إننا على أبواب تغيير في الوعي لم تنجزه الثورة بكل عمقها وكأنما جاء كورونا ليعمق لحظة الوعي بأهمية الانتقال إلى اقتصاد إنتاج، لا الاكتفاء باقتصاد مناولة تابع يعرض خدماته على قارعة الطريق كأن الدولة فيه بكل حكوماتها صاحبة أقدم مهنة في التاريخ..
كورونا حدث عابر، ربما، لكنه سيترك أثرا بليغا الإنسان المتمدن خارج المدن. المدنية أو التحضر خارج المدن هذا أفق صحي الآن لكنه أفق عمراني قريبا، وهنا حدثت معجزة كورونا بتفريق السكان في حياتهم اليومية دون فصلهم في حياتهم العملية
هذا اختبار أول لتماسك الموقف السياسي داخل الحكومة ولشكل العلاقة مع الرئيس نفسه الذي يتمدد على حساب الحكومة، محاولا في ذات الوقت إلزام رئيس البرلمان بدوره التشريعي دون لعب أي دور سياسي خاصة في المجال الدبلوماسي
هذا الكبر السياسي استهدف في ظاهره حزب النهضة لحرمانه من موقع متقدم في قيادة الدولة معادل لحجمه البرلماني، أي حجمه في الشارع أو في الصندوق الانتخابي. لكنه في النتيجة أضرّ بالبلد وبالتجربة الديمقراطية
لقد اختصر الحزب، وربما شق من قيادته، الطريق إلى المكاسب، وفكر ضمن خطة كلاسيكية بإمساك وسائل التغيير الفوقي لفرض الخيارات ليست بالضرورة ديمقراطية ولا شعبية، وهذه هي أمراض كل النخبة التونسية التي تتشرب روح بورقيبة ومنهج ابن علي
لا وقت للشعب التونسي للفرجة، فقد زهد في الأمر وانصرف يتدبر أمره بلا حكومة. وفي تدبيره كثير من الحيل الفردية التي لا تعتمد القانون دوما، لذلك نكتب بكثير من الألم رغم أن الفرجة ممكنة
وهكذا نصل إلى مشهد ملغوم من كل النواحي فلا أحد يثق في أحد، ولا أحد يريد لأحد أن يغنم سياسيا من الحكم. وفي هذه الأجواء لا يجد الفخفاخ طرقا سالكة رغم وجود خيّرين يعملون في الظل ويجسرون الأخاديد بين الأحزاب. فهل ينجح الفخفاخ في بناء حكومته وبدء العمل؟
هامش حركة الفخفاخ واسع لجهة اختيار طاقمه، وليس عليه أن يقع في مماحكات حزبية أو اعتبارات فئوية. وننتظر اختيارا شجاعا وخطابا حاسما وبرنامجا واضحا، يبدأ من إصلاح الإدارة، حيث يعشش الفساد وتحميه النقابات
الذين أسقطوا حكومة الجملي أسقطوا أنفسهم أمام حكومة الرئيس التي دفعوا إليها، فإذا هم يدخلون المرحلة الجديدة بلا سند ولا قوة، وخصمهم اللدود يناور بكل قوته وتماسكه الداخلي..
الديمقراطية التي سمحت للبعض بمساندة حفتر الزعيم هي نفسها التي مكنت الجمهور المجهول من السخرية منه ومنهم، وهي التي تترك صندوق الاقتراع مفتوحا لإنهاء معركة طالت حتى ضيعت أمة وثورة وقضية
لقد دخل حزب النهضة للتفاوض ضعيفا، وأول ضعفه كان أن سلم لخصومه بثورية زعموها، وفاوضهم على أنه ممثل الرجعية الفاشلة في الحكم رغم نتيجته في الصندوق. لقد استبطن هزيمته قبل الجلوس إلى مائدة التفاوض، وكان ذلك مدخلا لتصعيد سقوف المطالب..