أفكَار

"حماس".. النشأة والهوية والمسار في مواجهة الاحتلال (1من2)

استقطبت جمهوراً كبيراً لاسيما من طبقة المحافظين والمتدينين ونافست على الصفوف الأولى للحراك الثوري

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة وتلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يقدّم الكاتب والباحث الفلسطيني الدكتور أسامة الأشقر، عرضا لتجربة الإسلام السياسي الفلسطيني ممثلا في حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

"حماس".. النشأة والهوية والمسار حددتها مواجهة الاحتلال

لا يختلف الإسلاميون في أن حركة "حماس" تعد واحدة من النماذج الإسلامية الأكثر تميزاً في أدائها مقارنة بغيرها من الحركات الإسلامية الوسطية، وقد نالت حركة "حماس" سمعتها عبر تراكم طويل لتجربتها دام قرابة ثلاثين سنة أرفقتها بتجربة نضالية عسكرية مع قوة احتلالية شديدة النفوذ وعميقة التأثير في المحيط العربي.

وقد كان مستوى التنظير الفكري لدى حركة "حماس" منذ انطلاقتها يؤمن بالحوار والتحالف مع الآخرين على قاعدة البرنامج المشترك، المستند إلى مشروع المقاومة واستراتيجية التحرير.

بنية فكرية ثورية

وكأي تجربة نضالية ناشئة فقد خضع هذا التنظير لمستوى صعب من التحديات التي كانت تمس أدبيات في التفكير الجمْعيّ لدى قيادات كبيرة نافذة داخل الحركة، وقد تسببت هذه الأدبيات التي تنشّأت عليها ثقافة الحركة في تداخلات صعبة مع القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى ذات البرنامج الكفاحي المشابِه المتأسس على بنية فكرية ثورية؛ حيث بقيت الخلفيات الفكرية لدى الفصائل الفلسطينية حاضرة أمام أي تفاهمات سياسية تكتيكية أو استراتيجية، وكانت تثور الكثير من الأسئلة الصحيحة ولكن في الأزمنة الخطأ بين هذه الفصائل التي تحاول أن تتفق على ما يجمعها.

 

إقرأ أيضا: إسلاميو فلسطين نجحوا بالمقاومة وفشلوا بالتحالف السياسي 1من2

وعلى كل حال فقد استطاعت "حماس" خلال سنوات قصيرة من نشأتها أن تحسم هويتها السياسية الفكرية المختلفة عن الفصائل الأخرى، وباتت أكثر حضوراً في الشارع الفلسطيني، واستقطبت جمهوراً كبيراً لاسيما من طبقة المحافظين والمتدينين ونافست على الصفوف الأولى للحراك الثوري .

قوى رافضة للحضور الإسلامي

ومع رغبتها الكبيرة في الإنخراط في الحراك السياسي فقد كانت القوى الفلسطينية الأخرى ترفض هذا الحضور الإسلامي المنافس القويّ وتعاملت معه على قاعدة التهميش والإقصاء، ولكن حدة الاستقطاب السياسي الفلسطيني ولاسيما بعد مؤتمر مدرير عام 1991م واتفاق أوسلو 1993م  أدى إلى مراجعات فلسطينية عامة تسامحت في فتح منافذ للتفاهم السياسي مع "حماس" في بعض التكتيكات دون الدخول في تحالفات حاسمة معها؛ وقد كان ذلك بارزاً جداً خارج فلسطين، حيث كانت تستقر القيادة السياسية المعلنة للحركة، فيما كان ذلك بطيئاً جداً داخل فلسطين لاعتبارات أمنية بالدرجة الأولى.

 

حاولت "حماس" مجدداً استيلاد إطار جديد بديل عملياً عن منظمة التحرير أشبه ما يكون بجبهة وطنية عريضة تستند إلى قاعدة المقاومة، وهو مشروع لم يلق نجاحاً

وكانت أولى الأنوية السياسية المهمة في تاريخ الحركة هو "تحالف الفصائل العشرة" التي مهد لها الموقف الحاسم من اتفاقية أوسلو التي عدّتها القوى الوطنية خروجاً عن الإجماع الوطني والميثاق الوطني الفلسطيني، وكان تحالفاً بارداً لم يستطع أن يردم الخلافات الفكرية الكبيرة أو حسابات الأوزان الشعبية أو التوجهات الحزبية لبعض الفصائل داخل التحالف والتي كانت تتقاطع مع منظمة التحرير الفلسطينية ذات النفوذ والشرعية والمال.

ومع ازدياد قوة الحركة في الشارع الفلسطيني وازدياد نفوذها وظهور قدرتها على عزل القيادة المتنفذة في منظمة التحرير جماهيرياً، فإن هذا لم يؤدِّ إلى تقوية التحالفات المعارضة للنهج السياسي لقيادة منظمة التحرير وحركة "فتح" بل إنه أدى إلى شعور قويّ لدى بعض هذه القوى بالتمايز والمغايرة لئلا تُحسَب على توجهات "حماس" الفكرية، وبقيت أقرب إلى حركة "فتح" رغم التباين السياسي الكبير بينها بجامعِ البيت الفلسطيني والمظلة الشرعية "منظمة التحرير الفلسطينية"؛ وتقلص تحالف الفصائل العشرة عملياً إلى تحالف الفصائل الثمانية وأدنى من ذلك بخروج الجبهتين الشعبية والديمقراطية .

وحاولت "حماس" مجدداً استيلاد إطار جديد بديل عملياً عن منظمة التحرير أشبه ما يكون بجبهة وطنية عريضة تستند إلى قاعدة المقاومة، وهو مشروع لم يلق نجاحاً أيضاً بعد رفض عربي واسع للتعامل معه، وفتور فلسطيني حزبي في تعظيم دوره وتنميته، ولم يتجاوز المشروع مرحلة المبادرة التي سميت حينها بـ "جبهة الإستقلال الوطني الفلسطيني" عام 1996م. 

ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى عام 2000 فإن هذا أدى إلى زيادة التنسيق الميداني داخل فلسطين لكنه لم يتطور على الصعيد النقابي والسياسي الأعلى، وبقيت الأمور غير واضحة وتشتعل بالإتهامات، بينما كانت الرؤية غير محسومة لدى معظم الفصائل في هيكلية صياغة التحالف السياسي مع القوى السياسية المختلفة فكرياً؛ وقد أسهمت الظروف الدولية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في زيادة الضغط على المشروع الإسلامي كله وجميع الحركات الإسلامية وعلى رأسها "حماس" التي لم تتنازل أمام الضغط الهائل عليها واستطاعت مواجهة الموجات العالية بالإنحراف عنها قدر المستطاع. 

 

إقرأ أيضا: الإسلام السياسي الفلسطيني.. الاحتلال إذ يفرض الأولويات 2/2