مقالات مختارة

تنازلاتٌ مجانية خطيرة!

1300x600
تتحدّث تقارير عديدة هذه الأيام عن أن دولا عربية تصف نفسها بـ"المعتدلة"، قد أجرت تعديلات على "مبادرة السلام العربية" التي وافق عليها الزعماءُ العرب في قمة بيروت عام 2002، وقدّمت للطرف الصهيوني، عبر وسيط دولي، مقترحات جديدة تتعلق بالجولان المحتل وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وهي تنتظر الرد الصهيوني بالموافقة، بهدف بعث المفاوضات المباشرة بينه وبين السلطة الفلسطينية للوصول إلى اتفاق سلام شامل وفق "المبادرة العربية".

ولأنّ التجارب علَّمتنا أن العرب لا يقدّمون عادة سوى التنازلات تلو الأخرى، وكلما رفضها الصهاينة بصلف واحتقار وعنجهية، قدّموا لهم المزيدَ منها، فإننا لا نستبعد أن تتعلق الاقتراحاتُ الجديدة بالتنازل عن الجولان للكيان الصهيوني، وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وقبول الاقتراح الصهيوني بدفع تعويضات مالية لهم عن بيوتهم وأراضيهم التي هُجِّروا منها قسرا في عام 1948، ثم يُوَطَّنون، حيث يقيمون ويُغلق ملفّهم نهائيا.

وتأمل دولُ "الاعتدال" أن يوافق الصهاينة على اقتراحاتهم الجديدة بهدف بعث مفاوضات السلام بينهم وبين الفلسطينيين مجدّدا للوصول إلى اتفاق سلام بين الطرفين، تقام بموجبه "دولة فلسطينية" مقابل اعتراف الدول العربية جميعا بـ"إسرائيل" كـ"دولة طبيعية" بالمنطقة وإقامة علاقات كاملة معها، كما تنص مبادرة السلام العربية، وربما ضمّها لاحقا إلى الجامعة العربية رفقة تركيا، بعد تغيير اسمها إلى "جامعة الشرق الوسط وشمال إفريقيا".

مشكلة دول "الاعتدال" العربي، كما تسمِّي نفسَها أنها نصّبت نفسَها وصيا على كل الدول العربية، وعلى القضية الفلسطينية، ولذلك سمحت لنفسها بالتخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وديارهم، وعن تحرير الجولان، مع أن اللاجئين هم الذين ينبغي أن يقرِّروا مصيرَهم بأيديهم: هل يريدون العودة إلى وطنهم؟ أم يقبلون بالعرض الصهيوني بمنحهم تعويضات مالية مقابل التنازل عن حق العودة؟ وليس لأحد أن يقرِّر مصيرَهم بدلهم ولو كان السلطة الفلسطينية نفسها، فكيف تقرّر دولُ "الاعتدال" هذه المسألة الخطيرة نيابة عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين؟ ! ومن أعطاها هذا "الحق"؟!

ثم من منح لهذه الدول "حق" تقرير مصير الجولان والتنازل عنه للعدوّ الصهيوني وهو أرض سورية وليس تابعا لأيّ دولة من دول "الاعتدال" حتى تتنازل عنه؟ أليس لسوريا سلطة تحكمها وتقرّر ما تراه مناسبا بشأن أراضيها المحتلة حتى يقرّر غيرُها نيابة عنها؟!

إننا أمام حلقة تآمرية جديدة على القضية الفلسطينية تهدف إلى تصفيتها نهائيا وطيّ ملفّها وإنهاء كل مقاومة وطنية فيها بهدف فسح المجال للتطبيع العربي الشامل مع الكيان الصهيوني كما تنصّ "مبادرة السلام العربية"، هي تنازلات جديدة وخطيرة يحضِّر لها عربُ "الاعتدال" في وقت يتواصل فيه الاستيطانُ قضم الأراضي، وتهويدُ المقدّسات، والإعدامات الميدانية للفلسطينيين، ويُعيّن المتطرفُ ليبرمان وزيرا للأمن وهو صاحب أطروحة إعادة احتلال غزة وتحويلها إلى ملعب لكرة القدم، وتدمير السدّ العالي بمصر.. باختصار المتطرِّفون الصهاينة يحضِّرون لتجسيد "إسرائيل الكبرى" الممتدّة من النيل إلى الفرات، في حين يحضّر عربُ الانبطاح والهرولة لتنازلات مُذلّة جديدة لتصفية ما كان يوما "قضيتَهم الأولى"!

عن صحيفة الشروق الجزائرية