كتاب عربي 21

موكب جنائزي طفولي آخر والعبث مستمر

1300x600
أطفال صغار يمرحون في براءة الطفولة ولم يخطر ببالهم أو بال ذويهم أن الموت سيتخطفهم وهم يتطلعون للحياة وللمستقبل. قذيفة عشوائية تسقط على حديقة عامة في مدينة بنغازي يوم الجمعة تقضي على آمال الأطفال الأبرياء وتدخل آباءهم وأمهاتهم في ظلمة حزن قاتل، بلا ضمانة أن لا تتكرر هذه المآسي، فبالأمس القريب تسببت القذائف العشوائية في مقتل ما يزيد على عشرة أطفال بعضهم لم يتعد الثانية، ومرت المصائب وكأن شيئا لم يحدث.

وتحت غيمة الحزن التي تجتاح بنغازي اليوم يتجرع الناس غصة وحرقة الحزن وينتظرون أن تنقشع ليحل الفرح، أو تلحقها غيمة حزن أخرى، هذا هو واقع "البنغازيين"، لأقل ولا أكثر.

أما المتقاتلون والنشطاء المناصرون لأحد الطرفين فنصيبهم من المشهد هو التراشق والاتهام المتبادل بالتورط في الجرائم عن سبق إصرار، فأنصار الكرامة يقسمون الأيمان المغلظة أن من يرسل طرود الموت هم مجلس شورى ثوار بنغازي "الخوارج"، أم المجلس فلا يفتأ عن التبرأ من هذه الحمم ويعلن أنه عمل مبرمج من قوات الكرامة بعد كل معركة تخسرها، لتضيع الحقيقة بين الطرفين، دون أن تتوفر ضمانة أن لا تتكرر مثل هذه الكوارث.

وكيف لا تتكرر وهذه الحرب العبثية مستمرة، وكيف لا تتكرر ولا صوت يرتفع ليقول كفانا اقتتالا.. فإنه لن يجلب لبنغازي الأمان؟

لا شيء أكثر من الاتهام المتبادل والغضب والسخط وتعابير الحزن والألم، لكن ماذا بعد كل ذلك؟ ما المخرج من هذه الحرب المستعرة والتي لا يبدو أن أوارها سيخفت قريبا؟

هذا السؤال الذي لا نجد له إجابة عند عقلاء المدينة!. جُل سكان بنغازي دعموا عملية الكرامة على أمل أن تنهي مسلسل القتل الممنهج لضباط الجيش والنشطاء السياسيين والإعلاميين وغيرهم الذي استمر لعامين كاملين، لكنّ عاما مضى على إطلاق عملية الكرامة والنتائج كارثية ورحى الموت تدور بحركة جنونية، والدمار يتسع كل يوم، ولا أفق لحسم قريب، ولا بديل يطرح لوقف الموت والدمار!

 فماذا ينتظر عقلاء المدينة وسكانها؟ هل ينتظرون "ليون" وبعثته أن يجلب لهم الاستقرار بالاتفاق على مسودته؟ 

ليون لن ينجح في مهمته ما لم يكن للحوار صدى مجلل داخل المكونات السياسية والاجتماعية للمدينة، فحوار ليون ليس عصا سحرية يمكن أن تغير الواقع المرير وتطفئ نار الأحقاد التي اشتعلت لتلتهم كل نبتة خير وسلام في هذه المدينة.

إن الحل يبدأ من داخل بنغازي بمبادرة تتأسس على قناعة أن الحرب الدائرة لن تجلب لبنغازي الاستقرار حتى لو تم القضاء على قوات مجلس شورى الثوار، فالاستقرار لا تجلبه مثل هذه الحرب التي ظهرت مثالبها وأنتجت وضعا ومكونات لا يمكن أن تجلب أمنا أو تبني وطنا. 

الحل يكون من خلال تعبئة اجتماعية قوية بين جميع سكان المدينة حول رؤية جديدة تنطلق من قناعة راسخة، أن الاقتتال الدائر سيعظم الجراح ويراكم الأحقاد ولن ينهي المأساة، وأن مقاربة وقف إطلاق النار التي يعقبها تحقيق مهني حيادي يشرف عليه النزهاء تكون نتائجه هي الركيزة التي يلتف حولها الجميع، ويكون ملزما عبر توافق اجتماعي واسع لكل الأطراف، لتدمج المقاربة في آليات الحوار الوطني وتكون أرضية للتوافق المرجو من حوار ليون.