اقتصاد عربي

أسعار العقارات تحلق عاليا بمصر.. ما علاقة الدولار؟

اشتكى أكبر المطورين العقاريين من تقلبات سعر الصرف وتأثير ذلك على أعمال البناء- عربي21
يشهد قطاع العقارات في مصر طفرة في الأسعار على خلفية ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل كبير متأثرة بانخفاض الجنيه أمام الدولار بنحو 75 بالمئة منذ بداية العدوان على قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ما تسبب في حدوث قفزة في أسعار العقارات بكافة أنواعها.

وقفز سعر الدولار إلى 68 جنيها في السوق الموازي مقابل 38 جنيها في غضون 3 أشهر، فيما لا يزال عند 31 جنيها في البنوك المحلية حيث تمر البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.

انعكس الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء التي تشهد زيادات متتالية دون توقف مع استمرار انهيار الجنيه على تكلفة الوحدات السكنية والإدارية والتجارية أكثر من مرة ما تسبب في ضغوط متزايدة على المطورين العقاريين الذين يكافحون لاستكمال مشروعاتهم.

منذ بداية العام الجاري رفعت شركات إنتاج الحديد في مصر أسعار منتجاتها 15 ألف جنيه (485 دولارا) بنسبة زيادة بلغت 44 بالمئة، بينما زادت بنسبة 100 بالمئة مقارنة بالعام الماضي لتلامس 56 ألف جنيه بدلا من 27 ألف جنيه، وفقا لبوابة الأسعار المحلية والعالمية لمجلس الوزراء المصري.



شكاوى الكبار ومطالب باعتماد الدولار
واشتكى أحد أكبر خمسة مطورين عقاريين في مصر من تقلبات سعر الصرف وتأثير ذلك على أعمال البناء والتشييد سواء من ناحية التكلفة أو المدة الزمنية، وقال الملياردير نجيب ساويرس الذي يدير مشروعات عقارية عملاقة أنه يكافح لتجنب الخسائر.

ووصف الاضطراب في سوق العقارات في تصريحات صحفية بأنها "قنبلة موقوتة"، نظراً لارتفاع كلفة البناء بسبب أزمة الدولار التي تشهدها البلاد ووجود أكثر من سعر للدولار، مشيرا إلى أنه لا ينام الليل بعد تحقيق مبيعات بـ 55 مليار جنيه (نحو 1.8 مليار دولار بالسعر الرسمي).

وحذر من أن تأخر البناء سيتسبب في مشاكل كبيرة للمطورين العقاريين خاصة أن ما يصل إلى 35 بالمئة من تكلفة البناء تحتاج إلى مكوّن دولاري، مشيرا إلى أن مثل هذه الأوضاع لا تشجع أي مستثمر على الإطلاق، وقال: "لا يوجد عاقل يستثمر في ظل أزمة الدولار.. يجب حل هذه المشكلة، وعدم تحرير سعر الصرف هو "ضحك على الأنفس"، ولا أحد يستطيع أن يقف ضد السوق.

وانضم ساويرس إلى الأصوات التي تطالب بفتح الباب أمام بيع الوحدات بالدولار لضمان استقرار السوق وعدم حدوث انتكاسات في واحد من أكبر القطاعات الإنتاجية في مصر حيث يساهم قطاع البناء والتشييد في نحو 18.7 بالمئة من الناتج المحلي، ويضم 6 ملايين عامل.

ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه سوق العقارات، رفضت الحكومة المصرية مطالب المطورين العقاريين بتعليق رسوم الإغراق المفروضة على استيراد الحديد لزيادة حجم المعروض منه في السوق المحلية من أجل خفض الأسعار.

في غضون ذلك توقع رجل الأعمال ياسين منصور، رئيس مجلس الإدارة والمجموعة التنفيذية لشركة "بالم هيلز للتعمير"، أن ترتفع أسعار العقارات بحوالي 60 بالمئة في 2024، مضيفا أن شركته (إحدى أكبر شركات العقارات في السوق) رفعت أسعارها في 2023 بقيم تراوحت بين 70 بالمئة و80 بالمئة.



إثر تلك التطورات تراوح سعر المتر في بعض التجمعات السكنية في المدن الجديدة مثل القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية والعلمين و6 أكتوبر والمستقبل وغيرها من 50 ألف جنيه (1.6 ألف دولار) إلى 100 ألف جنيه (3.2 آلاف دولار) بالسعر الرسمي.

وفي بعض المشاريع المتوسطة التي يديرها بعض المقاولين واتحادات الملاك والأهالي وباقي مدن المحافظات يتراوح سعر المتر من 12 ألف جنيه إلى 25 ألف جنيه، ويصل متوسط سعر الشقة من 90 مترا إلى 150 مترا ما بين مليون جنيه و3 ملايين جنيه.

