ملفات وتقارير

حادثة "سيدة المنيا".. الرقم الصعب يغير مواقف الكنيسة

طالبت الكنيسة بالتحلي بضبط النفس والعيش المشترك إزاء أحداث كرم المنيا- أرشيفية
كشفت ردود أفعال الكنيسة الأرثوذكسية إزاء أحداث قرية الكرم بين مسلمي ومسيحيي المنيا في صعيد مصر؛ التبابين الكبير في التعامل مع الأزمات الطائفية بين عهد الرئيس الشرعي محمد مرسي، ونظام زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وفق مراقبين ومحللين.

وبحسب بيان داخلية الانقلاب الصادر الخميس الماضي؛ فقد بدأت الواقعة في يوم الجمعة 20 أيار/ مايو بقرية الكرم في أبو قرقاص بمحافظة المنيا، وذلك بإحراق عدة منازل، والاعتداء بالضرب على سيدة مسيحية مسنة، وسحلها، إثر إشاعات بوجود علاقة بين نجلها وبين امرأة مسلمة متزوجة.
    
وفرضت قوات الأمن سيطرتها على القرية في أعقاب الحادث، وألقت القبض على عدد من المتورطين، وأحالت القضية برمتها إلى النيابة للتحقيق، وسط اهتمام إعلامي كبير، ودعوات للهدوء ومحاسبة المتهمين.

وفي بيان أصدرته الخميس الماضي؛ طالبت الكنيسة "الجميع بالتحلي بضبط النفس والعيش المشترك"، وقال بابا الأقباط تواضروس الثاني، إن "الدولة تعمل على إعمال القانون، وتنفيذ القانون أولا وأخيرا، ومحاسبة أي شخص مخطئ في الأحداث كلها فيما يخص الشق الجنائي".

وذهب بعض المحللين إلى القول بأن دور الكنيسة على الخريطة السياسية، وتزايد مكاسبها على الأرض؛ فرض عليها ابتلاع وتمرير أحداث كهذه، واستبدال الخطاب الناعم بالغاضب، لمصلحة التحالف الاستراتيجي مع النظام القائم.

"30 يونيو" الرقم الصعب

وقال الكاتب والمفكر القبطي، الدكتور كمال زاخر، إن الكنيسة "تعاملت مع الحدث ليس باعتبارها كنيسة فقط، وإنما بكونها أحد أهم أرقام معادلة 30 يونيو التي أسقطت النظام السابق".

وأضاف لـ"عربي21" أن وجود الكنيسة ضمن هذه المعادلة؛ حملها عبئا أكبر من مجرد كونها كنيسة تمثل الأقباط روحيا، وهو ما انعكس على كل البيانات الصادرة حتى الآن من المؤسسات الكنسية؛ بضرورة إعمال القانون، وتكريس ثقافة التعاطي مع الأحداث بالقانون، وليس بالعرف، وذلك لتجنب إحداث ثغرة في تحالف 30 يونيو تمكن معارضيه من استهدافه".

وبشأن تنازل الكنيسة عن دورها للدولة في الأزمة الأخيرة؛ أوضح زاخر: "نحن كتيار علماني نرفض أن تكون الكنيسة ممثلا سياسيا للأقباط، والكنيسة أعطت المسؤولية لمن يجب أن يحملها وهي الدولة، وطالبت بالتهدئة بحلول تملكها الدولة وليس الكنيسة".

الإسلاموفوبيا لدى الأقباط

أما الناشط السياسي، وأحد مؤسسي تيار شباب الثورة، هيثم الخطيب، فرأى أن "خلط الدين في السياسة، وتبني الكنيسة لدور سياسي؛ انعكس بالسلب على الأقباط، وأصاب المجتمع بداء التعميم"، موضحا أن "كل من هو قبطي؛ أصبح بالضرورة مؤيدا لنظام السيسي الذي يقمع الإسلاميين، وهو مؤشر خطير يضعنا أمام ظروف مواتية للاحتراب الطائفي".

وقال لـ"عربي21" إن "الكنيسة تعاملت مع النظام الجديد بشكل براغماتي بحت؛ وحصلت مقابل ذلك على مكتسبات وميزات لم تحصل عليها من قبل، فلم يسبق أن قام رئيس مصري قبل السيسي بزيارة الكنيسة لتهنئة الأقباط"، مشيرا إلى أنه "في المقابل؛ تقوم الجالية المصرية في المهجر بالدفاع عن نظام السيسي، وسط انقسام واضح بين الجالية حول مسألة دعم الكنيسة للسيسي".

وعزا الخطيب موقف الكنيسة المتشنج من الرئيس مرسي، إلى "حالة التخوف الموجودة داخل كل مسيحي من التيار الإسلامي، والتي قابلتها تصريحات متطرفة تجاه الأقباط من جانب الإسلاميين، كالحديث عن ضرورة دفع الجزية، ما زاد الاحتقان والتربص بين الطرفين".

وتابع: "الكنيسة لعبت على وتر الطائفية أمام الغرب لإحراج نظام مرسي، وهناك من تاجر باسم الأقباط لدى الإدارة الأمريكية".

لعبة سياسة

من جهته؛ قال رئيس محكمة المنصورة السابق، المستشار عماد أبو هاشم، إن "الكنيسة تقحم نفسها في لعبة السياسة، لذا فإنها تتباين مواقفها بتغير المعطيات السياسية إزاء الأحداث المتماثلة".

وأضاف لـ"عربي21" أن "الكنيسة تتصرف في الوقت الراهن بدافع مكيافيلي بحت، لا كما تدعي أنها تتوخى المصلحة العليا للوطن".

وتابع: "عندما تتحدث الكنيسة بلغة العداء والمواجهة وتصيد الأخطاء لنظام حكم الرئيس مرسي ذي المرجعية الإسلامية، في الوقت الذي تبدي فيه مشاعر التسامح والأخوة وإعلاء لغة القانون في عهد النظام الحالي؛ فإنها تخوض لعبة السياسة؛ تحقيقا لأهداف عرقية تصب في مصلحتها، ولو كانت ثمار ذلك لن تتأتى إلا بحرق الوطن".

مركب واحد

أما المنسق العام للتحالف الثوري لنساء مصر، منال خضر؛ فذهبت إلى القول بأن "الكنيسه والانقلاب في مركب واحد، ومن مصلحة رجال الكنيسة تهدئة الأوضاع لدعم السيسي في هذه المرحلة الحرجة من الحكم الفاشل برا وجوا وبحرا" على حد تعبيرها.

وقالت لـ"عربي21": "لا شك أن الكنيسة تحاول الحفاظ على مكتسباتها بعد الانقلاب"، مشيرة إلى أنها "كانت العصا التي يتكئ عليها السيسي، وذلك منحها ميزات تخطت دورها الديني في الإشراف على رعاياها روحيا ودينيا".