قضايا وآراء

حمّام الدم.. استشهاد زهران علوش.. وميلاد أحمد والمسيح

1300x600
لا يجوز البتة لحكومات تتبنى القتل الممنهج أن يكون لها وحدها الحق في تعريف من هو إرهابي ومن غيره. فكل دولة تسبح في أفلاكها مجموعات من حملة السلاح غير المقنن لتنفيذ مآربها على الأرض، حينما لا تستطيع الجيوش النظامية فعل ذلك.

حمّام الدم السوري اجتمع فيه إرهاب الحكومات المنظم إلى إرهاب الجماعات المسلحة، وكلهم متعطشون للدم البريء. لهذا، فإن من يقصف مساكن الفقراء المعدمين المدنيين في سوريا من الجو بقوة القانون هو شريك في الإرهاب، بغض النظر عن المسوّغ القانوني، بل إنه يتحمل العبء الأكبر لأنه حينئذ ركن إلى قانون وحشي يبيح له اتباع أسلوب الأرض المحروقة غير عابئ بأرواح الأبرياء، وهو أسوأ مليون مرة من إرهابي ينتمي لجماعة هنا أو جماعة هناك.

منذ أشهر قمنا -نحن الأمريكيين- بدغدغة عواطف ملالي طهران، وقدمنا لهم اتفاقا نوويا يضمن نفوذهم الذي بدأ يتغلغل مع انهيار العراق على أيدي قواتنا الغازية حسب إقرار الأمم المتحدة التي اعتبرت غزو العراق عام 2003 احتلالا، منهية بذلك أي جدل يعطي للاحتلال صبغة قانونية دولية.

الأمريكيون -الإدارة- يعرفون تماما أن إيران دولة إرهابية، ويعلمون يقينا أنها قامت على مدار عقود طويلة بدعم جماعات مصنفة ضمن قوائم الإرهاب التي صاغتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومع ذلك قامت الإدارة الأمريكية الحالية بإبرام اتفاق ليس نوويا فقط، بل حمل ضمنا إطلاق يد إيران لحقبة زمنية طويلة لتكون مشاركا أساسيّا في لعبة الدم القذرة الدائرة اليوم على الأرض العربية. لهذا نجد إيران اليوم قد تمددت على طول وعرض الخريطة العربية، تماما كما جاء في مقررات اجتماع ملالي طهران "المجمع الشيعي الأعلى" في مدينة قم عام 2003 إثر احتلال بغداد من قبل الأمريكيين. والتمدد الإيراني هذا لم يكن ليحدث لولا أنه مدعوم عالميّا من دول ادعت على مدار سنوات طويلة أنها تعادي هذه الدولة وإرهابها.

في سوريا هناك اعتبارات لكل فصيل في هذه اللعبة القذرة، فجيش الإسلام الذي يحاصِر دمشق بصواريخه والمحاصر أيضا في غوطتها الشرقية؛ كان مدعوما ليكون الصوت الإسلامي في المفاوضات التي ستجري قريبا. وزهران علوش لا يعد قائدا عسكريّا فقط، إنما تروض سياسيّا، وتصريحاته تشهد بذلك، لذا كانت هذه الضربة (اغتياله) سياسيّة من أجل إضعاف صوت المقاومة على طاولة المفاوضات، فهو الذي صرح بأن جيش الإسلام لا يستطيع حضور مؤتمر المعارضة في الرياض وذلك بسبب الحصار المفروض عليهم، وهذا التصريح هو مباركة للجهود الدبلوماسيّة، بينما تريد دمشق - النظام - لزهران البقاء خارج حلبة الحوار، من أجل إضعاف المعارضة التي تشكّل قوات جيش الإسلام بالنسبة لها المطرقة على رأس المفاوض من طرف النظام وإيران وروسيا.

