اقتصاد عربي

ما علاقة انهيار الجنيه بالقفزة في أسعار العقارات في مصر؟

أرتفاع أسعار العقارات في مصر - عربي21
قفزت أسعار الوحدات السكنية الصغيرة في مصر إلى خانة ملايين الجنيهات على وقع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وخفض سعر العملة المحلية 3 مرات، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وتسجيل مواد البناء أسعارا تاريخية.

سجلت أسعار المواد ارتفاعات بأكثر من 100 بالمئة خلال عام واحد؛ بسبب ارتفاع أسعار الوقود ونقص العملة الصعبة وفرض قيود على الواردات من بينها مدخلات الإنتاج، وتجاوز سعر طن الحديد 40 ألف جنيه مقابل نحو 19 ألف جنيه قبل نحو عام بنسبة ارتفاع 107بالمئة، بحسب بوابة الأسعار المحلية والعالمية التابعة لمجلس الوزراء المصري.

دفعت العوامل السابقة أسعار الشقق السكنية في بعض المشروعات السكنية الخاصة بعدد من المطورين الكبار في القاهرة الكبرى وبعض المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمستقبل والعلمين إلى زيادة غير معتادة في أسعارها.

وقال عدد من وسطاء في شركات التسويق العقاري في تصريحات مختلفة لـ"عربي21" أن "سعر الشقق في منطقة مثل الشيخ زايد الجديدة أو التجمع والقاهرة الجديدة تجاوزت 8 ملايين جنيه لمساحة 140 م إلى 160 م نصف تشطيب أي ما يعادل 258 ألف دولار بالسعر الرسمي في البنوك وإلى نحو 165 ألف دولار بالسعر في السوق الموازي، مقارنة بنحو 4 ملايين و5 ملايين جنيه قبل عام".

اللافت في الأمر أن غالبية هذه المشروعات أو التجمعات السكنية الجديدة والحديثة والتي تتمتع بمستوى رفاهية مرتفع لا تزال مجرد مخططات أو خرائط ولم ينفذ أي منها على الأرض، ولكنها سوف تكون متاحة للتسليم خلال 3 إلى 5 سنوات، مع الإشارة إلى أن الاستلام الفوري أو القريب يتطلب مبالغ أكبر أو نقدا.




زيادة النمو رغم ارتفاع الأسعار

لكن على الرغم من القفزة الكبيرة في الأسعار التي كانت تعتبر ضربا من الخيال قبل أعوام قليلة، واصلت مبيعات الوحدات السكنية في تلك المشروعات النمو بسبب زيادة الطلب عليها، ما يطرح سؤالا حول علاقة انهيار الجنيه بزيادة الطلب على العقارات، وهل تعد أداة تحوط من خفض قيمة العملة ومواجهة زيادة معدلات التضخم التي تكبر مثل كرة الثلج؟

بحسب التقرير ربع السنوي لشركة الاستشارات العقارية العالمية "جيه إل إل"، تجاهلت مبيعات الوحدات السكنية زيادة الأسعار وواصلت النمو بدفع من ارتفاع الطلب والتضخم، وصعد متوسط الأسعار في مدينة السادس من أكتوبر 40 % في الربع الثالث من عام 2023 وبنسبة 45 % في القاهرة الجديدة.

أرجع التقرير توجه الكثير من المواطنين إلى شراء العقارات وتحقيق مبيعات قياسية باعتبارها استثمارا آمنا والتحوط من تقلب سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وبالتالي زيادة الطلب وارتفاع الأسعار، فضلا عن التأثير السلبي للتضخم الذي يزيد بدوره من ارتفاع التكلفة الحالية والمستقبلية.

في تموز/ يوليو 2023 قررت الحكومة المصرية تخفيف قواعد تملك الأجانب للعقارات في إطار جهودها لزيادة تدفق العملة الصعبة، وأعلنت عن إجراءات لتحفيز الأجانب والمصريين العاملين بالخارج لشراء العقارات في مصر.

أعلنت الحكومة إلغاء الحد الأقصى لعدد العقارات التي يمكن للأجانب امتلاكها بعد إعلانها عن تيسيرات في إجراءات منح الجنسية المصرية مقابل دفع مبالغ بالعملة الأجنبية في آذار/ مارس 2023، حيث اشترط القانون تملك عقار حكومي، أو مملوك لشركة عامة بمبلغ لا يقل عن 300 ألف دولار.




