صحافة دولية

فورين بوليسي: المغرب ـ تنظيم الدولة هل بدأ الوقت ينفد؟

مظاهرة سابقة بالمغرب تطالب بإصلاحات اجتماعية واقتصادية - فورين بوليسي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية واسعة الانتشار في عددها لشهر تموز / يوليو الجاري، مقالا تحليليا عن الأوضاع بالمغرب، وخاصة حول المخاطر الأمنية والسياسية والاجتماعية، المرتبطة بتهديدات "تنظيم الدولة الإسلامية". 
 
وقالت فورين بوليسي في تقريرها الذي صدر الخميس، وكتبه روبرت لوني وترجمه الصحافي المغربي سعيد السالمي، لقد ازدهر تنظيم الدولة مستغلا غضب المهمشين سياسيا واقتصاديا في دول غير مستقرة ومختلة وظيفيا مثل العراق وسوريا وليبيا، فلماذا إذن بدأ يستهدف المملكة المغربية التي تتمتع باستقرار نسبي؟
 
وتابعت فورين بوليسي، لا يكاد يمر أسبوع دون أن تعلن الأجهزة الأمنية المغربية اعتقال عناصر من خلايا مفترضة لتنظيم الدولة، وبينما لا تزال الأرقام الدقيقة غير متوفرة، حيث تقدر بين بضع مئات وأزيد من ألف مغربي تم تجنيدهم وتدريبهم من طرف التنظيم في سوريا، تخشى السلطات المغربية أن يعود هؤلاء المقاتلون المتطرفون ويستقطبوا المزيد من المجندين لشن هجمات على أراضيها. 

وأشار كاتب المقال إلى أن الذي سيحدد الأشكال التي ستتخذها تحركات العائدين، واحتمال نجاحها، هو مستوى السخط الشعبي الذي ينتظرهم في المغرب، فمن جهة، يشكل ارتفاع معدلات الفقر في المغرب، وتنامي البطالة في صفوف الشباب، وقمع المعارضة السياسية السلمية، أرضية خصبة لـتنظيم «الدولة الإسلامية» لتجنيد المقاتلين. ومن جهة أخرى، يستطيع المغرب أن يصمد في وجه العاصفة، وربما يصبح نموذجا اقتصاديا للدول التي تسعى إلى نزع فتيل التهديد الذي باتت تشكله «الدولة الإسلامية»، إذا نجح في نهج مقاربة فعالة تركز على تنمية تجمع بين أفضل المبادئ الاقتصادية الغربية والإسلامية، وأسلوب روحي إسلامي غير ثيوقراطي يستطيع أن يكافح التطرف. ولو أن ذلك غير مؤكد على الإطلاق، لأنه رهين في آخر المطاف بما إذا كانت لدى الملك محمد السادس إرادة سياسية لتسريع وتيرة الإصلاح.

وأضاف روبرت لوني، أنه إبان أيام «الربيع العربي» سنة 2011، سارع الملك إلى إطلاق سلسلة من الإصلاحات الدستورية عقب اندلاع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في المغرب. ورغم أنه لم يصل إلى درجة التخلي عن سلطاته لصالح نظام ملكي دستوري، فقد قام بتعزيز استقلالية رئيس الحكومة والبرلمان. فضلا عن أن الدستور الجديد أسس لمزيد من الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ولو أن هناك وعوداً مماثلة كانت قد قُطعت في الماضي وألغيت في ما بعد.

 وعلى كل حال، نجح الدستور الجديد، مؤقتا على الأقل، في نزع فتيل الأزمة، وعكس العديد من الدول الأخرى، وجعل المغرب يبدو أقوى سياسياً بعد هدوء عاصفة الربيع العربي، يضيف الكاتب.

واعتبرت الجريدة أنه إذا كان من الضروري التحكم في الاضطرابات، فمن الضروري أيضا أن يتعاطى المغرب مع المشاكل الاقتصادية العميقة التي يعاني منها. لقد تضرر اقتصاده بشكل ملحوظ بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008 ــ 2009، خصوصا مع تنامي البطالة في صفوف العمال المهاجرين في الخارج وانخفاض تحويلاتهم. وبالرغم من أن معدل النمو بلغ نسبة 4.6% ما بين 2000 و2010، فإن تزايد الفقر، وانعدام المساواة، واستفحال الأمية، والبطالة في أوساط الخريجين الجدد، كلها أمور لم تتحسن منذ سنة 2000، في الوقت الذي استفحل فيه الفساد والمحسوبية بين النخب بشكل ملحوظ.

وقال لوني في ذات المقال: إن الملك محمد السادس حاول ومعه الحكومة التي شكلها حزب العدالة والتنمية عقب انتخابات سنة 2011 إجراء إصلاحات اقتصادية. وأعلن، أي الملك، التوسع في اللامركزية لتعزيز الديمقراطية «من أسفل إلى أعلى» من خلال السماح للساكنة المحلية بتولي مسؤولية شؤونها بنفسها. أما حزب العدالة والتنمية فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث وعد بخلق فرص شغل، ورفع مستوى التعليم، والحد من الفساد، وتطوير الحكامة ومناخ الأعمال وسيادة القانون.

