طب وصحة

ما تأثير تلوث الهواء على الصحة العقلية والجسدية للبشر؟

يقول تقرير إن 99% من سكان العالم معرضون لهواء غير صحي - جيتي

يقول تقرير؛ إن 99% من سكان العالم معرضون لهواء غير صحي يتجاوز الحدود المقررة من قبل منظمة الصحة العالمية للملوثات، وفقا لمؤسسة "فيرست ستريت فاونديشن" المناخية غير الربحية.

وحسّنت جودة الهواء في بعض المناطق بفضل سياسات للحد من التلوث، ولكن في أماكن أخرى، هناك مخاطر فقدان هذه التحسينات.

ويشير التقرير إلى أن أكثر من 25% من سكان الولايات المتحدة معرضون لهواء "غير صحي" وفقا لوكالة حماية البيئة الأمريكية.

إظهار أخبار متعلقة




ويتوقع أن يزيد عدد الأشخاص المعرضين لأيام "غير صحية" بنسبة تزيد على 50% بحلول عام 2050، مع ارتفاع نسبة الأيام الأسوأ من حيث تلوث الهواء.

دخان حرائق الغابات


ويُعدّ الدخان الناتج عن حرائق الغابات أحد العوامل التي تسهم في هذا التدهور.

دراسة على "بي أم 2.5"، نوع من الملوثات يُعرف بتأثيره الضار على الصحة، أظهرت زيادة معدلاته بنسبة 5 ميكروغرامات للمتر المكعب في المناطق الغربية للولايات المتحدة خلال العقد الماضي، مما يُعادل تأثير عقود من تحسين جودة الهواء بفعل السياسات البيئية.

وأشارت الدراسة إلى أن ربع التلوث بـ "بي أم 2.5" في الولايات المتحدة ينجم عن دخان حرائق الغابات، وفي المناطق الغربية يُعزى نصف التلوث إلى هذا الدخان.

ومع توقعات بزيادة اندلاع حرائق الغابات بسبب التغير المناخي، فإن جودة الهواء قد تتأثر أيضا، مما يُشكل تهديدا خاصا للأشخاص الذين يعانون من مشاكل تنفسية والمواليد الجدد.

وأظهر التقرير أهمية التصدي لتغير المناخ وتحسين جودة الهواء للحفاظ على صحة السكان، مع التحذير من تفاقم هذه المشكلة في المستقبل.




وذكر التقرير أن حرائق الغابات لا يقتصر تأثيرها على السكان المحليين فقط، بل يمكن للدخان الناتج عنها أن يتسلل إلى طبقات الغلاف الجوي، ليصل إلى ارتفاع يصل إلى 23 كيلومترا، ثم ينتقل عبر المحيطات ليصل إلى مناطق بعيدة.

وتطرق إلى مثال بشأن ذلك، حيث أطلقت حرائق الغابات في سيبيريا بروسيا عام 2023، الناجمة عن درجات حرارة غير اعتيادية، دخانا تأثر بهذا الحدث البيئي، حيث انتقل الدخان عبر المحيط الهادئ ليصل إلى مناطق مثل ألاسكا وسياتل في الولايات المتحدة.

وبيّن التقرير أن المخاطر الصحية المرتبطة بتلوث الهواء ناتجة عن حرائق الغابات تعتمد على نوع المواد المشتعلة، وفي سيبيريا عام 2020، كانت الحرائق تشمل الغابات الشمالية الراتنجية والخث، مما أدى إلى إطلاق كميات كبيرة من التلوث بما في ذلك الزئبق. ويتسبب دخان الحرائق أيضا في انبعاث الملوث "بي أم 2.5" الذي يعد مسببا لمشاكل في الجهاز التنفسي.

تشير الدراسة إلى أن الدخان المنبعث يؤثر سلبا على خلايا المناعة في الرئتين، حيث يظهر أن سُميّة الدخان تزداد أربع مرات عن سُميّة الجسيمات الأخرى بعد ساعات قليلة من انطلاقها للمرة الأولى، وتصل إلى ذروتها بتضاعف أربع مرات.

