قضايا وآراء

معزوفة "الإخوان" في زمن كورونا!

1300x600
(1)
تعزف كثير من الأقلام المقطوعات نفسها (في ظل النظم الفاشية المستبدة) عزفا منفردا، لا يميزها عن بعضها إلا طبيعة الآلة وخصائصها، فيأتي الإيقاع مُمِلا رتيبا، يشبه في رتابته واحدا من أحط أساليب التعذيب في سراديب المعتقلات، بإسماع المعتقل إيقاعا واحدا، طول الوقت، حتى يصل إلى حافة الانهيار النفسي!

وفي ظل هذه الأنظمة، لا يجرؤ "عازف" على الاقتداء بعازف الناي (في فرقة أم كلثوم) سيد سالم الذي خرج على النوتة، وسط استحسان الجمهور، وذهول أم كلثوم التي شهد باستبدادها كُثْر ممن عايشوها.

كان رد فعل الجمهور تصفيقا حارا لسيد، ومطالبته بالإعادة، بينما فزعت أم كلثوم من "خروج" سيد على "النوتة"، دون علم سابق، فقالت في عصبية ظاهرة: "إيه دا". بيْد أن عصبية أم كلثوم كانت ممزوجة بالذكاء والكياسة، فلم يستطع المستمع تحديد "جنس" جملتها: "إيه دا"، أهي إعجاب بصنيع سيد المفاجئ أم وعيد له! أما أنا، فأميل إلى الثانية؛ لأن المستبدين لا يصدر عنهم سوى الوعيد، ويتميزون غيظا من أصحاب أي عمل يثير الإعجاب!

"المعزوفة" التي أنا بصدد الحديث عنها، هي "الإخوان".. والعازف هو الأستاذ عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، الموالية لسلطة الانقلاب في مصر، وأما النوتة، فتجدها تحت عنوان: "الفرصة الذهبية التى ضيعها "الإخوان!". وقد اختار حسين مقام "الندم" كي يدندن به.. ندم الإخوان على "عنادهم" و"تهورهم" و"خيانتهم"!.. وعليهم ألا يتمادوا فيضيعوا هذه "الفرصة الذهبية"، إن لم يضعوا يدهم في يد "الحكومة" لمكافحة وباء كورونا، وبذلك يكونون قد أثبتوا "وطنيتهم" و"صلاحهم"!..

ولأن الأستاذ حسين لا يملك جرأة ولا موهبة العازف سيد سالم، فقد جاء "عزفه" صدى لآلات أخرى، مثل أحمد موسى، وعمرو أديب، ونشأت الديهي، وتامر أمين، ومحمد الغيطي، وآخرين، إلا من نغمة واحدة نشاز، سآتي عليها في السياق!

(2)
"كالعادة ضيعت جماعة الإخوان فرصة ذهبية، كان يمكن أن تساهم في ترميم صورتها المنهارة أمام الرأي العام المصري والعربي، والإسلامي"!

ولا أدري عن أي فرصة يتحدث الأستاذ حسين!.. ما ملامح هذه الفرصة؟ ومن الذي لوَّح بها؟ وفي أي سياق كانت؟ ومتى؟ وكيف ضيّعها الإخوان؟! وعن أي "صورة إخوانية منهارة" يتحدث؟! فالتشويه (كما هو معروف) من وسائل "القصف" المتبادل بين "الأعداء".. والنظام العالمي الحالي يرى في الإخون المسلمين، فكرة وتنظيما وأفرادا، "عدوا استراتيجيا"، منذ أن خرج حسن البنا مع متطوعيه من مصر إلى فلسطين؛ للمشاركة في إخراج العصابات الصهيونية من هناك!

