سياسة عربية

خبير اقتصادي لـ"عربي21": فرص خروج مصر من نفق الأزمة يتلاشى

انتقد فاروق أداء الحكومات المتعاقبة طوال عقد من الزمن بسبب ما قال إنها لا تمتلك أي خطط أو رؤى اقتصادية واضحة وناجحة- عربي21
قال الخبير الاقتصادي المصري، عبد الخالق فاروق، إن فرص خروج مصر من أزمتها الاقتصادية أصبحت ضعيفة للغاية بعد أن استنفذت جميع الطرق التي أتيحت لها منذ عقد من الزمن ولم تستغلها على أكمل وجه، حتى التف حبل الديون حول رقبتها.

وتوقع فارق، مؤلف كتاب "هل مصر حقًا بلد فقير؟"، في حوار خاص لـ"عربي21" أن يكون العام الحالي 2024 الأصعب مقارنة بالسنوات العشر الماضية، على المستوى الحكومي والشعبي، سواء من ناحية اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية المؤلمة، أو تحميل المواطنين المزيد من الأعباء مثل زيادة أسعار الخدمات والرسوم.

ورأى أن مصر في كل يوم تخسر المزيد من الأرض الثابتة ويتم سحب البساط بشكل تدريجي من تحت قدميها بخروجها من بعض المؤشرات الاقتصادية المهمة مثل جيه بي مورغان للسندات الحكومية في الأسواق الناشئة، وخفض تصنيفها من قبل المؤسسات الائتمانية مثل موديز وفيتش وستاندرد آند بورز وغيرها من المؤسسات المالية مع مزيد من التوقعات السلبية.

وانتقد فاروق أداء الحكومات المتعاقبة طوال عقد من الزمن بسبب ما قال إنها لا تمتلك أي خطط أو رؤى اقتصادية واضحة وناجحة وناجعة سواء على مستوى سياسات الاقتصاد الكلي أو في مجال السياسات المالية والنقدية، وينحصر تفكيرها في الاقتراض وبيع الأصول.

وقلل الخبير والمفكر الاقتصادي من نتائج لقاء مسؤولين ماليين مصريين هم، وزير المالية محمد معيط، ومحافظ البنك المركزي، حسن عبدالله، ووزيرة التعاون الدولي، رانيا المشاط، بوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وبرئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في العاصمة الأمريكية واشنطن، للحصول على دعم اقتصادي لأنه ليس من المتصور أن يكون هناك حلا سحريا للأزمة الحالية، والحل من الداخل وليس من الخارج.

وفي ما يأتي نص الحوار:

ما أهمية تواجد مصر على مؤشر "جيه بي مورغان" للسندات الحكومية الذي لم تمكث سوى عامين فقط بعد غياب 11 عاما؟

مؤسسة جيه بي مورغان من المؤسسات المالية والمصرفية العالمية المهمة التي لها ثقل في أسواق الاقتراض والأسواق المالية والدولية، وخروجها من مؤشرها للأسواق الناشئة يشير إلى عدم امتثال الحكومة المصرية للمعايير الخاصة بالمؤشر وبالتالي فقدت أهليتها للبقاء فيه.

ماذا تخسر مصر من خروجها من مؤشر "جيه بي مورغان" للسندات الحكومية؟
طوال عدة سنوات كافحت مصر للعودة إلى المؤشر الذي يسهل لها الوصول إلى أسواق الدين العالمية، وبخروجها من المؤشر أصبح موقفها في طرح سندات دولارية والحصول على قروض جديدة صعب خاصة أنها اعتمدت خلال السنوات القليلة الماضية عليها لتأمين عمليات الاستدانة.

وجود مصر في المؤشر أو تحسن درجة تصنيفها الائتماني كان يمنحها مدخلا لأسواق الدين الدولية من ناحية، ويقلل تكلفة الاستدانة من ناحية أخرى، وتعتبر مؤشرات هذه المؤسسات في حال كانت إيجابية مؤشر إيجابي للمستثمرين الأجانب والمؤسسات الاستثمارية باعتبار أن الوضع الاقتصادي مستقر.