ويرى خبراء أنه حتى الأفراد البعيدون عن مصدر الحرائق، قد يتأثرون صحيا بشكل سلبي بالدخان المخفف والمتأكسد للغاية.

تأثير التلوث على الصحة العقلية


يتزايد الدليل على أن تلوث الهواء ليس له تأثير فقط على الصحة البدنية، بل يمتد أيضا ليؤثر على الصحة العقلية، حيث يرتبط بضعف الحصافة، والأداء الضعيف في المدرسة، وحتى المستويات المرتفعة للجريمة.

ويلفت الباحثون إلى أن التعرض لفترة طويلة للملوثات مثل ملوث "بي أم 2.5" يُعد سببا في ذلك.

مع ذلك، يظهر أن التأثير ليس ببساطة متساويا، حيث يتمثل التلوث في ظاهرة غالبا في المناطق الفقيرة من المدن، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية وتأثيرها على التحصيل العلمي ومعدلات الجريمة.



وتعد العوامل الخارجية مثل الاستثمار في التعليم والنظام الغذائي والتدخين وتعاطي المخدرات واستهلاك الكحول لها تأثير أيضا، كما يركز الباحثون على القلق المتزايد حول تأثير تلوث الهواء على الدماغ والأثر الذي قد يتركه على وظائفه.

التلوث يزيد البدانة



وتظهر الدراسة ربطا بين تلوث الهواء، خاصة بملوث "بي أم 2.5"، وزيادة معدلات البدانة، حيث يكون للأطفال الذين يعيشون في المناطق المتلوثة احتمالية مرتفعة للإصابة بالبدانة.

يُعتقد أن الالتهابات الناجمة عن تلوث الهواء تؤثر على عملية الأيض في الجسم.

بالإضافة إلى ذلك، هناك دلائل على أن تلوث الهواء يمكن أن يسهم في ظهور حالات مرتبطة بالسمنة مثل مرض السكري من النوع الثاني.




تقديرات تشير إلى أن خمسة عشر من العبء العالمي لمرض السكري من النوع الثاني، يمكن أن يعزى إلى تلوث الهواء بـ "بي أم 2.5".

هناك أيضا دراسات تشير إلى أن مواد التلوث الهوائي الأخرى، مثل المواد البلاستيكية الدقيقة المحمولة جوا، قد تؤدي دورا في اختلال الهرمونات التي تنظم عملية الأيض.

فقدان حاسة الشم

إن التعرض للهواء المسموم ربما يعمل أيضا على تقويض حاسة الشم لدينا؛ فقد وجدت دراسة أجريت في 2021 أن الأشخاص الذين عانوا من فقدان حاسة الشم في بالتيمور وميريلاند في الولايات المتحدة، كانوا يعيشون في مناطق سُجلت فيها مستويات "عالية للغاية" من الملوث "بي أم 2.5".

ووجدت دراسة إيطالية أن المراهقين والشبان البالغين يصبحون أقل حساسية للروائح؛ عقب تعرضهم لثاني أوكسيد النيتروجين، وهو أحد المكونات في الأدخنة الناجمة عن حركة المواصلات.

ويقول العلماء؛ إن جزيئات التلوث تتسبب بالالتهاب وتعمل ببطء على تآكل الأعصاب في المصابيح الشمية، التي تنقل المعلومات حول الرائحة من الأنف إلى الدماغ.

ويؤثر فقدان حاسة الشم بشكل غير متناسب على الأشخاص المسنين. فقد حددت دراسة سويدية أيضا وجود صلة بين المستويات العالية للتلوث، وضعف حاسة الشم لدى الأشخاص في عمر الستين ومن تزيد أعمارهم عن الستين سنة.



جميع الناس في العالم تقريبا يتنفسون الآن هواء ملوثا بصورة ما، لكن أولئك الأكثر تضررا بفعل الهواء الملوث، هم أيضا أولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم أو النجاة منه.

