سياسة عربية

سياسيون ودستوريون: تشريعات السيسي تؤسس لديكتاتورية مطلقة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - أرشيفية
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - أرشيفية
انتقد سياسيون ونشطاء ودستوريون عددا من التشريعات التي أصدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال العامين الماضيين، واعتبروها سعيا منه إلى جمع السلطات في يده، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية، في ظل غياب البرلمان المصري واستحواذه على مهام التشريع.

فخِلال عامين من حكمه، أصدر الجنرال 510 قرارات وقوانين مخالفة لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان ومقيدة للحريات في مصر، وفقا للمرصد المصري للحقوق والحريات.

وخلال الأسبوع الجاري، أصدر السيسي عدة قرارات أثارت جدل العديد من الفقهاء الدستوريين والحقوقيين في ظل غياب مجلس الشعب (البرلمان)، وهو ما وصفه عدد من الدستوريين بالترسيخ لبناء ديكتاتورية غير مسبوقة في مصر.

عزل مسؤولي الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية في الدولة

وكان القرار الذي أصدره السيسي مؤخرا، ومنح نفسه بموجبه حق عزل مسؤولي الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية في الدولة، آخر القرارات التي أثارت ردود فعل معارضة من حقوقيين وفقهاء دستوريين. 

ويشمل القرار بقانون 89 لسنة 2015 عددا كبيرا من المؤسسات، وفق الدستور، وهي البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية، ونشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ولكن على عكس المعتاد في غير مواعيدها الرسمية، حيث إن السبت إجازة رسمية، ما يجعله قرارا استثنائيا.

ووضع القرار أربعة شروط، على أساسها يعطي الحق له في عزل قيادات هذه الأجهزة من مناصبهم وهي: "إذا ما قامت بشأنه (أي رئيس الهيئة) دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا فقد الثقة والاعتبار، أو إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، أو إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية".

وقد رأى العديد من الفقهاء الدستوريين والحقوقيين أن القانون بهذا الشكل سيساعد السيسي على التحكم بالأجهزة الرقابية بالدولة، التي هي بالأساس موجودة لمحاربة الفساد المالي والإداري المستشري في جسد الدولة، من خلال بسط يد السلطة التنفيذية ممثلة في السيسي على تلك الأجهزة الرقابية.

شركات حماية خاصة من تأسيس الداخلية والجيش

وبعد يوم من قرار "عزل رؤساء الهيئات المستقلة"، أصدر السيسي قرارا جمهوريا أجاز بموجبه لوزارتي الداخلية والدفاع تأسيس شركات حراسة خاصة لحماية المنشآت ونقل الأموال.

وجاء في القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية المصرية، الأحد: "دون التقيد بأحكام قانون حراسة المنشآت ونقل الأموال، يجوز لوزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما والمخابرات العامة تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال"، ونص القرار على أن "وزير الداخلية يصدر، بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة، اللائحة التنفيذية للقانون، خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريانه".

وهو ما اعتبره العديد من النشطاء ورؤساء الأحزاب والحقوقيين تمهيدا لتأسيس مليشيات مسلحة معترف بها من النظام المصري.

إنشاء صندوق "تحيا مصر" بتأسيس ورعاية مباشرة من السيسي

ولم يكتف السيسي بالقرارات السياسية أو المتعلقة بالأمن فقط، بل امتد أيضا لعدد من القرارات الاقتصادية، أولها ما أصدره الأحد أيضا بخصوص إنشاء صندوق ذي طبيعة خاصة يسمى صندوق "تحيا مصر"، تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتبع رئيس الانقلاب مباشرة، حيث يتكفل الأخير بتحديد "طبيعة ونشاط الصندوق وأساليب الإشراف عليه وإدارته وتصريف شؤونه المالية والإدارية".

كما أن القانون يعطي السيسي حق تعيين أي عضو من الشخصيات العامة، طبقا لاختياره، ودون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر، كما تعفى جميع عوائده من الضرائب، ولا يسري عليه أي نوع من الرسوم والضرائب المباشرة المفروضة حاليا أو مستقبلا.

