قضايا وآراء

ولايات الخلافة الإسلامية تمدد للخلافة أم بداية النهاية لها

1300x600
لا شك أن نشوء تنظيم الدولة كان نتيجة حالة مرضية تمر بها الأمة، وتم تغذية هذه الحالة محليا ودوليا عبر دعم الاستبداد وقمع القوى الثورية الوطنية والإسلامية المعتدلة بأساليب وحشية، وانسحب الأمر ذاته على تمدد التنظيم في القارة الأفريقية وظهور ولايات وعقد بيعات سواء في مصر (سيناء) أو ليبيا (سرت ودرنة) أو تونس (جبال الشعانبي) وحتى جماعة بوكو حرام في نيجيريا، إذ أجاد تنظيم الدولة استثمار حالة الفوضى والتهميش والمظلومية، وأحسن دغدعة العاطفة الدينية.

وتقدم تنظيم الدولة أشواطا بعيدة على تنظيم القاعدة إذ نجح –حتى الآن- في السيطرة على مساحات شاسعة تمتلك ثروات مادية وبشرية هائلة مكنته من البقاء وشراء بيعات خارج سورية والعراق والتخطيط لبناء مؤسسات الدولة على كافة الأصعدة، وإن كان القصور ملمحا بارزا في جميع النواحي، قصور يبرره أنصار التنظيم ويرجعونهم لحداثة النشوء المترافقة مع عداء العالم لدولة الخلافة.

ويلفت الانتباه الخط السياسي الواضح لدى تنظيم الدولة القائم على استثمار وتجنيد أي متطرف في العالم يؤمن بفكره، وكانت فكرة الولايات ومبايعتها للخليفة البغدادي في سورية والعراق فكرة فريدة إذ توهم أنصار التنظيم أنَّ ذلك يثبت فكرة الدولة، ومنطق الدولة الذي يفكر به التنظيم خلافا لتنظيم القاعدة رغم أنّ العمل في الولايات المبايعة يأخذ طابع العصابات.

وسعى تنظيم الدولة عبر فكرة الولايات تحقيق جملة مكاسب أهمها المكسب الإعلامي سواء للخاضعين تحت سلطته أو للمؤمنين بفكره خارج هذه المناطق، فقبول البغدادي بيعة هذه الولايات أوحى لأنصار التنظيم أن دولة الحلم ستتحقق وتصل روما التي لا يفصلها عن الولايات في الشمال الأفريقي إلا البحر.

ومكنت مبايعة الولايات التنظيم تأمين دعم مالي ومعرفي كبيرين، فأنصار التنظيم باتوا أكثر سخاء في الدعم وتقديم التضحيات عندما لامسوا نمو البذرة، وبالتالي يجب التضحية والبذل ليشتد العود وينمو.

ويتمثل النجاح الأكبر لخطوة الولايات في تجنيد التنظيم المقاتلين غير القادرين على الهجرة لدولة الخلافة، واستثماره لهم في الولايات المُبايعة فقد وصلت الخلافة إليهم، ولا يفصل الأنصار في أوروبا عنها سوى البحر، فلم تعد القيود الأمنية والرقابة على الحدود التركية عائقا أمام العيش في ظل الخلافة التي أصبحت على مرمى حجر، فدرنة الليبية لا تتجاوز نسبة الليبيين فيها 20% والبقية مهاجرون.

ويأتي المكسب العسكري تتويجا لخطوة قبول مبايعة الولايات، وخطوة القيام بعمليات متطرفة خارج سورية والعراق لصالح التنظيم حيث يُشغل ذلك الدول وجيوشها بأنفسها، ويحول –وفق اعتقاد التنظيم- دون مشاركتها في توجيه مقدراتها لمحاربة دولة الخلافة في المركز.

