كتاب عربي 21

الدكتاتور الديجتال

1300x600
ثمة معجزات رقمية للدكتاتور العربي غير نسبة فوزه في الانتخابات الشعبية الديمقراطية، وغير أعداد القتلى والضحايا تحت التعذيب أو  في القتل الرحيم السريع بالكيماوي أو صواريخ أرض أرض أو البراميل.

لجاك بريفير قصيدة طريفة في الرياضيات السياسية  يقول فيها عدا ونقدا: (لويس الأول، لويس الثاني، لويس الثالث، لويس الرابع، لويس الخامس، لويس السادس، لويس السابع، لويس الثامن، لويس التاسع، لويس العاشر، لويس الحادي عشر، لويس الثاني عشر، لويس الثالث عشر، لويس الرابع عشر، لويس الخامس عشر، لويس السادس عشر، لويس السابع عشر، لويس الثامن عشر، وما من أحد بعد، أي بشر هؤلاء، لا يحسنون العد حتى العشرين)؟
 
اكتشف مازن عزي اكتشافا رقميا آخر وهي أن مشكلة أدونيس (الثاني عشر)، تتعلق بالرياضيات المذهبية - الرياضيات الفتاكة بوحدة الشعوب - فبطل أشعار المستقبل، الشاعر الذي يكتب الشعر للجيل الرابع، لا يعرف العدَّ إلى أكثر من ثلاثة! فلسبب ما، يتوقف في نقده للإسلام، عند أبي بكر وعمر وعثمان، ثم يشحط المكابح عند الخليفة الراشدي الرابع متسببا بحوادث سير كبيرة بسبب زيادة السرعة، والتوقف المفاجئ، مع أن السيارة في وضع "روضاج" أي  التمرين ما بعد الإصلاحات.

هنا ملاحظتان: الأولى، هي أن لأدونيس الذي شارك البلطجية في احتفالات ثورة الثلاثين من "سونيا"، خمس أصابع يستطيع الاستعانة بها في العد، وفي حال  المؤزارة العلمية من اليد الثانية تصبح  عشرة.

الملاحظة الثانية هي ترتيب أدونيس الذي جعلناه  الثاني عشر، غمزا ولمزا، لا يقصد به أي إشارة طائفية لا سمح الله، ولا إشارة إلى الأمعاء الغليظة.. إنما هو وصف للسيد أدونيس الذي يعتبر عند كثيرين، لويسا للكلام والشعر، ولستُ واحدا من الكثيرين بأي شكل من الأشكال. فأنا لا أحب الجمال سوى مع الحق، الجمال الباطل قبيح. 

لإعلام الأنظمة الدكتاتورية المعاصرة معجزات رقمية، وأبطال في العد الحسابي والرقمي من غير آلات حاسبة أو أتمتة: فالبلاد العربية هي الأسوأ في حرية الصحافة، الأسوأ في التمنية العشوائية (تنمية جيوب الهرر السمان والتماسيح، الأعلى في الفساد المؤمم بقوانين..). طبعا العرب هم الأوائل في مسائل أخرى مثل: فوز الرئيس بنسبة تسعة وتسعين الذي ذكرناه في بداية المقال، وكان آخر من فاز بها هو  عبد الفتاح السيسي الذي انتصر في معركة رابعة على أكبر تنظيم دولي في حفلة شواء بشري عالمي على الهواء مباشرة.

 قبل سنوات، تحديدا في سنة 2006، صدر مقال باسم غير معروف الصفة والاختصاص، قرأناه في أحد المواقع الإلكترونية السورية يزعم عبر الحساب والتحصيل أنه: "في إحصاء دقيق ولم يتم نشره، أجرته الجهات المختصة في سورية، طيلة النصف الثاني من عام 2005 تبين في محصلته أن تعداد سكان سوريا القاطنين يبلغ 18 مليون نسمة، موزعين على الشكل التالي: 45% سنة، 20% علويون، 15% أكراد، 12% مسيحيون، 3% دروز، 3% مرشديون (طائفة تنسب إلى سلمان المرشد، تكونت أيام الانتداب الفرنسي؛ والمرشديون جميعا علويون في الأصل)، إسماعيليون 1.5%، وشيعة 0.5%.

خشيت أن ينتهي التقرير إلى أن السنة يهود دونمة أو هندوس! صفة "إلى الأبد" تعدم الأرقام والانتخابات، وتجعل  البشر بلا حناجر أو أصابع .

يشكو السوريون أن حذف المادة الثامنة، وتغيير الدستور السوري لم يشكل فرقا، ربما يتحسرون على غيابها، فالبعث لم يكن سوى كومبارس أيديولوجي، مسكين، مهمته تحضير القهوة والشاي للمخابرات..

ثمة إنجاز لا بد من ذكره، وهو تواضع الرئيس بشار الأسد عن الفوز بالنسبة السابقة، فقد كف الموتى عن التصويت له، أو أنه تنازل قليلا للربيع العربي، فرشاه بعدة ملايين صوت. ليس أكثر رخصا عند الطغاة العرب من الأصوات. 

أما في مصر فقد كان الإعلاميون وهم بصدد مناقشة فوز مرسي  يقومون بتفكيك الأرقام على هذه الشاكلة: مرسي فاز بالجولة الأولى بما يقارب خمسة مليون أما الخمسة الأخرى التي كسبها ضد شفيق، فهي ليست حبا فيه، وإنما كرها في شفيق يعني: أصوات حرام، حتى الخمسة ملايين الأولى التي فاز بها مرسي تحسب  عادة على أنها أصوات "مغيبين"! الشعب المصري شعبان : مغيبون وشعب علي الحجار.

 السيسي دائما يكرر أن عدد سكان مصر: تسعين مليون، وكأنه يطعمهم من تعب جبينه، أما أكبر معجزة رقمية فهي معجزة مظاهرات الثلاثين من "يوه يوه": فهي أربعين مليون متظاهر وعند إجراء بعض الحسومات والتخفيضات تصير ثلاثين مليون وأظن إني أكثر مرة تضايقت عند سماع هذا الرقم من فم سعود الفيصل من بلاد الحرمين الشريفين.

عضو مجلس الشعب السوري الظريف "شوشو" أيضا شاعر أرقام، فقد تباهى في حلقة اتجاه معاكس بعدد شهداء الجيش الذين بلغ عددهم مائة إلف شهيد، ثم أنكرها في حلقة أخرى، واعتبرها مجازا شعريا. طلع الولد فاهما في علوم البديع! 

أكبر إعجاز هو أن الرئيس هو الأول والأخر، والظاهر والباطن، وهو في جماليات الرقم وتجلياته. كأن ضحايا سوريا هم ضحايا بلاي ستيشن،  أما السيسي فأدى لنا فلماً من أفلام الرعب على الهواء مباشرة.. ريلتي.

 العدّ ممنوع في مصر حتى العدد أربعة: من يرفع إشارة رابعة مفقود مفقود مفقود..

 العدد الوحيد المسموح به في سوريا هو نفس العدد الذي اخترعه العرب، وهو أهم اختراع بشري بعد العجلة اخترعوه ثم أسكنوه: الصفر.