وأردف الكاتب: أنه بالرغم من تقدم المغرب رتبتين في تصنيف مؤشر التنمية البشرية سنة 2013، إلا أن تقدم البلاد لم يمتد إلى قطاعات أخرى، حيث انخفض النمو الاقتصادي بين سنتي 2011 و 2014 إلى معدل 3.7 في المائة. أما معدل البطالة، الذي انخفض إلى 9.1 في المئة سنة 2010، فقد بقي في حالة ركود منذ ذلك الحين، ولم يتجاوز عدد الوظائف الجديدة 21000 وظيفة سنة 2014. هذا التراجع حصل على الرغم من اتباع النهج الليبرالي نسبيا في ميدان الاقتصاد، والذي جلب 3.4 مليار دولار في الاستثمارات الأجنبية المباشرة (...) فلا غرابة إذن أن إحباط المغاربة تجاه الحكومة في تزايد مستمر، كما يتضح ذلك من خلال انخفاض رأس المال الاجتماعي، حيث مر من الرتبة 13 في العالم سنة 2010 إلى الرتبة 84 سنة 2014.

وكشفت المجلة الذائعة الصيت في الأوساط الدبلوماسية العالمية، أن ضعف الأداء الاقتصادي في المغرب ليس مرده إلى النموذج المغربي بقدر ما هو راجع إلى الطريقة التي يتم بها تنفيذ هذا النموذج، لا سيما في مجال الحكامة. وعلى عكس ما كان متوقعا فشلت الإصلاحات السياسية والدستورية في تدشين مرحلة حكامة أفضل، والسبب في ذلك، في واقع الأمر، هو الإفراط في التركيز على القوانين والإجراءَات المؤسساتية عوض التركيز على الإصلاح الجوهري. كما انخفض أداء الدولة على خمس مستويات من المستويات الستة المكونة لمؤشرات الحكامة للبنك الدولي بين سنتي 2010 و 2013. أما الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان في دستور 2011 فقد تم تجاهلها إلى حد كبير.

وأضافت: أن الوتيرة البطيئة والمؤقتة للتغيير أعاقت الاقتصاد المغربي، إذ يبدو أن حزب العدالة والتنمية اعتمد الخطة الصينية القائمة على التطور المؤسسي، وعوض أن تقدم الحكومة على تغييرات جذرية في بيئة جديدة مليئة بالمخاطر، فضلت أن تتصرف بشكل تدريجي. أكيد أن هذا الاختيار يندرج في إطار البحث عن طرق أفضل لتحسين الاقتصاد، ولكن بإصلاحات طفيفة يمكن بسهولة أن تؤتي عكس مفعولها إذا ما أثبتت انها عديمة الفعالية.

وأشارت المجلة الشهيرة بتحليلاتها المعمقة؛ إلى أنه ثمة من يلتمس العذر للمغرب في هذا التدرج البطيء، على ضوء الاضطرابات التي كانت عمت كل أنحاء المنطقة، بسبب التسرع في أجرأة الإصلاحات النيو ليبرالية. ومع ذلك، فإن التفسير الأكثر احتمالا أنه على الرغم مما يتضح وكأنه تدبير شامل للاقتصاد، فإن التنسيق في الواقع ضعيف بين الوزارات والوكالات المسؤولة على تنفيذ الإصلاحات الأساسية. ذلك أن النظام في المغرب لا يزال ملكيا بامتياز، ولا يملك حزب العدالة والتنمية أي سلطة على عدد من الوزارات الرئيسية التي تعود شؤون إدارتها في المقام الأول إلى الملك. إن تعثر وتيرة الإصلاح الاقتصادي يمكن أن يعزى، جزئيا على الأقل، إلى غياب التناغم بين الوزارات، حيث تركز كل وزارة على أولوياتها الخاصة بها.

وخلصت المجلة إلى أنه من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي اللازمين لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، يتعين على المغرب أن يستكمل الانتقال من اقتصاد الريع إلى اقتصاد يعتمد على الإنتاج. ولن يتأتى ذلك إلا إذا تم السماح للحكومة بنهج مقاربة براغماتية متناسقة تهدف إلى تحقيق التنمية. ولهذه الغاية، فمن الأهمية بمكان أن يتخلى الملك عن سلطته لصالح حزب العدالة والتنمية من أجل القضاء، في أسرع وقت، على تضارب المصالح الخاصة.

وأشارت ذات المجلة إلى أن النهج التدريجي البطيء في الإصلاح، شكل دفعة قوية للاقتصاد الصيني لأن الصين كان لديها خيار المضي بالوتيرة التي اختارتها، أما بالنسبة للمغرب فإن الوقت بات غاليا نفيسا أمام تهديدات «الدولة الإسلامية» التي تلوح في الأفق. لو نجح الربيع العربي في إرساء الديمقراطية في المنطقة وسياسات فعالة لمواجهة التهميش الاقتصادي والسياسي، لن تظهر أبدا جماعات مثل «الدولة الإسلامية». وحتى في الوقت الحاضر لا تزال أمام المغرب فرصة لتحقيق التغيير والدمقرطة، وإلا فإن البديل المحتمل هو مستقبل سيحدده العنف والحرب.