مقالات مختارة

المجلس الرئاسي الليبي .. لماذا وجوده كالعدم؟

فيسبوك
في الأسابيع الماضية حصلت اشتباكات في طرابلس راح ضحيتها العشرات، ولم يفعل المجلس الرئاسي؛ القائد الأعلى للجيش الليبي، بشأنها شيئا، وهذه الأيام تجري اشتباكات أخرى في مدينة بنغازي في ظل تكتم كامل، وعجز تام للمجلس الرئاسي، وعدم قدرته على فعل أي شيء بشأنها.. فلماذا هذا العجز؟

عندما كنت عضوا في ملتقى الحوار السياسي الذي عقد بكل من تونس وجنيف، وتمت فيه صياغة "خارطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل"، وتم فيه أيضا اختيار "اقتراح" السلطة التنفيذية؛ والتي كان من ضمنها المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، كنت من القلائل الذين نادوا بضرورة دسترة مخرجات الملتقى. كما طالبت أيضا بإضافة مادة تسمح للمجلس الرئاسي بإصدار تشريعات في حالة تعذر توافق المجلسين، أو تقاعس مجلس النواب عن إصدار التشريعات المنهية للمرحلة الانتقالية، كل ذلك لكي يحكم المجلس الرئاسي.

قمت أيضا خلال انعقاد جلسات مجلس النواب في سرت في مارس 2021 بصياغة مقترح بتعديل الإعلان الدستوري، لضمان دسترة المجلس الرئاسي وخارطة الطريق، وأرسلته إلى النائب مصباح دومة (الآن يشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب)، وكان حينها زميلا بملتقى الحوار السياسي، فقام النائب دومة بدوره، بتسليم المقترح إلى اللجنة التشريعية. في مقترح التعديل هذا قمت باستبعاد دسترة الملتقى، حتى لا يشعر مجلس النواب بأنه تنازل عن جزء من صلاحياته، ومع ذلك رفض مجلس النواب دسترة المخرجات وتبعا لذلك رفض دسترة المجلس الرئاسي. 
صار المجلس الرئاسي بدون أي سند دستوري محلي، وصار وجوده بروتوكوليا في المحافل الدولية، يعمل كمركز أبحاث، وعبارة عن مركز صرف، يكلف الخزينة أموالا باهظة، ويحتل أعضاؤه مؤسسات الدولة دون طائل

أما رئيس حكومة الوحدة الوطنية فلقد استفاد من عدم اعتماد المخرجات، من خلال ترشحه لرئاسة الدولة، في الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في 24 ديسمبر 2021 -بقوانين معيبة- أثارت جدلا واسعا. وعندما تم الطعن في ترشح رئيس الحكومة، رفضت المحكمة الطعن وذكرت في أسباب الحكم أن القانون المعيب، رقم (1) لسنة 2021 م بشأن انتخاب رئيس الدولة، لم يستند في الديباجة على مخرجات الملتقى، وبالتالي يكون التعهد، الذي ضربه السيد عبدالحميد الدبيبة للملتقى، والعدم سواء.

بذلك صار المجلس الرئاسي بدون أي سند دستوري محلي، وصار وجوده بروتوكوليا في المحافل الدولية، يعمل كمركز أبحاث، وعبارة عن مركز صرف، يكلف الخزينة أموالا باهظة، ويحتل أعضاؤه مؤسسات الدولة دون طائل، وأرتاله تملأ طرقات طرابلس ذهابا وإيابا، دون أي نفع لليبيا أو للعاصمة. المجلس لا يُعترف به عمليا بأنه القائد الأعلى للجيش الليبي، أو على أقل تقدير لم يُمَكّن من هذا الدور، ولذلك فهو في الحقيقة لا يحكم لا في شرق البلاد ولا في غربها ولا جنوبها.

مجلس النواب وجه مؤخرا طعنة أخرى لأهم وظيفة كان من المحتمل أن يقوم بها المجلس الرئاسي وهي رئاسة لجنة!!؛ أي اللجنة المالية رفيعة المستوى، والتي اجتمعت استعراضيا في عدة مدن قبل أن يدفنها النواب بتوحيد مصرف ليبيا المركزي، وبإقرار الميزانية وتحذير اللجنة من مغبة المساس بمالية الدولة خارج إطار القانون.

في الملتقى دار نقاش بيني وبين أحد أعضاء الملتقى من الشرق الليبي ومن المعارضين الأشداء لعقيلة صالح ولقائمته بقوة، وحين أُجريت الجولة الثانية لاختيار إحدى قائمتين؛ قائمة باشاغا-عقيلة، وقائمة الدبيبة_المنفي، صوت هذا العضو للقائمة الأولى، سألته -وكان قد أسر لي بتصويته- لماذا صوّتَّ لعقيلة صالح وأنت من أشد المعارضين له؟ رد بقوله: المرابطون أهل بركة وليسوا أهل حكم، لا يملكون ولا يحكمون!! استغربت هذا الكلام بشدة. نحن بعيدون كل البعد عن الثقافة الديمقراطية؛ بالمال الفاسد وببعض الأعراف الاجتماعية الخاطئة.

فكرة المجلس الرئاسي فاشلة. في المرحلة الانتقالية القادمة التي يرجى أن تنتهي بإجراء الانتخابات -أرجو أن تتأخر الانتخابات فترة من الزمن إلى أن تتحقق جملة من الاشتراطات التي تهيئ الأرضية الضرورية لإجرائها- يجب أن نستبعد فكرة المجلس الرئاسي ونكتفي بمنح كل الصلاحيات التنفيذية لرئيس الحكومة أو يتم اختيار رئيس دولة مؤقت.