قضايا وآراء

آلان.. هل أنجاه الله ببدنه ليكون آية للعالمين؟

1300x600
كثيرا ما يرى الإنسان الأشياء على غير حقيقتها وقد يكون ذلك ناتج عن خطأ في تقدير فهم مناط الأمور -بسبب تفريط أو إفراط أو كليهما- مدعوما بهوى في قلبه، فيحيد عن جادة الصواب. 

الخطورة كل الخطورة إذا تطور ذلك الفهم لتقدير بواطن الأمور إلى اتخاذ قرارات مصيرية تهلك الحرث والنسل، فيزداد الطين بلة على بلات، وتضيع موازين الأمور وتذهب الأصول والأولويات أدراجا، فتأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن!
 
أليس هذا ما حدث ونتجت عنه كارثة من أكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا هذا؟ إنها مأساة الشعب السوري الشقيق بل الأمة الإنسانية قاطبة؟
 
روعتنا وتروعنا جرائم الصهيونية العالمية في اقتلاع شعب من أرضه وتراثه وهوائه وتينه وزيتونه وزعتره وحاكورة ختياريته. ولكن لم نكن لنتخيل ما رأينا ونرى في أيامنا هذه من تآمر الأخ الشقيق وغير الشقيق والعدو الأصيل والعدو المستعدي العارب والمستعرب بكل أجنداتهم البغيضة لتفتيت الأوطان وتمزيق الشعوب من جهة، ومن جهة أخرى نشر عقيدة أهوائهم المريضة وأحقادهم الدفينة. يظنون أنهم سينجحون مهما أزهقت الأرواح ودُمرت البنى التحتية في منبت ديار القسام وأختها ديار المعتصم وكذلك ديار الحكمة اليمانية.
 
نتذكر كيف أنجى الله عز وجل فرعون موسى ببدنه ميتا في ذلك الحين وذلك المكان ليكون آية للناس، ليس في وقته ولمن حوله، ولكن لمن خلفه على مر العصور والأزمنة، وذلك كما في محكم التنزيل وهادي البشرية من الظلمات إلى النور:( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (92) يونس. من يذهب إلى المتحف القومي المصري في مدينة القاهرة الأبية، سيجد ذلك الفرعون جثة محنطة شاهدة على آية من أعظم آيات الله. ذلك الفرعون الذي طغى وتجبر وعلا في الأرض ليفسد فيها الحرث والنسل ويقسم أهلها شيعا ويعيث في الأرض فسادا وترويعا وحيادا عن توحيد الألوهية والعبودية والربوبية والأسماء والصفات.
 
لم يعصمه قوله- وهو يرى مشهد الغرق المهيب- أنه آمن فقط بالإله الذي أمنت به بنو إسرائيل فكان الجواب: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (91) يونس.
 
لقد كاد القرآن الكريم أن يكون موسى من كثرة ما تليت قصة موسى عليه السلام في سور متعددة، وفي كل مرة بجو خاص وسياق متميز تعيش حلاوته وظلاله بعدها فتدرك نتائج ظلم النفس لنفسها وظلم ذوي القربى وظلم الطغاة لشعوبهم.
 
رأينا الطفل السوري آلان كردي، وعمره 3 سنوات -الذي نحسبه وذويه شهداء عند الله- ملقى جثة هامدة على شاطئ البحر قبالة سواحل بودروم التركية. لا نظن أن واحدا يملك ذرة من إنسانية إلا وعاش مرارة اللحظة وما بعدها وتقطع قلبه لذلك الطفل وذويه.
 
من منا لم يتخيل فلذة كبده في تللك اللحظات التي رأى فيها ذلك المشهد؟ من منا لم يبك قلبه من ذلك المشهد؟
 
في خضم ذلك تحدثت إلى أخ عزيز كريم صاحب "تفكر" وفضل فقال لي: ألا تذكر "محمد الدرة"؟ ذلك الطفل الفلسطيني الذي قُتل بجانب والده وأبكى العالم الذي يحترم نفسه؟ فقال في ألم: ماذا نحن فاعلون؟
 
هل نحن اليوم أمام مشهد محمد الدرة من جديد، ولكن في ردة فعل أسوأ وربما ننسى ويُنسونا بمفسدات ثقافة "تفاح الضرار" وثقافات "أراب غوت تالنت" و"أراب أيدول" .. إلخ.

منا من نعى الضمير العالمي وليس الإنساني لأن الإنسانية من الطغاة وولاتهم وناشري عقيدة أهوائهم براء ولا يملكون درجة الإنسانية؟
 
ولكننا نتساءل: هل أنجى الله سبحانه وتعالى الطفل آلان كردي ببدنه ليكون أية للعالمين؟ آية للإنس والجن وكل مخلوقاته؟!
 
إنني وبتفكر في آيات الله عز وجل ودراسة المشترك بين حادثة فرعون موسى الطاغية، وهذا الطفل البريء المكظوم أهله وذويه أجد نفسي متسائلا: أليس في ذلك آية؟
 
أليس في جسده الملقى على الشاطئ آية للإنسانية جمعاء أن ترى وحشيتها عندما تتنازل عن إنسانيتها وتفسد في الأرض وتعيث فيها الفساد؟
 
أليس في جسد آلان الطاهر البريء آية؟ كيف وهو في ملابسه الحمراء والغامقة في كثافة ألوانها بريقا يهدي إليها وهو في وضعه المسجى ساجدا في جبهته لخالقه؟
 
أليس في جسد آلان الطاهر تذكرة لما قالته الملائكة لربنا سبحانه وتعالى عن جعله بني آدم خليفة له في الأرض حيث يفسد ويسفك الدماء؟ لكن الله هو خالق الملائكة وكل شئ ومدبره، يعلم ما تعلمه الملائكة وعلمنا أسماء الأشياء فاخترعنا وتقدمنا ولكننا في نفس الوقت نزلنا إلى أخمص أقدامنا في الحيوانية عندما تركنا الإنسانية.
 
