سياسة عربية

لماذا لم تنضم مصر إلى دعوى جنوب أفريقيا لمحاكمة الاحتلال؟

ستبدأ محكمة العدل الدولية يوم الخميس بالاستماع إلى دولة الاحتلال وجنوب أفريقيا- عربي21
أثار تخلف مصر عن الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي يرتكبها ضد المدنيين في قطاع غزة، انتقادات واسعة.

وستبدأ محكمة العدل الدولية، الخميس، بالاستماع إلى دولة الاحتلال وجنوب أفريقيا، على مدار يومين، بخصوص الدعوى التي رفعتها الأخيرة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، بهدف محاكمتها على ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

و‌في السياق نفسه، أعلنت وزارة العدل في جنوب أفريقيا، عن ترؤس الوزير، رونالد لامولا، وفد البلاد، في محكمة العدل الدولية في لاهاي، خلال جلسة الاستماع الأولى للقضية المقرر عقدها في لاهاي يومي 11 و12 كانون الثاني/ يناير الجاري.

ورغم انضمام وتأييد بعض الدول لتحرك الدولة الأفريقية، الذي يوصف بكونه "فريدا من نوعه"، إلا أن مصر لم تعلق حتى الآن، بشكل رسمي، على هذا التحرك بالسلب والإيجاب، وتعد أكثر المتضررين من عدوان الاحتلال الإسرائيلي اقتصاديا وأمنيا، وتربطها حدود وتاريخ مشترك مع قطاع غزة الذي يمثل خط الدفاع الأول لها.

وتهدد دولة الاحتلال الإسرائيلي، رسميا، من وقت لآخر، بإعادة احتلال محور فيلادلفيا، وهو شريط حدودي بين قطاع غزة ومصر، ويمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، حيث نقطة التقاء الحدود بين مصر وقطاع غزة ودولة الاحتلال.

ومنذ الأيام الأولى، انتقد سياسيون وحقوقيون الموقف المصري الرسمي من الحرب على قطاع غزة، بسبب عدم فتح الحدود أمام إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للقطاع، وإخراج آلاف الجرحى، أو القيام بزيارات رسمية للقطاع للوقوف على حجم الجرائم إلا من خلال التنسيق مع سلطات الاحتلال.

وتساءلوا: هل يكون موقف القاهرة من عدوان الاحتلال الإسرائيلي، بل من عمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أكثر من مليوني مدني مخيبا للآمال على المستوى الحقوقي، وتلتزم الحياد في التعاطي مع جرائم الاحتلال بدعوى قيامها بدور الوسيط، وهل تمنع الوساطة من أن تمارس مصر دورها التاريخي في الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني؟

إزاء هذا الصمت المصري الرسمي، حثّت أحزاب ومؤسسات وجمعيات مدنية حقوقية، مصر، على تأييد والانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، من بينها: أحزاب المحافظين والدستور والمصري الديمقراطي الاجتماعي، والدفاع عنها سياسيا ودبلوماسيا وقضائيا، واستخدام ثقلها السياسي لدعوة دول العالم الثالث في منظمة دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الأفريقي، للانضمام إلى الدعوى.

‌وطالب الموقعون بتشكيل لجنة تشمل النائب العام المصري، ودبلوماسيين، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني المصري، خاصة نقابات المحامين، والصحفيين، والأطباء، وجمعية الهلال الأحمر، وذلك لجمع جرائم الاحتلال وتوثيقها وتوصيفها وإعداد مذكرة رسمية، بالأدلة تنضم بها مصر لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.‌

لا مجال لأنصاف الحلول والمواقف
قال عضو الهيئة العليا لحزب المحافظين، مجدي حمدان، وهو أحد الأحزاب الموقعة على العريضة: "أصدرنا بيانا ندعو فيه مصر لتأييد الدعوى ضد الاحتلال، أمام الجنائية الدولية ومساندتها، لما يمثله انضمام مصر من ثقل سياسي كبير وهي إحدى أكثر الدول المعنية بما يجري في قطاع غزة، حيث تتشارك معه الحدود ويعد خط دفاعها الأول، وما فعلته دولة جنوب أفريقيا كشف حقيقة الدول العربية".

