مقالات مختارة

رجال الأعمال ليسوا لصوصا!

1300x600
كتب سمير الشحات: ربما يتصور البعض أن المطلوب من رجال الأعمال والأثرياء فى المجتمع هو دفع مزيد من الأموال نقدا لخزينة الدولة، وهذا فهم قاصر، وربما مهين، ليس فقط لرجال الأعمال، بل لبقية أبناء الشعب كلهم، إن رجال الأعمال ليسوا «جوال نقود» محشوا بالبنكنوت ويتحرك، إنهم جزء أصيل وناجح من هذا الشعب، ومن ثم ينبغي تغيير تلك النظرة لهم بأنهم مجرد ممولين!

إن رجل الأعمال، الذى نجح فى إدارة مشروعاته حتى تمكن من جمع المليارات لابد أنه سيشعر بالحزن ،كلما نظر حوله فرأى الآخرين يحملونه مسئولية نجاحه، وبالتبعية مسئولية زيادة الفقر والفقراء، فهل رجال الأعمال مسئولون عن فقر الفقراء، وعجز العاجزين، ويأس اليائسين؟

أنتم ـ يامن كنتم تتولون الإدارة السياسية فى هذا البلد طوال عشرات السنين ـ أتيتم برجال الأعمال، وقلتم لهم: اعملوا، فعملوا، واستثمروا وأنتجوا ونجحوا، ثم فوجئنا بالبعض يتهمهم بأنهم ـ لا مؤاخذة ـ لصوص، وطبعا صدقنا، نحن الفقراء البائسين، هذه الكذبة، وهانحن نصرخ فى رجال الأعمال: «هاتوا الفلوس اللى عليكم»!

يجب تغيير هذه النظرة البائسة لرجال أعمال مصر، والكف عن توجيه نظرة الاتهام لهم، وإلا فسوف يصيبهم هم أيضا هذا اليأس، وذاك القنوط، وستصاب إراداتهم بالشلل، ويتوقفون عن العطاء والإنجاز، بينما المجتمع فى أمس الحاجة إليهم، وإلى كل أبنائه جميعا، فى تلك اللحظة الفارقة فى تاريخ الوطن.

وتغيير النظرة يبدأ أولا بالكف عن مطالبتهم بضخ فلوس، وبدلا من ذلك يجب تشجيعهم على إقامة المزيد من المشروعات الحية على أرض الواقع، لاستيعاب العاطلين، وفتح أبواب رزق جديدة للمحتاجين.

وعلى سبيل المثال، وبدلا من هذا السباق المحموم فى الإعلام على حث رجال الأعمال على التبرع بالملايين، حتى بدأ الأمر وكأننا فى مزاد علنى على كرامة الوطن، يمكن فتح مزاد آخر على بناء مشروعات جديدة حقيقية.

ويمكن مثلا، اختيار مائة مجال يبدأ العمل بها فورا، ما المانع أن يعلن رجل أعمال التكفل ببناء عشر أسواق بالقاهرة والمحافظات لاستيعاب مئات آلاف الباعة الجائلين الباحثين عن اللقمة الحلال، على أن تساعده الحكومة بتوفير الأرض بالإيجار، وكذلك بالموافقات المكتبية والتراخيص وأن يحصل أيضا على بعض الربح.. ما المشكلة؟

.. وما المانع من أن يتكفل رجل أعمال آخر بتنمية مائة مركز شباب بالتعاون مع وزارة الشباب؟ وأن يقوم ثرى ثالث بتنظيف مائة قناة للرى وتهيئتها لتصبح صالحة للري، وأن يقوم رابع بتحمل نفقات جامعة أو جامعتين من الجامعات، وأن يتولى خامس بناء مائة دار للمسنين والأيتام؟ إنك لو بحثت فى أضابير الحكومة ودوسيهاتها المهملة فى بطون المكاتب العتيقة المتربة فستجد عشرات، بل مئات، المشروعات من هذا النوع.

لماذا لايتولى الإعلام مهمة الترويج لهذه المشروعات، والإشادة برجال الأعمال الشرفاء الوطنيين الذين تصدوا لتلك المهمة؟ لماذا لاينزل الإعلاميون بكاميراتهم ومعديهم ومذيعيهم النجوم إلى مواقع هذه المشروعات بدلا من الاكتفاء ـ تحت أجهزة التكييف ـ باللت والعجن والجواكت الأنيقة وربطات العنق الضخمة اللامعة؟ كلنا علينا واجبات نحو هذا الوطن، ويجب القيام بها على أكمل وجه.

وبطبيعة الحال، فإن هذه الجهود ستسير بالتوازى مع الجهود التى تبذلها الحكومة لضبط الموازنة وإنقاذ الاقتصاد وترشيد الدعم، ففى بلد كمصر ستبقى الحكومة ـ وحتى إشعار آخر ـ هى حاملة مشعل الإصلاح وصو لجان الحكم واتخاذ القرارات، لكن هذا لايعنى أن تقوم وحدها بالمهمة، لأنها لن تستطيع!

إن الفكرة المحورية هنا هى ضرورة النظر إلى رجال أعمال مصر نظرة جديدة، مبنية على الثقة والاحترام، بل التبجيل، وكفانا ترديدا لتلك اللغة الخبيثة التى تحمل فى طياتها التشكيك والمزايدات وشبهات الابتزاز.

وليكن فى معلوم الجميع أنه إذا كان ثمة فساد ما، عند رجل أعمال ما، فإن وراءه فساد جهة حكومية ما، هى التى ساعدته على هذا السلوك، فأغلقوا محابس الفساد الحكومية بجد، يخل لكم وجه رجال أعمالكم، وينصلح الحال!

(الأهرام المصرية)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع