صحافة دولية

الغارديان: هكذا تسير حكومة بريطانيا نحو تقويض الديمقراطية

أدرج موقع ?Who Funds You مركز "بوليسي إكستشينج" على قائمة مراكز الفكر الأكثر غموضا في جانب التمويل- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للكاتب والناشط السياسي، جورج مونبيوت، اتهم فيه حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون بالسعي لتعزيز سيطرتها على مفاصل القوة في البلاد، ما من شأنه تقويض الديمقراطية.

 

واعتبر الكاتب، في تقرير ترجمته "عربي21"، أن الحكومات الاستبدادية في سعيها للسيطرة تقوم بتدمير مراكز القوى الأخرى، بما فيها القضاء والمؤسسات الحكومية والأوساط الأكاديمية والإعلام والحكومات المحلية والمجتمع المدني، مع تحويلهم إلى مجرد تابعين لسلطتها، وتحرمهم من أي فعل مستقل.

 

ولكن، يضيف "مونبيوت" موضحا، أنه يتوجب على الحكومة المستبدة فعل ذلك "في الوقت الذي تزعم فيه أنها تعمل باسم الشعب".


ولذلك فهي تحتاج، كما يقول، "إلى جهاز للتبرير: حجج يمكن تغذيتها من خلال الإعلام المتعاطف ويتم تحويلها إلى غضب (شعبي) موجه ضد المنافسين".


وتابع الكاتب بأن الأمر لا يتوقف في المملكة المتحدة على "دومنيك كومينغز" مستشار جونسون، فهنالك العديد من المهندسين لهذا المسار، فضلا عن الكثير من التضاريس الفكرية التي يتم الاستعانة فيها بمصادر خارجية.

 

ومنذ خمسينيات القرن العشرين، بحسبه، تم تأسيس بنية تحتية للإقناع، هدفها استبدال قوة المال بالقوة المدنية.

 

وأضاف: "طور النموذج اثنان من أتباع فريدريك هايك، أبو الليبرالية الجديدة، أنتوني فيشر وأوليفر سميدلي".

 

وتابع بأنهما كانا يعلمان أن من الضروري تمويه النوايا، وعندما أقاما "معهد الشؤون الاقتصادية"، أول مركز فكري يهدف إلى نشر تعاليم هايك، أكد سميدلي فيشر أنه من "الضروري ألا نعطي أي تلميح في منشوراتنا بأننا نسعى لتعليم العامة باتجاه خطوط معينة.. وهذا هو السبب أن أول مسودة [لأهدافنا] كتبت بأسلوب محترس جدا".


وقام المعهد برفقة مجموعات ضغط أخرى أنشأها فيشر، بشحذ الحجج التي يمكن استخدامها لتعرية الدول، وتقليص الصالح العام والحماية العامة وتقويض الأشكال الأخرى من الاتساق الاجتماعي، ما يعفي كبار الأثرياء من قيود الديمقراطية.

 

وليس غريبا أن قام أثرى الناس في العالم بصب الأموال السخية في مشروعه، وفق "مونبيوت".


وقامت تلك المؤسسات بترجمة أفكار هايك، التي يصفها كثيرون بـ"المقيتة"، إلى منطق سياسي جديد معقول – وهو ما أنتج الأطر الجديدة والتبريرات التي اعتمدت عليها ثورتا مارغريت تاتشر ورونالد ريغان. 


وبدأ الآخرون بنسخ هذا النموذج، فيصف مادسين بيري، مؤسس "معهد آدم سميث"، في مذكراته كيف قام باستخدام تمويل من 20 شركة من أكبر الشركات في بريطانيا لرسم خارطة الطريق التي سارت عليها تاتشر.

 

وفي كل يوم سبت خلال وجودها في المعارضة، كان يجلس الموظفون في معهد "آدم سميث" ومعهد الشؤون الاقتصادية لتناول الغداء مع الباحثين في حزب المحافظين وكبار كتاب المقالات الرئيسية وكتاب العمود في صحيفتي "التايمز" و"التلغراف" للتخطيط لصعودها للسلطة، حيث "خططنا استراتيجية الأسبوع القادم.. وقمنا بتنسيق أنشطتنا لنكون أكثر فعالية معا".

 

اقرأ أيضا: بزنس إنسايدر: حكومة جونسون تأمل بفوز بايدن لا ترامب

 

ويشرح بيري كيف ابتدع الكثير من السياسات التي حددت معالم التاتشرية، كما أنه في نواحي أخرى، ومثال على ذلك شهادة مسرب حملة "بريكسيت" شاه مير ساني، فإن هنالك أدلة على أن مجموعات الضغط هذه تنسق عملها لتشكيل انطباع بأن الناس في مناطق مختلفة يصلون إلى نفس الاستنتاجات مرة واحدة.

