قضايا وآراء

هل اعتذار الحريري هو الحل؟!

1300x600
لا زال لبنان ينتظر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المفاوضات الدائرة من بغداد حيث اللقاءات السعودية- الإيرانية، وصولا إلى ليالي الأنس في فيينا حيث معركة المفاوضات بين إيران والمجموعة الأوروبية وخلفها وأمامها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعقيدات الملف النووي الإيراني وملحقاته، وعلى رأسها ملفات عالقة تبدأ ببرنامج طهران للصواريخ الباليستية البعيدة المدى، وملفات المنطقة العالقة على الفيلق الأمريكي- الإيراني من صنعاء اليمن وصولا إلى بيروت التي تغرق يوما بعد يوم في ملفاتها الاقتصادية والمالية المتأزمة والاجتماعية؛ التي ستطرق الأبواب لا محالة حيث أسعار السلع الأساسية باتت تحلق عاليا جدا، معلنة أن القادم من الأيام يبدو مخيفا في ظل الجيوب الخاوية وأيام رفع الدعم التي تهجم كالليل الأسود على حياة اللبنانيين.

وعلى وقع سياسة الانتظار وتمرير الوقت لوصول الحل، تملأ الساحة السياسية تارة تصريحات وزير الخارجية المُعفى من مهامه والزوبعة التي أحدثها في علاقة لبنان والخليج العربي وحتى مع بعض اللبنانيين من أبناء العشائر العربية اللبنانية، وصولا إلى رسالة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الموجهة إلى المجلس النيابي والتي تحمل في طياتها رغبة رئاسية بـ"تطيير" تكليف الحريري أو التمهيد لاعتذاره.

والسؤال اليوم: هل يملك الحريري أن يعتذر وفي ذلك مخاطرة كبيرة برصيده السياسي في لبنان والمنطقة؟ وهل البيئة الحاضنة للرئيس الحريري ستقبل بإحراجه حتى إخراجه؟ وهل البلاد مستعدة أساسا لاعتذار الحريري دون حلول معلبة سلفا كمخارج؟

إن الناظر اليوم في الحالة المستعصية بين الرئاستين الأولى والثالثة لبنانيا؛ يدرك بما لا يقبل الشك أن إمكانية اللقاء تصعب يوما بعد يوم، خاصة بعد أن ودعنا لودريان، ناظر الخارجية الفرنسية، تاركا مبادرة رئيسه ماكرون في مهب الرياح اللبنانية العاتية، حيث يتداخل ما هو دستوري بما هو طائفي ومذهبي. والخوف كل الخوف على اتفاق الطائف ومخرجاته أن يصبح في خبر كان، ونصبح فعليا أمام ما قاله الرئيس ماكرون ذات يوم، أي الحاجة إلى مؤتمر تأسيسي جديد. وفي ذلك مغامرة كبرى وقد لا يعلم الساعون إليها أنها مقامرة بحجم زوال وطن، كما قال الوزير لودريان ذات يوم.

إن أجواء الرئيس الحريري لا توحي بالاعتذار لا اليوم ولا في الغد القريب، خاصة أنه لا زال يحظى بدعم نادي رؤساء الحكومات السابقين ورأس الهرم الديني، عبر المفتي دريان والمجلس الشرعي، ومعه شريحة واسعة من النواب الذين منحوه التكليف منذ أشهر ستة خلت. وتاليا، سيكون الحريري في حالة تصدٍ للتسديدة الرئاسية في الرسالة التي ستنتهي على الأرجح بحث الرئيس المكلف على إيجاد تسوية مع فخامة الرئيس، خاصة أن الدستور وحتى السوابق القانونية لم تفض إلى سحب التكليف من أحد سابقا، علما أن حكومة الرئيس تمام سلام تألفت بعد 11 شهرا ونيف.

ولكن بالمقابل فإن لم تكن هناك حلول بين الطرفين المعنيين، خاصة مع تعذر الوساطات وانتفاء الكيمياء وعدم القدرة والرغبة في الضغط من قبل اللاعبين الأقوياء لبلورة حكومة، هل يبقى التكليف معلقا إلى الأبد في ظل أزمة اقتصادية مالية طاحنة تتفاقم كل يوم أكثر؟ وعليه، ألا يحق للرئيس عون الاستعجال وهو في السنة والنصف الأخيرة لنهاية عهده الرئاسي؟!

إن المفيد في هذه الحالة ربما - كما قال أحد السياسيين الخليجيين في سلسلة تغريدات - "كي يخرج لبنان العزيز على قلوبنا من أزمته الراهنة فإنه لا يحتاج إلى وساطات من الخارج، بل يحتاج أن يجلس كل الفرقاء على الطاولة، لبحث مستقبل هذا البلد الجميل والذي كان دخل الفرد فيه في الستينات من الدول العشر الأوائل في العالم". وأضاف: "لا أريد أن أخوض في الأسباب التي زجت بلبنان في هذه الأزمة لأنها معروفة للجميع، ولكن ومع فقدان أغلب اللبنانيين وخاصة الطبقة الوسطى منهم كل مدخراتهم بالإضافة إلى تدهور سعر الليرة اللبنانية، فإن استمرار هذا الوضع يجعل الحياة مستحيلة". واعتبر أن "ساسة لبنان وزعماء طوائفهم بحاجة اليوم لمكان يجمعهم ويسهل عليهم الحوار فيما بينهم. لعلهم يتوصلون إلى صيغة توافقية تخرجهم من هذا النهج المدمر".

وعليه لا أعتقد أن اعتذار الحريري مجدٍ الآن، خاصة بعد أن فشل قبل الرئيس الحريري؛ السفير المكلف بالتشكيل مصطفى أديب. وتاليا من هي الشخصية القادرة اليوم في ظل حالة الداخل المنقسم والإقليم المتفجر وضباب العلاقات الدولية المحيطة؛ على إنتاج حكومة تحظى بالرضى الكامل؟

إن الأجدى اليوم هي طاولة حوار صريحة لإنتاج حكومة إنقاذ تتألف من القادرين على انتشال لبنان من أزماته المتلاحقة، في انتظار إما تغيير في الظروف الإقليمية والدولية، أو إجراء الانتخابات النيابية التي ليس من المؤكد أنها ستحمل التغيير، حيث لا زالت المنظومة الحاكمة قادرة على تجديد شبابها مع القانون الانتخابي القائم وتشتت قوى الثورة التي تحمل أحلام الناس في غد أبيض جديد.