510 مليار جنيه عجز في موازنة الدولة وخسائر جديدة للاقتصاد مع غياب البرلمان

وإضافة إلى هذا السيل من التشريعات التي لا تصدر عن برلمان شعبي منتخب، فقد أقر السيسي الأحد الموازنة العامة للدولة -التي من المفترض دستوريا أن تقر في البرلمان-، بعجز يصل إلى 510 مليار جنيه، بالإضافة إلى 46 مليار وضعت تحت بند "مصروفات أخرى"، دون أي تحديد لماهية تلك المصروفات.

وكان الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية سجل خسائر كبيرة تقدر بالمليارات، دون وجود مجلس نواب منتخب يراقب الميزانية والمصروفات، ما ساهم في غياب التشريعات والقوانين الاقتصادية الهامة التي أثرت على الحياة الاقتصادية في مصر.

وساهم غياب البرلمان في انخفاض مؤشرات مصر الاقتصادية العالمية، وعلى رأسها مؤشر عجز الموازنة، ومؤشر الدين العام، وتذبذب نظرة العالم الخارجية إلى مصر، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، نظرا لعدم استكمال خارطة المستقبل التي تم الإعلان عنها في 3 يوليو 2013.

ويرجع عدم نمو الاستثمار بالمعدلات المطلوبة إلى تخوف المستثمرين من الإقدام على الاستثمار في مصر، نظرا لعدم وجود البيئة التشريعية المناسبة، وغياب قوانين الاستثمار الموحدة، وقوانين الإفلاس، وقوانين التجارة المطلوب تعديلها لسهولة الإجراءات.

ولم تمارس أي آلية من آليات الرقابة على الموازنة العامة للدولة أو الحساب الختامي، بل انفردت السلطة التنفيذية بجميع مراحل إعداد وإقرار الموازنة في ظل عدم وجود سلطة تشريعية منتخبة تقوم بمناقشة الموازنة نيابة عن المواطنين.

التأسيس لديكتاتورية مطلقة

وأشار العديد من الفقهاء الدستوريين إلى أن تلك القوانين الصادرة تؤسس لديكتاتورية مطلقة في مصر دون رقيب في ظل غياب البرلمان والسلطة التشريعية. وقال الفقيه الدستوري يحيى الجمل: "إننا نمر بظروف استثنائية صعبة، ومن حق الدولة أن تتخذ قرارات استثنائية، لكنها يجب ألّا تؤدي إلى قيام سلطة مطلقة، مضيفا: "من الممكن الطعن أمام المحكمة بعدم دستورية هذه القوانين، وأخشى من مثل هذه النصوص التي تذهب بنا إلى أمور يجب ألّا ننحدر إليها".

وعلق نائب رئيس حزب الوسط حاتم عزام على هذه القوانين بالقول :"فرمان عسكري جديد يتحكم به في رؤساء الأجهزة الرقابية، بين فرمانات كثيرة، تليق بآلهة الاستبداد التي تختصر الدولة في شخص".

وقال الحقوقي جمال عيد " 2012 مرسي عمل إعلان دستوري، وعزل به النائب العام: صلاحيات إلهية، 2015 السيسي عمل قانون يعزل به الهيئات المستقلة والرقابية: صلاحيات إلهية".

أما الحقوقي محمد رفعت فقال: "ما صدر بغياب البرلمان كقانون التظاهر الذي دمر شبابا، وقانون التصالح الذي شرع نهب مصر، وقانون الإرهاب وعزل الهيئات الرقابية، هي جميعها جرائم بحق مصر".

وعلق الناشط السياسي والقيادي السابق في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي تامر الميهي قائلا: "منذ انتخاب الرئيس (الجنرال السيسي)، لم يعد في الدولة أي سلطات بخلاف السلطة التنفيذية، وأصبح الرئيس يتعامل بمنطق (أنا ربكم الأعلى)". مؤكدا أن السلطة التنفيذية يجب ألا يكون لها أي سيادة على الأجهزة المسؤولة عن مراقبة أدائها.
التعليقات (0)