مقابلات

الناشطة الفلسطينية مريم أبو دقة تروي لـ"عربي21" تفاصيل ترحيلها من فرنسا

مريم أبو دقة: "ما جرى معي في فرنسا أصابني بالدهشة والصدمة‌"- إكس
وصفت القيادية الفلسطينية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مريم أبو دقة، فرنسا، بأنها منحازة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتتبنى سردية الكيان الصهيوني سياسيا وإعلاميا وعلى مستوى صناع القرار والحكومات الفرنسية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

وأكدت في حوار خاص لـ"عربي21" أن أقنعة الديمقراطية والحرية المزيفة سقطت في فرنسا، في أول اختبار لها، عندما يتعلق الأمر بالكشف عن جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال ليس في قطاع غزة فحسب بل في كل فلسطين، وهذا شكل صدمة بالنسبة لها.

وكانت أبو دقة وصلت إلى فرنسا قبل نحو أسبوعين من بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في غزة، ضد قوات الاحتلال، ردا على سلسلة الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى والحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاما، ثم لاحقتها الشرطة والقضاء الفرنسيان وتم وضعها قيد الإقامة الجبرية ثم ترحيلها إلى مصر.

وأوضحت الناشطة السياسية الفلسطينية أن زيارتها إلى فرنسا، وهي الأولى من نوعها، كانت بدعوة من أحزاب وجمعيات فرنسية يسارية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن قضيته المركزية في حقه في إقامة دولة مستقلة، وإلقاء محاضرات من خلال 15 لقاء واجتماعا تم الترتيب لها جميعا بشكل مسبق.

واعتبرت أن ملاحقتها منذ الأيام الأولى إعلاميا وأمنيا أصابها بالدهشة والذهول حتى أصبحت تعتقد أنها لا تسير في شوارع باريس ومدن فرنسا، بل وكأنها لا تزال مطاردة من قبل سلطات الاحتلال حيث تفرض السلطات قيودا مشددة ضد التعرض إلى سياسات الفصل العنصري والإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين.

تاليا إلى نص الحوار:

كيف تصفين زيارتك الأخيرة بل الأولى إلى فرنسا ؟

ما جرى معي في فرنسا أصابني بالدهشة والصدمة، لا أصدق أن هذا حدث في بلد يتشدق بأنه قلعة الحريات في العالم، لقد تحولت إلى إرهابية منذ اللحظات الأولى من تواجدي على الأراضي الفرنسية، بسبب الحملة التي شنتها المؤسسات المتصهينة هناك حتى قبل العدوان على قطاع غزة.

تواجدت هناك قبل بدء الحرب على قطاع غزة بنحو أسبوعين استجابة لدعوات من قبل أحزاب وجمعيات يسارية للتحدث عن القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني والمشاركة في عرض فيلم "يلا غزة" الذي شاركت فيه ضمن فريق عمل يوثق لجرائم الاحتلال في فلسطين وخاصة في قطاع غزة المحاصر، ومعاناة ملايين الفلسطينيين نساء وأطفال ورجالا.

ما هي طبيعة زيارتك في فرنسا وما الهدف منها؟

كان من المفترض المشاركة وإلقاء نحو 15 لقاء و17 محاضرة وتجمعا في أكثر من مدينة في فرنسا، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم دعوتي فيها إلى فرنسا، واعتبرتها فرصة لعرض وجهة النظر الفلسطينية والتعرف على ما يجري هناك وكيف يفكرون تجاه قضيتنا، ولكن للأسف كان الوضع مأساويا.

محور زيارتي هو إنساني بالدرجة الأولى، هناك حاجة إلى إلقاء الضوء على معاناة الأسيرات الفلسطينيات، وضرورة خروجهم وعودتهم إلى وطنهم، والتأكيد على أن حقوق الطفل والمرأة منتهكة من قبل سلطات الاحتلال في طول البلاد وعرضها إلى جانب قضية بلدي المحتلة.

كيف كانت الأيام الأولى لك في فرنسا وكيف تطور الأمر إلى الوصول إلى الشرطة والقضاء بهذا الشكل المتسارع؟

منذ وصولي إلى هناك كما قلت، كان الأمر غريبا بسبب الحملة المضادة التي تم شنها ضدي واتهموني أنني أنتمي إلى منظمة إرهابية، وهذا غير صحيح، وكم كان حجم المغالطات كبيرا بسبب الدعاية السوداء والعنصرية، والنضال والكفاح ضد المحتل أصبح يرادفه في فرنسا الإرهاب، وهو أمر في غاية الخطورة لأنه يكشف تغلغل وهيمنة السردية الصهيونية.

مرّت المحاضرة الأولى بسلام، وفي المرة الثانية كان يفترض إلقاء محاضرة في إحدى الجامعات الفرنسية، ولكن تم منعي من دخول الجامعة، ولكني تعاملت مع الأمر بحكمة وصبر وطول بال، لأنني لم أخترق القوانين الفرنسية، وجئت بطريقة رسمية.