لماذا لم تستطع مصر استغلال المهلة التي كانت تمنح لها من قبل تلك المؤسسات والبنوك المالية قبل خفض تصنيفها أو استبعادها من بعض المؤشرات؟
الحكومة المصرية تفتقر إلى الرؤية الاقتصادية على مستوى الجدوى الاقتصادية والسياسات المالية والنقدية التنموية ومحكومة بشكل من أشكال الغرائز ووزرائها عبارة عن مجموعة مصالح مثل "البورصجية" وأكتب عنها في الكتب ووسائل التواصل الاجتماعي لأني ممنوع من النشر، وهي لا علاقة لهم بمدرسة التنمية والتخطيط.

وبالتالي هذه الحكومة لا تمتلك رؤية لا على المستوى سياسات الاقتصاد الكلية ولا في مجال السياسات المالية والنقدية، وينحصر تفكيرها في أمرين، هما الاقتراض والمزيد من الاستدانة، وبيع أصول الدولة، هذا هما المحددان الأساسيان اللذان يحركان الحكومة.

ما مخاطر انغماس مصر في أسواق الدين الدولية وزيادة حجم الدين؟
جون بيرغن وهو ضابط استخبارات اقتصادي سابق في كتابه الاغتيال الاقتصادي للأمم هناك صيادين في السوق الدولية سواء كانوا يعملون مع أجهزة مخابرات كبرى مهمتهم اصطياد هذه الدول التي تنزل إلى سوق الاقتراض بصفة دائمة وليس لها طريق سوى الاقتراض لسد القروض القديمة لأن مفيد جدا اصطيادها لأن موقفهم يكون ضعيف ماليا واقتصاديا وبالتالي يمكن توجيه سياسات هذه الدول وفقا لمن يدير شبكات الصيادين وغالبا إما مجموعات اللوبي اليهودي المتحكم في أسواق المال في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من المراكز المالية أو أجهزة رسم السياسات وصنعها في بعض الدول الكبرى وبصفة خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها.

بخصوص زيارة الوفد المصري المالي إلى واشنطن وحصوله على وعد بدعم أمريكي ومن مسؤولي صندوق النقد الدولي.. هل تعتقد أنها قد تثمر عن حلول للأزمة الاقتصادية؟
العلاقات الاقتصادية الدولية لا تقوم إلا على مصالح متبادلة، نتذكر في عهد مبارك (الرئيس المصري الأسبق) خفض الغرب الدين الخارجي لمصر بنسبة 50% كان بسبب تقديمه خدمات جليلة لقوات غزو العراق ومشاركة مصر في الحرب، لكن في الوقت نفسه أجبروه على بداية تطبيق برنامج الخصخصة وبيع الأصول العامة وسمي وقتها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.

ما الذي يمكن أن تقدمه مصر للحصول على الدعم الاقتصادي الأمريكي وأذرعه الدولية؟
في العلاقات الاقتصادية الدولية سواء متعددة الأطراف أو ثنائية الأطراف تكون قائمة على فكرة المصالح المتبادلة، ومصر لم تعد ذات قيمة استراتيجية لواشنطن إلا بقدر ما توفره من حماية لإسرائيل وتأمين حدودها، وتؤدي أدوار وظيفية محددة، وحتى هذه الأدوار تقلصت لأنه هناك دول أصبحت تؤديها بالنيابة عن مصر مثل الإمارات والسعودية والأردن ولكن يبقى لمصر مسألة معبر رفح والقضية الفلسطينية وتأمين الحدود وخدمة المصالح الأمريكية.

هل هناك علاقة بين أي دعم أمريكي مستقبلي والأوضاع في قطاع غزة؟
أي مساعدة يمكن أن تقدمها أمريكا في الوقت الملتهب الذي يمر فيه الأقليم ستكون مرتبطة بفكرة ما الذي يمكن أن تقدمه مصر فيما يتعلق بقطاع غزة وإعمارها ودعم إسرائيل، وغير ذلك لا أعتقد أن الولايات المتحدة لديها الرغبة ولا الإرادة في إنقاذ مصر؛ لأن موقفها في الوضع الاقتصادي الراهن يحتاج إلى رؤية وحلول مختلفة القيادة الحالية غير قادرة عليها أو راغبة فيها.

هل نتوقع أن يتغاضى صندوق النقد الدولي عن بعض شروطه المتشددة لاستكمال برنامجه مع مصر ومضاعفته، أم إنه سوف يلتزم بالحد الأدنى من الشروط المطلوبة فيما يتعلق بخفض الجنيه وتسريع وتيرة بيع الأصول؟

أقصى شيء يمكن أن تقدمه أمريكا وأذرعها الاقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من مؤسسات الإقراض، يمكن أن تخفف أو ترجئ لفترة زمنية بعض الإجراءات المطلوبة التي برزت منذ منتصف السبعينات وأخذتنا في سكة انحدار اقتصادي شامل وتفكيك أواصر اقتصاد الدولة المصرية، لا توجد مؤسسات مستعدة للمغامرة في الدخول في مغامرة بإقراض مصر إلا إذا كانت لها علاقات قوية مع أمريكا ومصالح مشتركة.