استثمار أم مبالغة

اعتبر رئيس غرفة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد الزيني، أن أحد أهم أسباب "الرواج في سوق العقارات السكنية في مصر هو التحوط من خفض العملة وارتفاع التضخم ، كما أنه استثمار جاذب ناجح ويحقق أرباحا مرتفعة، والعقار دائما هو الاستثمار الآمن، ولكن في الآونة الأخيرة زادت التوجه إليه للأسباب التي ذكرناها".

وأضاف في تصريحات لـ"عربي21" أن "غالبية المشترين من المواطنين أو المستثمرين يتوجهون للشراء بالقسط والاستفادة من مدة السداد التي تصل إلى 10 سنوات، وبالتالي يضع المطورون العقاريون أرقاما كبيرة للتحوط من التضخم وارتفاع أسعار مواد الخام، ولا يفضلون الشراء نقدا، وما ينطبق على المشروعات الكبيرة ينطبق على الوحدات السكنية العادية".

وبشأن ارتفاع أسعار بعض الشقق إلى 8 ملايين جنيه، أوضح أن "هناك بعض الشقق يصل سعرها إلى 12 و15 مليون جنيه، ويرجع السبب الرئيسي إلى أن اسم المطور العقاري الذي يعد علامة تجارية وبالتالي يزيد الطلب عليه"، مشيرا إلى أن "هذا نوع من الاستثمار وليس الرفاهية أو المبالغة لأن هذا النوع من المشروعات يحقق أرباحا وزيادة مطردة"

نمو قوي في مجال التشييد والبناء

يساهم قطاع التشييد والبناء بنسبة 18.7% في الناتج المحلي ويعد أحد أهم خمس قطاعات الداعمة لنمو الاقتصاد المصري، التي توفر فرص عمل في جميع المشروعات القومية حيث يعمل نحو 4 ملايين عامل في القطاع الأوسع انتشارا.

سجلت مصر الترتيب الثاني كأقوى سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب وكالة "فيتش"، وأن ينمو بنسبة 6.8%، وسط توقعات أن تمتلك أكبر قطاع للتشييد والبناء في المنطقة بأكملها بقيمة تتجاوز 89 مليار دولار، ويرفع حصة مصر في قيمة صناعة البناء والتشييد إلى 30% في منطقة الشرق الأوسط بأكملها بحلول 2029.



سوق جاذب وآمن من تقلبات الاقتصاد

أرجع خبير الاستثمار العقاري، النائب الأول لرئيس اتحاد المقاولين العرب، درويش أحمد، "النمو الكبير في السوق العقاري المصري رغم الأزمة الاقتصادية إلى أنه سوق جاذب بسبب الرغبة الشرائية الكبيرة لدى شرائح المجتمع المختلفة التي ترغب في شراء أنواع مختلفة من الوحدات السكانية، كما أنه مرتبط بتعداد السكان الكبير والآخذ في الزيادة إلى جانب الطلب على الشراء من قبل المصريين بالخارج والمستثمرين العرب".

في حديثه لـ"عربي21" أوضح أن "مصر تحتاج إلى 500 ألف وحدة سكنية سنويا وهذا معدل مرتفع ويرضي رغبات المطورين العقاريين في سوق كبير، وعلى عكس التوقعات لم تتراجع المبيعات رغم ارتفاع الأسعار بسبب قيمة العقار التي تزيد باستمرار فهي إذا لم تزيد تثبت ولكنها لا تتراجع أبدا، وينقسم راغبي الشراء إلى قسمين الأول بهدف السكن والثاني بهدف الاستثمار".

ورأى الخبير العقاري أن "هناك جزء من المواطنين لا يرغبون في وضع أموالهم في البنوك والحصول على عائد ربوي ويفضل الاستثمار في العقار، وكما يقول المثل الشعبي أن العقار لا يأكل ولا يشرب وقيمته تزيد دون أي أعباء اقتصادية، وهذا الاستثمار مربح وواعد خاصة في ظل المخاوف المستمرة من تراجع قيمة الجنيه بسبب الظروف الاقتصادية".