الدولار يخلط جميع الأوراق
أرجع رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة، أحمد الزيني، ارتفاع أسعار مواد البناء إلى "أزمة نقص الدولار بشكل رئيسي ولكنها تجاوزت حدود المعقول وهو ما انعكس بالسلب على سوق العقارات وعدم استقرار الأسعار وفي حال استمر الوضع لفترات أطول سوف يتضرر القطاع الذي يعد أحد دعائم الاقتصاد في مصر".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "جزء كبيرا من مدخرات المصريين يذهب للاستثمار في العقارات بمختلف أنواعها، بهدف حفظ قيمة الأموال باعتبارها ملاذا آمنا، والبعض الآخر للسكن، ولكن استمرار ارتفاع الأسعار يهدد استثمارات المطورين العقاريين الذين يبيعون وحداتهم من خلال نظام التقسيط وعلى فترات سداد طويلة، ومع استمرار انخفاض الجنيه فإنهم يضعون أسعارا أعلى بكثير للتحوط من انخفاض الجنيه أمام الدولار".

وانتقد الزيني "استغلال الأزمة الاقتصادية في وضع أسعار مبالغ فيها سواء لمواد البناء أو العقارات ما يضر بوضع سوق العقارات، وبالتالي فإنه سوف يخرج الكثير من المقاولين والمطورين العقاريين الصغار من قائمة قطاع التشييد والبناء في حال تعثروا في الوفاء بالتزاماتهم تجاه حاجزي الوحدات".

زيادة متتالية في أسعار العقارات
وقالت ندى مالك مدير شركة "لكوست" للتسويق العقاري بالقاهرة، إن "السوق يشهد تخبطا غير مسبوق بسبب الارتفاعات المتتالية في أسعار مواد البناء"، مشيرة إلى أن "المطورين العقاريين يعانون من تلك الزيادات رغم أنهم يبيعون بأسعار مرتفعة، وهناك مشكلة حقيقية في إعادة بيع الوحدات أو اختيار الشركات القادرة على تحمل الصدمات".

وفي ما يتعلق بأسعار الوحدات السكنية، أوضحت في حديثها لـ"عربي21" أن "بعض المطورين وخاصة الكبار رفعوا أسعار المتر في الوحدة السكنية 3 مرات في آخر 3 أشهر، وأغلبية المشروعات الكبيرة لا يقل سعر المتر عن 60 ألف جنيه مقابل 40 ألف جنيه قبل عام، و20 ألف جنيه قبل الأزمة وتحديدا في عام 2021 لأن السوق كان يتسم بالاستقرار".

وتتوقع الحكومة المصرية أن ينمو حجم سوق العقارات السكنية في مصر من نحو 550 مليار جنيه أي ما يعادل 18.04 مليار دولار أمريكى خلال عام 2023 إلى نحو تريليون جنيه أو ما يعادل 30.34 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.96 بالمئة خلال الفترة المتوقعة (2023- 2028)، مدفوعًا بطلب متزايد على الوحدات السكنية.

وإزاء ضغوط سعر الصرف وتراجع المعروض من مواد البناء وارتفاع الأسعار، أتاحت الحكومة مدّ المدة الزمنية لتنفيذ المشروعات العقارية بواقع 20 بالمئة من إجمالي المدة الزمنية الأصلية لتنفيذ المشروعات، وخفض النسبة المئوية لاعتبار أن المشروع قد اكتمل تنفيذه، لتكون 85 بالمئة بدلا من 90 بالمئة لتجنب حدوث انتكاسات عقارية.



ملاذ آمن ومخاطر الاستثمار
توقع عضو لجنة الإسكان بالبرلمان المصري سابقا، عزب مصطفى، أن "تقفز الأسعار المتعلقة بمواد البناء أو العقارات بنسب متتالية ومرتفعة في ظل فقدان السيطرة على أسعار الدولار مقابل الجنيه وتدهور العملة المحلية إلى القاع مع عدم القدرة على توفير العملة الصعبة لشراء المواد الخام".

وأضاف لـ"عربي21": "الجميع سوف يتضررون جراء هذا الانفلات الكبير في الأسعار والذي لا يعد أحد يتوقع مداه أو منتهاه، وستكبر الأزمة وتصبح غير قابلة للحل في حال اختفى المعروض وزاد الطلب وقل العرض بسبب قيود الاستيراد، ما يهدد بإفلاس وخسائر كبيرة سواء للمستثمرين والمقاولين أو العملاء الذين يرغبون في السكن أو الاستثمار".

وأشار إلى أن "رؤوس أموال الشركات العقارية والمواد الخام تآكلت بدرجة كبيرة ما يخلق حالة من عدم الاتزان لدى هؤلاء المستثمرين والمطورين، ويفتح الباب أمام العديد من المشاكل التي تتعلق بتأخر البناء وبالتالي التأخير في مواعيد التسليم أو توقف بعض الشركات".

وأضاف: "لا يمكن فصل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن سوء إدارة وتخطيط عن ما يحدث في سوق العقارات من اضطراب ينذر بفقاعة ضخمة ويصبح الملاذ الآمن هو أحد أخطر أدوات الاستثمار".