أليس في جسد آلان البريء تذكرة لقصة قابيل وهابيل وكيف يمكن للأخ أن يقتل أخاه الإنسان؟ إنها النزعة الشيطانية التي توعد بها إبليس، بقوله "لأحتنكن" بها عباد الله، ولكن أي عباد؟ إنهم الضالون الغير مخلصين، عباد شهواتهم وأهوائهم وعبدة الطغاة ومن والاهم.
 
واذا تعمقنا في وجه الشبه بين حادثة تنجية فرعون موسى ببدنه ونجاة الطفل البريء ندرك أن في ذلك آيات للغافلين الذين غفلت قلوبهم عن قدرة الله وظنوا أنهم في طغيانهم مستمرون.
 
إنكم كما أنجى الله آلان البريء ببدنه معافى سليما، سيجعلكم الله أيها الطغاة وأصحاب الأهواء الفاسدة والأجندات المهترئة حقدا آية لمن حولكم. إن سنن الله لن تحيد أبدا فلا بد للظالم أن يأتيه يومه ولو بعد حين والله يُمهل ولا يُهمل.
 
نقول لأولئك الطغاة بمختلف أصنافهم إنكم منتهون وسنقول لكم حينها: آلْآنَ؟ لقد عصيتم وتجبرتم وأهلكتم الإنسان والشجر والدواب والهواء وكل شيء حي وغير حي. بل لم تتركوا مسلكا لسفك الدماء وترويع النساء والشيوخ والأطفال والآمنين إلا وسلكتموه ونفذتم ما يميله عليه شياطينكم .. لقد كنتم من المفسدين حقا.
 
أليس ما نعيشه اليوم هو نتائج الظلم وسلب حرية بني آدم ليقرروا في أعز شيء لمصيرهم. كيف والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ، إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقا (29)). وهذا من أجل الردود على سماحة الإسلام في ترك حرية الاعتقاد ورد بليغ على من ادعى نشر الإسلام بالسيف وطقوس الجاهلين من الخوارج وغيرهم في عصرنا هذا ومن قبلهم!
 
فإذا كان الخالق الواحد الأحد العزيز الجبار المنتقم قد أعطانا حرية الاعتقاد، فمن يملك أي شيء دونه ليجبر إنسانا على سلب حريته وسحق عبوديته لربه وإرادته في أن يعيش كريما آمنا مستأمنا على دينه ونفسه وعرضه وماله؟ من يجرؤ على سلبه حرية ما يحب وما يكره ومن يريد أن يحكمه وإليه ترجع ولايته؟
 
من يفعلون ذلك أولئك هم شر البرية! أولئك من سلبوا الإنسان إنسانيته في حقه للعيش حرا كريما آمنا مطمئنا على عرضه وماله وكل حياته !!!
 
أما آن الأوان لهؤلاء الطغاة ومن والاهم أن يهجرونا ويتركوا للإنسان حريته وكرامته؟ ذلك أن الله سبحانه هو من أعطى الكرامة لهذا الإنسان وفضله على كثير من خلقه تفضيلا؟
 
أما آن الأوان لنا أن نطبق سنة التغيير فنغير ما بأنفسنا، فيغير الله لنا حالنا من ذل وهوان "لإنسان آخر مثلنا" إلى حياة عزيزة كريمة فنصبح خير الأمم؟
 
أما يحق لنا أن نتساءل كيف لنا أن نكون من خير الأمم ونحن لا نقيم للإنسانية حقها بل العكس تماما؟
 
كيف لنا أن نكون كذلك ومؤسسات تعليمنا وتربيتنا لا تفعّل معنى الإنسانية في مناهجها، بل تدبو منهارة دون وضوح في الرؤيا والرسالة والمنهجية، فتراها يوما تترنح بين وزير ومسئول هنا وهناك وكأن مستقبل أجيال وتحييد أمة عن خيريتها هي في يد هذا وذاك؟
 
وفوق كل هذا ماذا فعلنا على المستوى الشخصي لأهلنا في سوريا الحبيبة؟ هل هي عواطف وتذهب؟ هناك من الخيرين من قدموا ويقدمون ولكن ذلك كله جهد المقل في ظل ما نرى!!
 
لماذا لا نتعلم من الغرب كيف يعامل من يلجأ إليه؟ من سوريا الحبيبة ومن وغيرها؟ وأقصد هنا فقط الغرب المتحضر في إنسانيته؟ نحن أولى لأن الأخوة لهم أخوة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. سؤال ينتابني ويلح علي أن أرسم حروفه: لماذا نحن كذلك وقد حفظنا تلك الأحاديث العالمية (من كلام سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم) في أسس التربية الأصلية على منهاج الكتاب الذي لا ريب فيه هدى للمتقين؟ ربما في تواضع نقول إننا لسنا من المتقين اللذين ردموا الهوة بين النظرية والتطبيق وهجروا منهج ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (105) التوبة.

رحم الله آلان الكردي ورحم الله محمد الدرة وكل شهدائنا الأبرار، وهدانا إلى تغيير ما بنا حتى يغير الله حالنا، فنرجع إلى الصراط المستقيم ونتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان.