كتاب عربي 21

بئس عالم تتصدره بيونسيه

1300x600
هناك عددان من مجلة "تايم" الأمريكية أحرص على الاطلاع عليها: أولهما العدد الذي يصدر في مطلع مايو من كل عام بعنوان ثابت "أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم"، وثانيهما عدد مؤخرة السنة الذي يحصر أهم أحداث السنة الموشكة على الانقضاء (طالما للسنة رأس فلابد أن تكون لها مؤخرة، وشخصيا لا أحتفي لا برأس السنة او قولونها، لأن ذلك يذكرني بانقضاء عام آخر من "عقد حياتي السماوي"، وبأنني اقتربت من مرحلة "التفنيش"، بلغة سوق العمل في منطقة الخليج)، وأحرص على اقتناء ذينك العددين كما يفعل العديد من العاملين في المجال الإعلامي على وجه الخصوص، لما لهما من قيمة "مرجعية".          

وهكذا اقتنيت عدد "تايم" لـ 5 - 12 مايو، ودخلت به البيت، فإذا بحرمي وزوجتي وقرينتي وعقيلتي وأم عيالي ينفجرن (تخيّل؟ مع أنني لم أتزوج ولا "مثنى") في وجهي: ألا تستحي يا رجل؟ تدخل على عيالك وفي يدك مجلة بلاي بوي؟، قلت لها: يا مجموعة من الشخوص في جسد واحد، حاشا أن اقتني مثل تلك المجلة، وأنت تعرفين أن العديد من المطربات ومذيعات الفضائيات العربية أهدرن حبري، لأنني استنكر ممارستهن للتحرش الجعفر عباس جنسي الالكتروني بعرض بضاعتهن العضوية متخذات من الشاشات "فترينات"، ولكنها انتزعت المجلة من يدي وصاحت: وماذا تقول في حبيبة القلب هذه؟ فنظرت إلى غلاف المجلة، فإذا بكامله صورة للمطربة الأمريكية السوداء بيونسيه ناولز بلباس يكشف عن معظم جسدها الملغوم، أي ذلك الصنف من الملابس الذي يندرج تحت بند "ما قلّ ودلّ".

وبيونسيه مطربة من الدرجة الأولى، وتملك حنجرة تحرك جلاميد الصخر، وغنت في حفل تنصيب بلدياتي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ولايته الثانية، ومبيعات اسطوانة واحدة لأغنياتها تعادل ميزانيات الدفاع والصحة والتعليم للسودان ولبنان وزامبيا وبوركينا فاسو، وكعادة المطربات الغربيات فإنها تتفنن في الرقص أثناء أدائها لأغنياتها، وتحرك تضاريس جسدها شبه العاري على نحو يجعلك تستحضر قول شاعر السودان الكبير محمد المكي إبراهيم: أنثى من اللحم الصقيل توهجت خصبا/ وضج النسل في أعضائها.

وقوله: يا مملوءة الساقين أطفالا خلاسيين ..(أنظر إلى بلاغة وبراعة الغزل الحسي هنا)،  لتكن بيونسيه سيدة الطرب في أمريكا وبلجيكا وصربيكا وكوستاريكا، ولكن أي منطق وأي إنجاز يجعلها تتصدر قائمة أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم، ومن بينهم أوباما، ومستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، والبابا فرانسيس، ورجال وسيدات لهم ولهن باع طويل في مجالات الأعمال والاختراع والسياسة والفكر (تضم القائمة شخصيات عربية قليلة: عبد الفتاح السيسي الرئيس المرتقب لمصر، والشيخة المايسة بنت حمد آل ثاني لدورها في بناء جسور للتواصل الثقافي بين الشعوب، وإنشاء العديد من المتاحف المتخصصة في قطر، والسوري الجسور المناضل عبادة القدري -ربما الكدري- مؤسس إذاعة "الوطن" أحد أقوى أصوات المعارضة من داخل الأراضي السورية، وبإمكانك متابعة تلك الإذاعة عبر www.facebook.com/fm.watan وأبو بكر البغدادي – الشهير بـ"أبو دعاء"، بوصفه أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة في العراق).

إذا كنا أنا وأنت جزء من العالم في الزمن الراهن، ونتابع أحوال الكون، بل ونقيم في أكثر مناطقه غليانا، فكيف كان لبيونسيه نفوذ وتأثير على حياتنا؟ وبما أن معظم العرب لم يسمعوا بها، ولكن سمعوا بنانسي عجرم، ومنهم من يرفع يده بالدعاء: اللهم عجرم نساءنا، فهل يجوز لنا – قياسا على شعبية العجرمية بين شبابنا – أن نقول إنها من تستحق أن تكون في قائمة أكثر عشرين مليون شخصية مؤثرة في العالم العربي؟

وكان هناك في قائمة مجلة "تايم" تلك، لاعب كرة القدم البرتغالي كرستيانو رونالدو، الذي فاز عن استحقاق وجدارة بالحذاء الذهبي بوصفه أفضل لاعب كرة قدم في العالم العام الماضي؟ وهو بالتأكيد لاعب ذو قدرات ومهارات فذة، ولكن لنفترض أنه فاز بحذاء من اليوارنيوم المخصب في مجال كرة القدم، ويستطيع إحراز أهداف في مرمى الفريق الخصم حتى وهو نائم!! ما الذي يجعله شخصية مؤثرة على مستوى الكرة الأرضية؟

ما الإعجاز في تسجيل شخص ما للأهداف الكروية طالما تلك حرفته، ويتقاضى نظيرها مبالغ مهولة لم يتبرع بفلس منها لخلع ضرس حرم برتغاليا فقيرا من النوم لسنوات، ولا يملك دولارا واحدا لشراء مسكن للألمولو، قلنا إن بيونسيه أفضل مطربة أمريكية بلا منازع، فماذا نقول عن مايلي ساوريس، التي كانت ضمن قائمة المائة في مجلة تايم، فهي أيضا مطربة، ولكنها لم تلفت انتباه الإعلام العالمي إلا عندما أحيت حفلا وهي "لابسة من غير هدوم"، كما قال الممثل المصري عادل إمام عن الراقصة القتيلة، التي كادت تقوده إلى حبل المشنقة في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة"، والشاهد يا أعزاء هو أننا لا نحل ولا نربط، وليس لنا كلمة في شؤون العالم المتعولم، ولكن تعالوا نتساءل: كيف نستنكر وصاية الإعلام الأمريكي علينا، ولا كلمة لنا حتى، ونحن نرى بلداننا تحت الوصاية الأمريكية في جميع النواحي والمناحي؟