كانت المحطة الأخيرة لي هي مدينة مرسيليا، رغم أن جدول المحاضرات واللقاءات كان مزدحما ومليئا، ولكن اندلاع العدوان على قطاع غزة عجّل بملاحقتي من قبل الشرطة الفرنسية، وكان عارا وخزيا ما فعلوه معي وأنا سيدة فلسطينية قضيت كل عمري في النضال حتى يوقفوني ويأخذوا مني جواز سفري، ولكني لم أسكت رفعنا دعوى قضائية، ربحناها؛ ولكن وزير الداخلية قرر الاستئناف، وتم عرضي على المحكمة، ما جرى هو مهزلة.

ما هي التهمة التي كانت موجهة لك والتي لاحقتك بها الشرطة في فرنسا؟

اتهموني أني إرهابية، وفي الحقيقة أنا أنتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي إحدى مكونات منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فكيف أكون إرهابية، ولدينا سفارات حول العالم تمثلنا، وتؤكد أننا دولة تحت الاحتلال، لكن اللوبي الصهيوني في فرنسا شن تلك الدعاية السوداء ضدي من أجل طردي من فرنسا، وهذا لن يوقفنا عن الدفاع عن قضيتنا وعن قضية ملايين المضطهدين في فلسطين وحول العالم، ولن يسكوتنا بأفعالهم التي تدينهم.

إزاء هذه الحملة الشعواء ضدك و ملاحقتك شرطيا وقضائيا كيف كان موقف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني؟

في الحقيقة رغم الحملة الشعواء كما ذكرت ضدي واتهامي بأنني إرهابية وملاحقتي من قبل الشرطة والقضاء ومنعي من استكمال جدول زيارتي بضغط من اللوبي الصهيوني هناك، إلا أنني انتصرت في النهاية في كشف زيف وادعاءات الغرب هذا من جهة.

من جهة أخرى، فوجئت بحملة تضامن من قبل قوى ديمقراطية ويسارية وأصبحت قضية رأي عام في الشارع الفرنسي، وكان انتصارا لقضيتي التي أمثلها في كل مكان وعلى أي منبر، ولن أمل أو أكل من الدفاع عنها وعرضها في جميع المحافل الدولية حتى آخر رمق.

ما هي قراءتك للمشهد بعد قرار ترحيلك من فرنسا بسبب تلك الادعاءات؟

ما جرى معي، كشف أن اللوبي الصهيوني مسيطر ومتحكم في الرواية الفرنسية عن القضية الفلسطينية، وأن الحكومات والسياسيين يخضعون لسرديات صهيونية متكررة عفى عنها الزمن ولا يصدقها أحد، ولا صوت يعلو عن السرديات المضللة رغم وجود أصوات تعارض مثل تلك الأفكار والمعتقدات السائدة سواء لصالح الكيان المحتل أو ضد الشعب الفلسطيني.

الآن أستطيع أن أؤكد بالفم المليان أنه لا حريات في فرنسا، إلا بما يتفق مع هوى الحكومات الخاضعة لإملاءات الفكر الصهيوني، ولا حقوق إنسان، إلا ما يتماشى مع وجهة نظرهم ومصالحهم الشخصية في المنطقة، وبالتالي كلها كذب ونفاق وتضليل.

فرنسا والغرب لا يريدون عودة الكيان الصهيوني إليهم مجددا، ولا يرون الاعتداءات المستمرة منذ 75 عاما والانتهاكات المستمرة، لا يريدون أن يروا الحقيقة، عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني فلا حريات ولا حقوق ولا فرنسا من الأساس، هذه القوانين هي لحمايتهم وليس لحماية حقوق الآخرين.

كيف تصفين ما يجري في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي؟

لا شيء يمكن أن يصف ما يجري في قطاع غزة، سوى أنها تواجه حربا "عالمية" وحدها العالم الغربي يحاربها، الأساطيل الأمريكية في البحار، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم يدعمون الكيان الصهيوني بالسلاح والعتاد من أجل القضاء على قضيتنا، ومحاولة لحماية ربيبتها في المنطقة التي ألقوا بذرتها في فلسطين ورعوها وحموها بالظلم والقهر والعدوان لحماية مصالحهم على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه.

‌في النهاية.. نريد بطاقة تعريفية نقدمها لمن يسمع عن اسمك للمرة الأولى من الأجيال الجديدة؟

أنا مريم أبو دقة، من بلدة عبسان الكبيرة في محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة بفلسطين المحتلة، مواليد العام 1952، حاصلة على ماجستير ودكتوراه في الفلسفة من جامعة صوفيا، سخّرت كل حياتي للدفاع عن القضية الفلسطينية وعن المرأة الفلسطينية منذ نعومة أظافري.

بدأت مبكرا في العمل النضالي في بلدي، منذ كنت فتاة صغيرة في الخامسة عشر من عمري، ولاحقتني سلطات الاحتلال كثيرا، واعتقلتني وسجنتني، وقامت بتغريبي وكذلك إبعادي إلى الأردن وتنقلت في أكثر من مكان ولم أعد إلى بلادي الحبيبة إلا في العام 1995 في قطاع غزة.