مقالات مختارة

"داعش" في سوريا.. مأزق آخر لأوباما

1300x600
كتب جفري كامب: زاد قتل الصحافي الأميركي «جيمس فولي» بدم بارد في نهاية أغسطس الماضي على يد أحد مسلحي تنظيم «داعش»، وطأة المخاطر التي تخيم من جراء المواجهة التي تزداد عنفاً في العراق وسوريا. وقد أعادت طبيعة مقتل «فولي» وحقيقة أن التقارير تشير إلى أن من قام بذبحه مواطن بريطاني، إلى الأذهان التساؤل بشأن نفوذ «داعش» وإمكانية شنّ الإرهابيين العائدين من مناطق الصراع هجمات إرهابية جديدة ضد أهداف حيوية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

ويكمن الخطر في أن هؤلاء المتطرفين لديهم جوازات سفر غربية، إما أميركية أو أوروبية، ومن ثم فهم يمتلكون إعفاءً من شروط التأشيرة على نحو يمكنهم من العودة إلى دول أوروبا كافة أو الذهاب إلى الولايات المتحدة دون مراقبة كبيرة من قبل المسؤولين في نقاط تفتيش الهجرة.

وسلّطت هذه المخاوف الانتباه العالمي على الصراعات داخل سوريا والعراق، وزادت من احتمالية أن تضطر الجيوش الغربية، عاجلاً أم آجلاً، إلى استغلال أصولها العسكرية في مجابهة «داعش» بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتعاون مع القوات المحلية المناهضة للتنظيم الإرهابي. ومثل هذه التحركات تحدث الآن بالفعل في العراق، وثمة خطط يجري العمل عليها لتنفيذ هجمات ضد قوات التنظيم في سوريا شريطة أن توجد طريقة لتفادي المواجهة مع الدفاعات الجوية السورية.

ولا يزال عدد الجهاديين الأميركيين والأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» غير معروف على وجه الدقة. غير أن التقديرات تتراوح بين ألف وما يربو على عشرة آلاف مقاتل. والرقم الأقل هو الأقرب إلى الصواب، في نظري، لكنه لا يزال كبيراً أيضاً. ومثلما أظهرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، فإن الأمر لا يحتاج لكثير من الإرهابيين «المخلصين» الذين كرسوا حياتهم لأفكارهم الجهادية كي يلحقوا أضراراً كبيرة بالمجتمعات الحديثة.

وبقدر أهمية أعداد الجهاديين الأميركيين والأوروبيين، فإن ثمة سؤالاً ملحاً حول السبب الذي يجعلهم يتطوعون للعيش في مثل هذا النمط من الحياة؟ وما نعرفه هو أن الغالبية العظمى منهم في ريعان شبابهم، وربما تجذبهم الإثارة ومخاطر الحرب هرباً من الملل وتحرراً من وهم حياة الرفاهية في الغرب! لكن في بعض الحالات، يكون السبب هو البواعث الأيديولوجية والخصومة التاريخية، نتيجةً للجرائم التي ارتكبها الغرب في الماضي والحاضر ضد الشعوب المسلمة.

والمفارقة هي أن معظم من قتلهم متطرفو «داعش» مسلمون، وكثير منهم نساء وأطفال. وهنا تكمن نقطة ضعف مقاتلي «داعش» الكبرى؛ ألا وهي أن أساليبهم تتصف بالبربرية إلى درجة تجعلهم مكروهين ومرهوبين من جانب كل من يتعامل معهم أو يتصل بهم. لذلك فإنه في مرحلة ما سيتم القضاء عليهم، ليس بالقوات الجوية الأميركية، ولكن على أيدي القوات المحلية التي واجهت ما يكفي من الإرهاب على أيدى هؤلاء المتطرفين. بيد أنه في غضون ذلك، سيتواصل القتل والتمثيل بالجثث من جانب «داعش».

وقد أسفرت الأزمة عن أصعب تحدٍ أمني حتى الآن يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تعهد عند تقلده مهام منصبه بتجنيب الولايات المتحدة المزيد من الالتزامات العسكرية حيال دول منطقة الشرق الأوسط. ويعتقد قادة الجيش الأميركي وكثير من الجمهوريين أنه من الضروري التحرك ضد تنظيم «داعش» في سوريا من أجل إضعافه بشكل كبير. لكن ذلك لا يمكن أن يحدث ما لم يتم التوصل إلى قدر من التفاهم مع نظام بشار الأسد، وهو الزعيم الذي تعهد أوباما سابقاً بالمساعدة على إطاحته.

وإذا استخدمت الولايات المتحدة قواتها الجوية في ضرب «داعش» داخل سوريا، فإنها بذلك تكون قد أضحت في تحالف ليس فقط مع الأسد، ولكن أيضاً مع «حزب الله» اللبناني والإيرانيين الذين يرغبون في اجتثاث واقتلاع جذور «داعش». كما سيساعد القوات الموالية للغرب والمناهضة للأسد التي عجزت عن احتواء تنظيم «داعش» وتقليل جاذبيته في سوريا.

وعندما يعود الكونجرس الأميركي للانعقاد في بداية شهر سبتمبر المقبل، بعد انتهاء العطلة الصيفية، ستكون هناك أصوات قوية من كلا الحزبين السياسيين تطالب إدارة أوباما بصياغة استراتيجية متماسكة طويلة الأمد للتعامل مع كثير من الصراعات المتواصلة في الشرق الأوسط التي تؤثر بصورة مباشرة على مصالح الأمن القومي الأميركي.

وأي اقتراح بشأن انخراط عسكري جديد على المدى الطويل، سواء في سوريا أو في العراق، سيواجه مطالبات قوية للرئيس بعرض الخطط على الكونجرس بموجب قانون «صلاحيات الحرب» الذي طالما أشير إليه وقلما تم تفعيله، بعد حرب فيتنام، بهدف منع الرؤساء الأميركيين من الالتزام بتوجيه القوات الأميركية إلى مناطق حرب كبيرة من دون نيل موافقة صريحة من الكونجرس.

وسيكون الجدل المحتدم بشأن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حتمياً، وسيتعين التعامل مع قضايا أخرى عالقة مثل الأوضاع في غزة، وما ينبغي فعله حيال البرنامج النووي الإيراني في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين مجموعة «5+1» وطهران بشأن مستقبل برنامجها النووي.

وفي الخلفية، تخيم مخاطر سحب التصعيد في أوكرانيا واحتمال خوض أسوأ مواجهة مع موسكو منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962. ولا عجب أن الرئيس أوباما قد انهمك في لعب الجولف قدر استطاعته؛ ذلك أن أجندته تبدو حافلة بالمهام الشاقّة على مدار الأشهر المقبلة.

(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 29 آب/ أغسطس 2014)