كذلك كانت الضربة هذه تقوية لداعش الذي ربما قدم الحلوى ابتهاجا بمقتل علوش. فالأخير يعلن العداء لداعش، وهو الذي وحد الكثير من الفصائل ضد داعش والنظام، لذا ليس مستبعدا أن الذي صوّب صواريخه نحو زهران علوش هو الذي يريد لداعش أن يظل قويّا لتزداد اللعبة الدموية ضراوة على الأرض. فما الذي ستخسره روسيا لو أن اللعبة ازدادت ضراوة؟ إنها تقصف من الجو، والفاتورة المادية مدفوعة من خلال التوافقات المرتبطة باقتصاد الحرب مع دول شتى، والنتيجة مهما كانت لن تكون روسيا خاسرة للعنصر البشري وهو الأهم في هذه اللعبة مالم تتواجد قواتها على الأرض، لذا فقد أرادت روسيا تقوية داعش اللاعب على الطرف الآخر الذي يرعى المصالح المشتركة مع الغزاة.

من هنا نرى أن مقتل قائد جيش الإسلام المعروف بصلابته العسكرية التي اكتسبها على مدار أعوام الثورة، وحنكته السياسيّة التي استمدها من قناعاته بأن الحل لن يكون عسكريّا فقط، سيضعف موقف المعارضة على طاولة المفاوضات من ناحية، وهذا شيء أساسيّ في إدارة اللعبة من طرف الروس وحلفائهم.

بلا شك هذا انتصار آني للروس والفرس والنظام، لكن سنن الحروب تملي دائما أن هناك مفاجآت، ولا ندري حقيقة ما تكون مفاجأة هذه الحرب المزمنة، كما أننا لا نعلم إن كان القائد الجديد لجيش الإسلام سيكون بنفس كفاءة سلفه الذي قتل أم لا، لكن القائد الجديد -البويضاني-  كان مطلوبا للأمن السياسي التابع للنظام منذ عام 2009، وهذا يعني أن الرجل له باع ويعتبر خطرا على النظام، خصوصا أنه كان مطلوبا قبل اندلاع الثورة. كذلك هو ابن دوما الشام وسليل إحدى العائلات العريقة، وما زال شابا يتسم بالقوة والإرادة، لذا فإنه من السابق لأوانه الحديث عن نصر طويل الأمد لقراصنة أجواء سوريا ونظامها الذي اتسم بالخيانة لبلاده. 

ولعل خروج زهران علوش ودخول البويضاني سيأتي بنمط جديد في حرب جيش الإسلام على النظام. فعدد قواته (جيش الإسلام) يقدر بما يزيد عن 20 ألف مقاتل، وتدعمه دول خليجية وتركيا، حيث قام علوش بزيارة قبل عدة شهور إلى تركيا وأتم اتفاقات هناك تؤهله وجيشه ليكونا نواة جيش تحرير سوريا ومأسسة جيش جديد. ورغم أنه (جيش الإسلام) ذو وجهة إسلامية، إلا أن الانطباع العام عنه ابتعاده عن التطرف، لذا كان وسيظل من أهم أوراق اللعبة في الحرب على التطرف. ومن هنا نظن أن دولا كثيرة ترى في جيش الإسلام مصلحة للإبقاء عليه لا إنهاء دوره، وهذا سيضيع على النظام وحلفائه فرصة الفرحة بانتصارهم المحدود بمقتل قائد هذا الجيش.

الذي خبرته وذكرته من قبل هو أن حمّام الدم السوري يفيض اليوم بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ عزّل، بينما يحتفل العالم بميلاد المسيح ومحمد عليهما السلام.. كلاهما بريء من الصليبية الحاقدة ومن داعش الخوارج، ونظل ننادي بعالي الصوت أن المجرم بوتين لا يمثل المسيح بل يمثل الصليبيين، وداعش لا يمثلون محمدا، إنما هم خوارج هذا العصر، أما النظام والفرس فكلاهما يعبدون النار ويعشقون الدم والحرائق، ولا حل إلا بتصفيتهما وإخراجهما من اللعبة إلى الأبد.

إن رحل زهران علوش فذاك أمر متوقع، لكن الثورة في سوريا ستظل حتى تجتث آخر معقل للإجرام من معاقل النظام ومعاقل المحتل الروسي والفارسي..

عاشت سورية حرة عربية إسلامية.. وكل عام وأتباع المسيح ومحمد بألف خير.