الأكثر، أي أن علينا أن نجد حلا وتفاهما خلال هذين الأسبوعين، وإلّا فإننا كلما تأخرنا ستصبح الأمور والحلول أكثر صعوبة وتعقيدا".

ألقى الأستاذ كلامه في برية السياسيين المتصارعين راجيا حلا؛ إن بضوء أخضر إقليمي أو رغبة وطنية بحتة، أو اغتنام للحظة الراهنة لمحور ما والعمل كرافعة سياسية للرئيس المكلف في زمن التخلي، إلا أن المحصلة تقول إنه لا حل حكوميا إلا بتجاوز مشاكل بالجملة؛ تبدأ من الداخل المعقد إلى الشخصنة المتداخلة وصولا إلى الإقليم المنتظر، ولا تنتهي بالإرادة الدولية في بلورة حل أمريكي- إيراني، وإن كان الكل يرغب في مخرج حكومي في لبنان، حيث "استوى" الناس على جمر الغلاء والبلاء المستطير وطوابير السيارات على محطات البنزين، و"استوت" طبخة التأليف لا بل "شاطت". وحتى بلوغ وقت المخرج المرجو من عقد التأليف الحكومية الحقيقية والمصطنعة، وعلمنا بمحاولات الرئيس بري السابقة التي لم يكتب لها النجاح، لسان الحال يقول: "على من تتلُو مزاميرك يا نبيه".