سياسة عربية

تصدّر رجال أعمال قوائم انتخابات الجزائر يذكر بالمال السياسي

سبق أن تعهد ولد عباس برفض ترشيح رجال الأعمال - أرشيفية
ألقى "المال السياسي" بظلاله على الانتخابات النيابية المقررة بالجزائر، في 4 أيار/ مايو المقبل، حيث "تسللت" أسماء العشرات من رجال الأعمال إلى القوائم الانتخابية التي تعمل الأحزاب التي أعلنت مشاركتها بالانتخابات؛ على إعدادها.

وتسود حالة من التشاؤم في الوسط السياسي بالجزائر، بسبب تغلغل رجال الأعمال، خاصة الأحزاب الموالية للسلطة، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، الذي يرأسه جمال ولد عباس، والحزب الثاني في البرلمان الحالي، التجمع الوطني الديمقراطي، ورئيسه أحمد أويحيى، وهو أيضا مدير ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

وكان ولد عباس، قد أكد بمؤتمر صحفي عقده منتصف شهر كانون الثاني/ يناير، أن " عهد المال السياسي انتهى؛ ولا أقبل ترشح أصحاب الشكارة بالإنتخابات المقبلة".

ويُطلق لفظ "الشكارة"، التي تعني باللهجة المحلية بالجزائر "الكيس"، على الأموال المشبوهة لرجال المال والأعمال. ويُتهم هؤلاء بتوظيف "المال المشبوه أو الفاسد" من أجل شراء مراتب متقدمة بالقوائم الانتخابية تضمن لهم الوصول إلى البرلمان.

وجاءت تصريحات ولد عباس المشار إليها؛ في معرض انتقاده الأمين العام السابق للحزب الحاكم، عمار سعداني، الذي يتهمه بتعبيد الطريق أمام رجال المال للوصول إلى البرلمان ومنحهم مناصب حساسة داخل الهيئة، واتخاذ الوظيفة النيابية وسيلة للضغط على الحكومة من أجل تسهيل أعمالهم وحيازة مشاريع إستثمارية.

لكن، يبدو أن رئيس الحزب الحاكم في الجزائر؛ لم يصمد أمام رغبة رجال المال بالترشح للانتخابات، إذ ترشح محمد جميعي، وهو رجل أعمال يمتلك شركات ومصانع للأجهزة المنزلية، بقائمة حزب جبهة التحرير الوطني، في محافظة تبسة، شرق البلاد، علما أنه حاليا عضو في البرلمان منذ عام 2012، ويشغل منصب نائب رئيس البرلمان.

ولا يتفق جميعي مع المواقف المناهضة لترشح رجال المال بالانتخابات. وقال في تصريح خاص لـ"عربي21"، الأربعاء، إن "الأمين العام كان واضحا عندما أعلن عن فتح باب الحزب لكل الطاقات وكافة المناضلين عبر تقديم ملفات ترشحهم، دون وجود حاجز للتعبير عن طموحاتهم، فيما تبقى معايير تأخذها اللجنة الوطنية للترشيحات بعين الاعتبار، وفي صدارتها الكفاءة والنضال الجاد والانضباط والسمعة جيدة على مستوى كافة الأوساط"، وفق قوله.

وتابع: "رجال الأعمال جزائريون لهم حقوق وواجبات ومن حقوقهم المدنية والسياسية، تمثيل الشعب بالبرلمان، ما لم تتنافى طموحاتهم مع ما يتضمنه القانون".

ويعتقد جميعي أن "تصريحات الأمين العام فُسرت بطريقة خاطئة، فهو لن يمنع رجال الأعمال من الترشح"، مضيفا: "هو يضع هدف حصد أكبر المقاعد في البرلمان القادم، وكذا الحفاظ على الريادة، وهذه الأهداف تحقيقها يتم عن طريق البحث عن الحلول الواقعية في عملية اختيار المترشحين حسب المعايير التي يراها الأمين العام والمكتب السياسي للحزب لتحقيق إضافات حقيقية للجبهة"، كما قال.

وبالإضافة إلى جميعي، ترشح شقيق موسى بن حمادي، الناطق الرسمي لحزب جبهة التحرير الوطني، وهو وزير سابق، عن محافظة برج بوعريريج، شرقا. ويمتلك بن حمادي مجموعة شركات بارزة بالجزائر، وترشح أيضا أصحاب مقاولات بارزون.

وشن قادة سياسيون حملة شعواء على عدد من رجال الأعمال النواب، منذ العام 2012، تاريخ بدء الفترة النيابية التي شارفت على الانتهاء، لاتهامهم باتخاذ البرلمان وسيلة ضغط على وزراء حكومة عبد المالك سلال، وأيضا وسيلة للتقرب من الحكومة.

وقالت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال، اليساري، لدى اجتماعها بنشطاء حزبها، في العاصمة، في الثاني من شباط/ فبراير الجاري: "يبدو أننا في الجزائر نعيش آخر أيام حسني مبارك في مصر، حين تغول رجال الأعمال وصاروا بمثابة الآمر الناهي في الحكومة".

وأضافت حنون: "القلق يتزايد على مصير البلاد، بما تشهده من تقهقر اجتماعي فظيع وانحدار غير مسبوق في الحقوق والحريات الجماعية والفردية، وفي الإعلام والعمل السياسي والنقابي، وهذا يوضح أن الجزائر تتجه إلى مصير مصر قبيل ثورة يناير"، وفق قولها.

وطالبت حنون بفصل رجال الأعمال عن السياسة، وانتقدت صمت الحكومة عما أسمته "تغول أصحاب المال الذين صاروا يضغطون بنفوذهم على القرار السياسي في البلاد".

وليس الحزب الحاكم بالجزائر فقط من يتهافت عليه رجال الأعمال، ولكن أيضا غريمه، التجمع الوطني الديمقراطي؛ الذي يرأسه أويحيى، بينما لا تعرف الأحزاب الإسلامية بالبلاد ظاهرة ترشح رجال الأعمال، إلا ما ندر.

وقال الناطق باسم التجمع، صديق شهاب، في  تصريح لـ"عربي21"، الأربعاء، إن "ممارسات المال السياسي في الجزائر ظاهرة عابرة، وسوف تختفي مع مرور الوقت، إذ لا يمكننا القضاء عليها بضربة قاضية"، وفق تقديره.

وقدّر شهاب أن "مسؤولية وضع حد لمثل هذه الممارسة منوطة بالدولة والأحزاب؛ لأن استمرارها في المستقبل يعني ضرب هيبة الدولة والثقة في مؤسساتها".

وتابع: "وضعنا حواجز أمام أصحاب المال والأعمال الذين يطمحون في تصدر الواجهة السياسية للحزب، عبر إخضاع قوائم الترشيحات في الانتخابات النيابية المقبلة ومتصدريها لموافقة مكاتب المحافظات، بما يجعل الحزب في منأى عن هذه الفئة التي أصبحت خطرا على شرعية وديمومة المؤسسات"، كما قال.