إن تشويه الإخوان قائمٌ منذ ذلك التاريخ، وليس وليد اليوم، ولا علاقة له بتجربتهم في السلطة التي اكتمل عامها "اليتيم" بشق الأنفس! فرغم أن هذا "الكيان" مثخن بالجراح، فاقد الحركة والتأثير، إلا أن بريق "الفكرة" يزداد سطوعا.. تماما كالإسلام، الذي لا يعكس المسلمون جوهرَه وحقيقتَه، ورغم ذلك، يُقبل الناس على دراسته بشغف، ومنهم من يعتنقه عن قناعة وعشق، رغم الحال المزري للمسلمين.

"سؤالي للجماعة وإعلامها: ما الذي سيدفع السلطات المصرية لإطلاق سراح سجناء الإخوان، في حين أن الشاغل الوحيد لإعلام الجماعة هو تشويه الدولة والحكومة والنظام ليل نهار بالحق وبالباطل؟!!"

يا سيد حسين! الإخوان (وإخوانهم من غير الإخوان) ليسوا سجناء، بل أسرى، لدى حفنة من العسكر، تمردت على الرئيس المنتخب، واختطفت منه السلطة التي منحها له الشعب، على خلاف الدستور والقانون، ووضعته في قفص زجاجي عازل للصوت، ومنعته من حقه في الكلام، وحرمته من التداوي، ثم قتلته (بعد ست سنوات من الحبس الانفرادي) على مرأى من العالم، بدم بارد!

هؤلاء الأباة وقعوا في الأسر، أثناء مطالبتهم (سلميا) بعودة الشرعية، فهُم (إذاً) أسرى البغْي، لا سجناء العدالة التي قُبِرَت في مصر.. إنهم أسرى شريعة الغاب التي سادت، لا سجناء صحيح القانون الذي ديس بالبيادة.. لقد أراد هؤلاء الأخيار لمصر أن تكون دولة وازنه، لها سيادة ودور واعتبار، لا ذيلا لممالك أخرى! يعيش مواطنوها على القروض والمعونات والتسول، وهي البلد الغني بالموارد! ومن ثم، فإن تحريرهم من الأسر، في هذا الظرف المأساوي، حق لهم، لا يليق بـ"إنسان" أن يساومهم عليه.

أما تشويه "الحكومة"، فهذا ليس من عمل إعلام الإخوان؛ لأن الإخوان ليس لهم إعلام، بل من عمل "حكومة الانقلاب" نفسها؛ بأدائها الممنهج لتجريف مصر، وإسقاطها في حِجر العدو، بلا أدنى جهد منه، ومن عمل الجنرال المنقلب، الذي لا يجيد سوى إطلاق الوعود التي يعلم (قبل غيره) أنها لن ترى النور، إن كان لا يزال في مصر نور.

"الخطأ الأكبر الذي تقع فيه الجماعة دائما، أنها لا تزال أسيرة ليوم 30 يونيو 2013 حينما ثار عليها غالبية المصريين، ومساء 3 يوليو 2013، حينما تم إخراجها من المشهد السياسي".

عن أي غالبية تتحدث أيها الكاتب "الموضوعي"؟! هل هناك "غالبية" أخرى غير الغالبية التي عبَّرت عن إرادتها في خمس استحقاقات دستورية، يوم سُمِح لها بأن تختار، فجاءت بالإسلاميين إلى البرلمان، والشورى، والرئاسة؟!.. هذه "الغالبية" صاحبة الاستحقاقات الستة، ظلت تتظاهر ضد الانقلاب، وتدعم الشرعية، على مدى ثلاث سنوات متصلة، وليس لست ساعات، فلماذا لم تستجب لها سلطة الانقلاب، كما استجابت (في 30 حزيران/ يونيو) لتلك "الغالبية" التي تتحدث عنها؟!

ثم كيف يتم إخراج فصيل من المشهد السياسي بالقوة المسلحة، رغم حصوله على أصوات الأغلبية، ووصوله إلى السلطة بالانتخاب الحر المباشر؟! في أي "ديمقراطية" يحدث هذا؟!

ألا تخجل من نفسك؟! يا "رجل"؟!