هناك تخوفات واسعة لدى شرائح واسعة في المجتمع من إجراءات اقتصادية مؤلمة مثل خفض الجنيه وزيادة الأسعار.. هل تتوقع أن يكون عام 2024 عاما صعبا وهو ما أكدته الحكومة سابقا؟

وصف أن الوضع الاقتصادي صعب أو أمامنا تحديات وأوقات صعبة يرددها رئيس النظام الحالي منذ 2014 وفي كل مناسبة لأن هناك حالة خراب وذكرت ذلك في 2016 أن الإجراءات سوف تؤدي إلى نتائج وخيمة وهذا النظام يحمل أجندة سوف تدمر ما تبقى من مصر اقتصاديا.

ونتوقع استمرار ما بدأت به الحكومة العام الجديد من زيادة الأسعار وارتفاع معدلات التضخم رفع الدعم في جميع الخدمات سواء الغاز أو الكهرباء أو الوقود والمياه ومضاعفة الرسوم والدمغات خفض جديد في الجنيه، سوف ينعكس على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.


القطاع الخاص ومؤشراته حققت نتائج سلبية.. ما تأثير ذلك؟

القطاع الخاص يعاني من شح الدولار وصعوبة استيراد المستلزمات من الخارج وبالتالي تراجع حجم الإنتاج؛ لأن غالبية هذه الخامات تأتي من الخارج وتدخل ضمن مكونات الإنتاج الرئيسية بالتالي سوف نشاهد أسعار مرتفعة وتراجع في المعروض، ستكون الأسعار متغيرة ونحن بصدد أزمة اقتصادية في ظل استمرار السياسات الاقتصادية على ما هي عليه.

بعض المؤسسات تتحامل على مصر.. ما حقيقة ذلك.. تحامل أم توصيف دقيق للوضع؟

لا أستطيع أن أعتبر أن مؤسسات التصنيف الدولية الثلاثة موديز و فيتش وستاندرد آند بورز ذات مصداقية علمية ومنهجية مطلقة، هم أيضا يستخدموا لأغراض سياسة في بعض الأحيان، وأن المعايير التي تستخدم في عملية القياس والتقييم أحيانا غير دقيقة من الناحية العليمة، ولكنها تعكس في الوقت ذاته حقيقة تردي الوضع الاقتصادي المصري، لا أحد عاقل في حالة التدهور الجاري يستطيع أن يشيد بالوضع الاقتصادي أو يطمئن إليه أو يمنحه أي تصنيف إيجابي أو أن الوضع مستقر.

روشتة للعلاج والخروج من هذا النفق.. هل تعتقد أن ما تقوم به الحكومة المصرية الآن يمثل أي شكل من أشكال الحلول المنطقية أم إنه هروب للأمام ومسكنات؟
على الإطلاق، هذا النظام يحتاج إلى عدة أشياء، أولا إعادة النظر في التوجهات الاقتصادية أي الفلسفة الاقتصادية القائمة عليها النظام والحكم، ثانيا، إعادة تشكيل المجموعة الاقتصادية بحيث أنها تنتمي لمدرسة التخطيط وليس لمدرسة البورصجية، ثالثا، إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتركيز على قطاعات الإنتاج السلعي مثل الزراعة والصناعة والطاقة، وأخيرا إعادة النظر في نمط الاستثمار سواء الداخلي أو القادم من الخارج ويوجه إلى أي نوع من القطاعات، وأخيرا، إعادة النظر في السياسات المالية الراهنة التي تقوم على الاقتراض والمزيد من الاقتراض وتحميل الفقراء أعباء ضريبية ورسوم مقابل تسهيلات وإعفاءات لصالح رجال المال والأعمال سواء مصريين أو أجانب وإعادة النظر في السياسات النقدية الجارية.

الكلام في هذا الأمر كثير وطويل، وفردت له كتابا من 400 صفحة باسم الحلول ولكن هناك تعليمات لدور النشر بعد نشر أي كتب من كتبي، الكتاب يتضمن كافة الحلول على كافة القطاعات..