لكن في الحقيقة، فإن تحرك الشعوب يختلف دائما عن موقف الحكومات سواء في مصر أو في العديد من دول العالم، لكن هذه القضية لها أهمية كبرى وهي أنها وضعت الكيان الصهيوني كمتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة، وفي حال صدور حكم سوف يتم رفعه لمحكمة العدل الدولية، وبناء عليه على مجلس الأمن والأمم المتحدة تنفيذ هذا الحكم لذلك هناك قلق من الاحتلال الإسرائيلي كبير من هذه الدعوى.

ورد حمدان، على تذرع بعض المدافعين عن موقف الحكومة المصرية بأنها تحاول الحفاظ على دورها في الوساطة في الأزمة الراهنة وعدم تعقيد الموقف، أنه "إزاء تعرض الشعب الفلسطيني للإبادة في قطاع غزة، لا معنى للحديث عن وساطة وغيرها، وموقف وزراء في حكومة الاحتلال من مصر لا يقل تشددا وعدوانية عن مواقفهم إزاء الفلسطينيين، وبالتالي يجب أخذ ذلك في عين الاعتبار، لا مجال لأنصاف الحلول وأنصاف المواقف".

تحرك نقابي يسبق الدولة
وكشفت نقابتا الصحفيين المصريين والفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحافة، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن رفع دعويين قضائيتين جنائيتين ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب جرائمها ضد الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة بعد أن ارتقى نحو مائة صحفي منذ بدء العدوان على قطاع غزة.

وقال نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إنه "تم الانتهاء من إعداد ملف قانوني جديد لتقديمه للمحكمة، والمحامون جاهزون لتولي القضية ورفع دعاوى قضائية"، لافتا إلى أن "هذه هي القضية الثالثة التي تقدمها نقابة الصحفيين الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب بحق الصحفيين الفلسطينيين".


كذلك، تقدمت منظمة مراسلون بلا حدود، في تشرين الأول/ أكتوبر، وكانون الأول/ ديسمبر، بِدعويين قضائيتين للجنائية الدولية، للتحقيق في اتهام سلطات الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، لاستهدافها صحفيين في قطاع غزة، وهما ضمن التحقيقات الجارية عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

لماذا لن تنضم مصر لدعوى جنوب أفريقيا؟
استهجن الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، السيد أبو الخير، ما وصفه بـ"تجاهل مصر الدعوى القضائية من الأساس على الرغم من أنها أكثر الدول المعنية بآثار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو يعكس تقزم دور الدول العربية والموقف المصري الرسمي، ولا يعكس دورها الحقيقي باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة".

وذهب إلى القول في حديثه لـ"عربي21": إن "مصر تعتبر شريكة فيما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار أدى إلى وفاة آلاف المرضى والجوعى والمصابين، المساعدات لا تدخل إلا بإذن وتنسيق أمني مع الكيان الصهيوني، لا نستقبل أي جرحى إلا بأعداد قليلة جدا".

 وأشار أبو الخير إلى أن "صور الاشتراك في الجريمة، ثلاث وهي: الاتفاق والتحريض والمساعدة، وإغلاق معبر رفح ساعد في مفاقمة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة".

‌واستبعد أن تنضم مصر لتلك الدعوى، حيث "لا تتسق مع طبيعة السلطة الحاكمة في مصر الآن، ورغم أنها تعاني في الآونة الأخيرة من فقدان ثقلها السياسي والدبلوماسي في المنطقة، ولكنها تاريخيا حاضرة بقوة، ووجودها كان سيمنح الدعوى زخما قانونيا في المحكمة وسياسيا على مستوى دول عدم الانحياز والدول العربية والإسلامية".

حصيلة كارثية في غزة
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ96 على التوالي، ارتكاب المجازر في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على أهالي قطاع غزة، مستهدفا المنازل المأهولة والطواقم الطبية والصحفية.

ويعاني أهالي قطاع غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، في ظل تواصل العدوان والقصف العشوائي العنيف، وسط نزوح أكثر من 1.8 مليون نسمة داخليا إلى المخيمات غير المجهزة بالقدر الكافي ومراكز الإيواء.

وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى أكثر من 23,210 شهداء، أكثر من 70 بالمئة منهم نساء وأطفال، فيما بلغ عدد الجرحى نحو 59,167 مصابا بجروح مختلفة، فضلا عن تدمير 70 بالمئة من الأبنية والبنية التحتية.