وتبقى هذه المكاسب للتنظيم -إن حصلت- آنية لا تحقق أهدافا إستراتيجية بعيدة إذ يتوقف نجاح التنظيم على العوامل التي أدت لنشوئه وأسهمت في تغذيته ومده بأسباب الحياة، ويأتي في مقدمتها الظلم وغياب الأفق الذي يدفع الشباب لسلوك منهج التطرف، وهذا الحاصل حاليا في سيناء الجريحة التي دمر السيسي بيوت أهلها، واعتبر أهلها إرهابيين في وقت يمد يده نحو إسرائيل ويستعدي القوى الفلسطينية الشريفة مما أعطى للحرب ضده طابع القداسة عند المتطرفين.

ويسري الأمر بدرجات متفاوتة على المسلمين المهمشين في نيجيريا رغم أنهم يشكلون الأكثرية، أما ليبيا فقد لعبت العصي دورها في عجلات الانتقال السلمي عبر تدخلات دول خارجية أرادت تأزيم الوضع مما وفّر بيئة خصبة لتنظيم الدولة، وفي تونس تسعى الدولة العميقة لتوفير البيئة الحاضنة عبر ممارسات خاطئة تمثلت بإغلاق 80 مسجدا بدلا من إصلاحها، وإعلان حالة الطوارئ بدلا من محاسبة المقصرين وتطبيق القانون على الجميع.

لن تنجح عمليات القضاء على التطرف دون وضع السكة في المسار الصحيح، وتوفير البيئات الصحية التي تمنع تفريخ التطرف، والسير في المسار السليم سيؤدي لذوبان التنظيم وتلاشيه رغم إعلانه الولايات إذ النتائج البعيدة للولايات نفسها ستكون مسمارا في نعش التنظيم.

فقد أدى إعلان الولايات إلى تناقص أعداد المهاجرين لمركز دولة خلافة البغدادي في سورية والعراق، مما يعني خسارة دولة المركز نخبة المقاتلين المؤمنين عقائديا وتناقصهم، وقد لعب هؤلاء دورا بارزا في عمليات التمدد الأولى في سورية حيث تتسع قاعدة الرفض الشعبي للتنظيم.

وستلعب اللامركزية التي يتبعها التنظيم في إدارة الولايات المُبايعة ومنح أمراء وولاة هذه الإمارات صلاحيات واسعة دورا في كثرة الأخطاء، وبروز الفوارق بين الولايات البعيدة والمركز مما ينذر بتشظي دولة الخلافة قبل وصولها لروما، وربما تلعب الظروف المحلية دورا في طغيان الشعور الوطني على الانتماء الديني مما ينسف فكرة دولة الخلافة من أساسها.

وتبقى الضربة الأقوى متمثلة بفقدان ما تبقى من تعاطف العالم الإسلامي إذ ستنكشف لهم حقيقة التنظيم من خلال ممارساته العملية المتطرفة، ويتبين حينها عبثية التنظيم، وزيف ادعاءاته وشعاراته الدينية كما أنَّ الجهود العالمية ستكون أكثر ميلا للوحدة ضد التنظيم بعد استشعار خطره.

ولا يغيب هنا الشرخ العميق الذي تركته البيعات في شق تيار السلفية الجهادية على مستوى العالم مما ينذر بصراعات داخلية محلية، وبدا ذلك واضحا بالصراع الدموي بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة شرق سورية حيث سقط مئات القتلى ومازالوا يسقطون في مناطق أخرى في سورية، ويتوقع امتداد الشرخ لباكستان وأفغانستان ودول القوقاز إذ هاجم أبو محمد الداغستاني أمير القوقاز البغدادي علنا، واتهمه بتفريق صفوف المجاهدين بعد أن أخذ بيعة كبار القادة دون أن يقدم شيئا.

وتبقى بيعات الولايات سلاحا ذا أبعاد خطيرة حيث الاحتمالات مفتوحة، فنحن أمام سيناريو دمار المنطقة العربية ودخولها في صراعات لا يمكن التكهن بنهايتها، أو القضاء على التطرف من خلال الانفتاح على الشعوب ومنحها حريتها.