ويعيش ما يقدر بـ 716 مليون نسمة من ذوي المداخيل الأقل عالميا في مناطق تتميز بمستويات غير آمنة من تلوث الهواء.

وحتى في الدول الثرية نسبيا والمتطورة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فإن عبء تلوث الهواء يقع بشكل كبير على كاهل أولئك الأقل ثراء أو على مجتمعات الأقليات التي تواجه مظاهر ممنهجة لعدم المساواة.

أحد المصادر الرئيسية لهذه الجزيئات المتناهية الصغر هو حرق الوقود الأحفوري، وبخاصة البنزين والديزل من السيارات.

فهي تستطيع أن تخترق إلى أعماق الرئتين، وتعبر إلى مجرى الدم حيث يعتقد أنها تزيد من مستويات الالتهاب. وهناك ربط بينها وبين عدد من المشاكل الصحية المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب ومشاكل الرئتين والسرطانات.

وفي الولايات المتحدة، يعد التلوث بـ "بي أم 2.5" التهديد الصحي البيئي الأكبر، حيث يواجه السود والأقليات الأخرى تعرضا أكبر له من البيض المنحدرين من أصول غير لاتينية. وتعاني المناطق الأفقر في أوروبا أيضا من التعرض لمستويات من تركيزات "بي أم 2.5"، تعد أعلى بمقدار الثُلث من المناطق الغنية.

أين يمكنك أن تجد الهواء الأنقى في العالم؟


لرسم خرائط للرحلات الطويلة التي يقطعها تلوث الهواء في التيارات الجوية، يعتمد العلماء على محطات الرصد التي تأخذ عينات من الهواء بشكل مستمر تقريبا لفحص جودته. وإحدى محطات الرصد تلك هي مرصد "زيبلين" الواقع في موقع يطل على بلدة "ناي- أليسوند" الصغيرة في منطقة سفالبارد بالنرويج.

قرية ناي-أليسوند الصغيرة في سفالباد بالنرويج، هي من بين الأماكن القليلة في العالم التي تتمتع بهواء نقي للغاية

وهذه البلدة، التي تضم عدد سكان لا يتجاوز 45 شخصا في الشتاء وتبعد 1,230 كيلومترا عن القطب الشمالي، كانت قد نمت حول صناعة مناجم الفحم في النصف الأول من القرن العشرين. واليوم، يعد الهواء فيها الأنقى في العالم.



لكن هذا يتغير أيضا؛ فمستويات الميثان تتزايد في الهواء حول البلدة، بينما ترتفع مستويات جزيئات الكبريتات والمعادن.

ويمكن أن تجد مكانا آخر مرشحا للاحتواء على الهواء الأنقى في العالم في الطرف الشمالي الغربي من تسمانيا في أستراليا.

وهذا المكان هو "كيب غريم" أو "كيناووك"، حيث تضرب الرياح بلا توقف عبر المحيط الجنوبي. وحيث أنه لا يمر فوق أي كتل من اليابسة أو مناطق مأهولة في طريقه، فإن الهواء غير متأثر بالمصادر المحلية للتلوث كانبعاثات عوادم السيارات.

وتشمل مواقع الهواء النقي النائية الأخرى حول العالم محطة "مونا لاو" في هاواي، وجزيرة "ماكواري" ومحطة "كيسي" في القارة القطبية الجنوبية.

لكن بالنسبة لأولئك الـ 99 في المئة منا الذين يعيشون بعيدا عن الهواء النقي، فإن بعض التغيرات الأشد تأثيرا للمساعدة على خفض تلوث الهواء تشمل تخفيض الانبعاثات في المدن الصادرة عن وسائل المواصلات على الطرق، والانتقال إلى وسائل طهي أنظف، والتخفيض السريع في استخدام الوقود الأحفوري ومجموعة من الطرق، لمنع وقوع حرائق الغابات في المقام الأول.