 

عدد من تلك المجموعات تعمل من نفس المكاتب، في 55 و57 - تفتون ستريت في وستمنستر، لندن.

ومجموعة الضغط التي تستخدمها حكومة بوريس جونسون بالدرجة الأولى هي "بوليسي إكستشينج"، ورغم ادعائها بأنها مؤسسة خيرية تعليمية، فقد تم إنشاؤها عام 2002 على يد عضوي البرلمان المحافظين فرانسيس مودي وآرتشي نورمان، بالإضافة إلى نك بولس، الذي أصبح عضو برلمان محافظا لاحقا.

 

وكان أول رئيس لها هو مايكل كوف، ومنذ ذلك الحين تبنى حزب المحافظين مقترحاته وطواقمه. ولعب مركز "بوليسي إكستشينج" الفكري دورا مهما في نقل السلطة من أيدي المؤسسات المنافسة إلى مكتب رئيس الوزراء.

 

وعلى مدى سنوات يحاول المركز إيجاد قناعة بضرورة تقييد القضاء، ووفر الذخيرة لهجوم الحكومة الحالي على المراجعة القضائية التي تسمح للمواطنين العاديين بأن يرفعوا قضايا ضد الحكومة لإلزامها بالقانون.

 

وكان هذا هو الطريق الذي استخدمته ناشطة الشفافية "جينا ميلر" عام 2016 لإلزام تيريزا ماي للحصول على موافقة البرلمان لبدء عملية بريكسيت، والعام الماضي لإلغاء تعليق بوريس جونسون للبرلمان. 


ويدعي مركز "بوليسي إكستشينج" أن ذلك يهدد سيادة البرلمان وفصل السلطات بين الحكومة والقضاء، لكن الكاتب يرى أن الأمر هو العكس، فالقانون ليس أي شيء يقوله بوريس جونسون، بل التشريع الذي يمرره البرلمان وتترجمه المحاكم.

 

وخدمت القضيتان اللتان رفعتهما ميلر في إعادة السلطات التي استولى عليها رئيس الوزراء إلى البرلمان. وقامت الحكومة الآن بتعيين الوزير المحافظ السابق، لورد فولك لدراسة "المراجعة القضائية" بناء على مقترحات بوليسي إكستشينج، وفق الكاتب.


ودعا المركز لأن يحصل مكتب رئيس الوزراء على سلطات أوسع "لتطوير وتوجيه التغيرات السياسية" من خلال مؤسسات الحكومة، ولتعيين رؤساء للمؤسسات العامة تتماشى "ثقافتهم وقيمهم" مع أهداف الحكومة، وقاد الهجوم على ما أسماه "الآثار المخيفة" للآراء اليسارية في الأوساط الأكاديمية.


وقام "بوليسي إكستشينج" بنشر هجوم عنيف ادعى فيه أن "Extinction Rebellion"، وهي حركة عالمية تركز على حماية البيئة، يقودها متطرفون خطيرون. وكالعادة تمت تغطية هذا في الإعلام، ولكن ما لم يناقشه أحد هو أن المركز تلقى تمويلا من شركة الطاقة Drax والاتحاد التجاري Energy UK وشركتي الغاز E.ON و Cadent.

 

وأدرج موقع "?Who Funds You" مركز بوليسي إكستشينج على قائمة مراكز الفكر الأكثر غموضا في جانب التمويل. 


ومن الواضح أن الحكومات المحافظة تعلق أهمية كبيرة على الإشراف على "المؤسسات الخيرية" المشابهة، وفق الكاتب.

 

ففي عام 2018 أرسلت لجنة برلمانية رسالة غير مسبوقة للحكومة أشارت فيها إلى أن مرشحة الحكومة المفضلة لرئاسة مفوضية المؤسسات الخيرية، الوزيرة المحافظة السابقة البارونة ستويل "لم تتمكن من إبداء.. أي بصيرة حقيقية أو معرفة أو رؤية"، وأنه لا يمكنها أن تكون محايدة ولم تنجح في التدقيق الذي أجرته اللجنة.

 

ومع ذلك عينتها الحكومة للمنصب على أي حال ولا تزال تترأس المفوضية اليوم. 


وبهذه الوسائل، يختم مونبيوت، بأنه يتم تقويض الحياة السياسة بشكل مستمر، حتى لا يبقى سوى السلطة والطاعة لرئيس الوزراء..

 

وأنه بدون مؤسسات مدنية يخسر المجتمع سلطته، ومن وجهة نظر رأس المال العالمي تكون المهمة قد أنجزت، بحسبه.