"من حق الجماعة أن تعارض الحكومة والنظام وألا تنسى ما حدث، لكن أن تعيش كل حياتها في هذه الدوامة، فهو ضد كل منطق. السياسة هي فن التعامل مع المعطيات الراهنة. هي ليست مباراة صفرية، يكسب فيها طرف كل شيء ويخسر الطرف الآخر كل شيء".

المعارضة (يا أستاذ حسين) لا تكون إلا لسلطة منتخبة من الشعب، أما المنقلبون على السلطة المنتخبة بالقوة المسلحة، فهم خائنون للوطن، متآمرون على الشرعية، مكانهم فوق منصة المقصلة، لا على كرسي الحكم. أما حديثك عن طرفي الصراع الصفري، فأود لفت انتباهك إلى أن هناك (بالفعل) طرف "كسب كل شيء" إلا الاحترام والشرعية، وآخر "خسر كل شيء" إلا الإيمان بالله والولاء للوطن، فإلى من توجه كلامك؟! إلى "الرابح" الجشع، أم إلى "الخاسر" الأشم؟!

(3)
"نصيحتي المخلصة لهذه الجماعة وإعلامها، أن تبحث عن بداية جديدة ومختلفة، وأن تعيد تقييم نفسها وسياساتها وأفكارها وأدواتها وإعلامها".

صح يا أستاذ حسين! أحييك على هذه "النغمة النشاز" في "معزوفتك المملة".. أحييك لأن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها، فهو أحق الناس بها، حتى لو كانت نغمة نشازا من عازف في جوقة الانقلاب!.. نعم، ستولد قيادة جديدة (بحول الله ومشيئته) تدندن بهذه النغمة، ليس على مقام "الندم" بل على مقام "الهمم"، سواء احتفظت باسم الإخوان وشعارهم، أو اختارت اسما وشعارا آخريْن..

قيادة قادرة على قراءةٍ "أنضج"، وفهم أعمق، لرسائل حسن البنا.. تدرك أن البنا بشر، واجتهاداته ليست "نصوصا مقدسة"، بل "معالم" على طريق الانعتاق والحرية واستعادة الريادة، وأنها جهد عظيم لشاب ثلاثيني نابِه، قابل للتعديل، حذفا وإضافة، وكذلك الحال بالنسبة لتراث مجتهدي الأمة العظام.

قيادة تدرك أن التنظيم وُجِد لخدمة الدعوة، وليس العكس، وتدرك معنى العدو الاستراتيجي، وتتحسب للقائه عملا بالشعار البليغ "وأعدوا"، وتعرف (تماما) ماهية الجهاد وأدواته، فلا تقع في فخ وصف الجهاد والمقاومة المشروعة بـ"العنف"، وتتبرأ منهما!

قيادة تتبوأ مكانها عن جدارة واستحقاق، وتُوَسِّد كلَّ أمر لأهله، والأهلية لديها تُقاس باستواء الشخصية، والعلم، والخبرة، والتقوى، لا بعدد سنوات السجن، وتؤمن بأن لا شرعية لأي نظام لا يأتي به الشعب، أو يخالف صحيح الدين، أو يوالي الأعداء، ويعادي الأشقاء والأصدقاء، ولا تسمح لنفسها أن تلعب دور المعارضة في ظله، مقابل مكاسب "هزيلة" ينشغل بها الإخوان عن هدفهم الأساس، ألا وهو "أستاذية العالم"..

وبمناسبة هذا التعبير البليغ (أستاذية العالم) الذي يعني في علم السياسة "نظاما عالميا جديدا يحيا في ظل قيم الإسلام"، فلا أتصور مطلقا، أن حسن البنا، وهو الرجل المُلهَم والملهِم، كان يقصد بتعبيره هذا "قيادة الإخوان للعالم"، وإنما يقصد "قيادة الإسلام للعالم".. فالإخوان المسلمون ليسوا كل المسلمين، أما المسلمون فكلهم إخوان في هذا الدين، وكلهم مكلفون بتحقيق هذه الأستاذية، وليس الإخوان المسلمين فحسب.