كتاب عربي 21

مواقف الأتراك من عملية طوفان الأقصى

يدعو الكاتب إلى تحرك عملي من جانب تركيا- جيتي (أرشيفية)
أطلقت المقاومة الفلسطينية، فجر السبت الماضي، عملية "طوفان الأقصى" التي فاجأت الجميع بمن فيهم الإسرائيليون، وقتلت عددا كبيرا من جنود الاحتلال، كما أسرت عشرات منهم خلال ساعات. وعلى إثر هذا النصر السريع، بدأ الطيران الإسرائيلي يشن غارات جوية على مناطق سكنية في قطاع غزة بشكل جنوني ودون تمييز، ليقتل مئات المدنيين بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء والشيوخ.

مواقف الأتراك من العملية تباينت منذ اللحظة الأولى ما بين مؤيد ومعارض، لتعكس حجم الانقسام والصراع الداخلي في البلاد، وسرعان ما تحولت إلى حرب دعايات بين مؤيدي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؛ تجري في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي.

الأغلبية الساحقة من الحسابات والشخصيات التركية التي أعلنت وقوفها إلى جانب إسرائيل واتهمت المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهاب"، هي ذاتها التي كانت وما زالت تحرض الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين، الأمر الذي يؤكد أن هؤلاء مشكلتهم في الأساس مع الإسلام والمسلمين، وأنهم يتسترون وراء القومية لإخفاء الحقيقة، ويختلقون أكاذيب لتشويه سمعة المقاومة الفلسطينية مثل ما يفعلون حين ينشرون أنباء كاذبة للتحريض ضد اللاجئين. كما أن اللافت في الموضوع أن هؤلاء يعادون التدين الإسلامي باسم العلمانية، ولكنهم لا يرون بأسا في دعم المتدينين من الصهاينة المتطرفين، ويتهمون جميع العرب بــ"الخيانة" بسبب عمالة الشريف الحسين للإنجليز، ولكنهم في ذات الوقت يوالون الإنجليز ولا ينتقدونهم بكلمة.

حرب الدعايات التي تجري على قدم وساق بين الداعمين للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي في حقيقتها امتداد لصراع الهوية التي تشهده البلاد منذ سقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، ويعبر كل طرف عن الهوية والتوجهات التي يتبناها من خلال مواقفه من ملفات وقضايا مختلفة كملف اللاجئين والقضية الفلسطينية وغيرهما
العنصريون المؤيدون لإسرائيل يرددون في دعاياتهم السوداء كأسطوانة مشروخة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وأن العرب طعنوا الدولة العثمانية في ظهرها، في إشارة إلى تحالف الشريف الحسين مع الإنجليز. ويرد عليهم الداعمون للمقاومة الفلسطينية قائلين إن الشريف حسين لا يمثل جميع العرب، كما يلفتون انتباه العنصريين العلمانيين إلى أن ملك الأردن عبد الله الأول، نجل الشريف الحسين، استقبله مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في إسطنبول بحفاوة خلال زيارته لتركيا عام 1937.

حرب الدعايات التي تجري على قدم وساق بين الداعمين للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي في حقيقتها امتداد لصراع الهوية الذي تشهده البلاد منذ سقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، ويعبر كل طرف عن الهوية والتوجهات التي يتبناها من خلال مواقفه من ملفات وقضايا مختلفة كملف اللاجئين والقضية الفلسطينية وغيرهما. ومن المؤكد أن هذا الصراع لن ينتهي بحل مشكلة اللاجئين وانتهاء الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الأتراك الإسلاميون والمتدينون تربوا منذ صغرهم على حب فلسطين وقضيتها العادلة، وهناك أبيات شعرية وأناشيد عن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى كانوا وما زالوا يرددونها. وبالتالي، فلا غرابة في خروج مظاهرات في جميع أنحاء تركيا للتضامن مع المقاومة الفلسطينية، كما أطلقت جمعيات خيرية ومنظمات للمجتمع المدني حملات لجمع التبرعات لإرسال مساعدات إنسانية إلى سكان القطاع. وإضافة إلى ذلك، تستعد أحزاب السعادة، والمستقبل، والدعوة الحرة "هدى-بار" لتنظيم مظاهرة مشتركة، يوم الأحد، في ميدان "يني كابي" بمدينة إسطنبول، للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، علما بأن حزبي السعادة والمستقبل من أحزاب تحالف الطاولة السداسية المعارض، وأن حزب الدعوة الحرة "هدى-بار" مؤيد للحكومة ودخل رئيسه ونوابه البرلمان ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية.

التصريحات التي سبق أن تم إطلاقها مئات المرات، سواء من قبل الزعماء السياسيين أو الناشطين، لن تردع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بعد حصولها على الضوء الأخضر ودعم لا حدود له من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولذلك، يجب أن تتحرك تركيا مع بعض الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم لزيادة الضغوط على إسرائيل
موقف الحكومة التركية من عملية طوفان الأقصى منسجم مع الخطوات الأخيرة التي تقدمت بها لترميم العلاقات التركية الإسرائيلية. وتبذل أنقرة جهودا دبلوماسية حثيثة لوقف الاشتباكات، والتوصل إلى تهدئة، وتخفيف التوتر في المنطقة، وتبدو حريصة على أن لا تتدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل كما تدهورت بعد حادثة الاعتداء على سفينة مرمرة عام 2010، وتريد أن تلعب -مع الدوحة والقاهرة- دور الوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان صرح في مؤتمر صحفي عقده، أمس الثلاثاء، مع المستشار النمساوي كارل نيهامر، في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، بأنه "لا يمكن للسلام الدائم أن يتحقق في الشرق الأوسط إلا من خلال التوصل إلى حل نهائي للمشكلة الفلسطينية الإسرائيلية، ولا بد من إقامة دولة فلسطين المستقلة والمتكاملة جغرافياً على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". كما أنه انتقد إرسال الولايات المتحدة إحدى حاملات طائراتها إلى إسرائيل، وصمت المجتمع الدولي أمام استهداف المستشفيات والمساجد في القطاع.

ولكن مثل هذه التصريحات التي سبق أن تم إطلاقها مئات المرات، سواء من قبل الزعماء السياسيين أو الناشطين، لن تردع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بعد حصولها على الضوء الأخضر ودعم لا حدود له من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولذلك، يجب أن تتحرك تركيا مع بعض الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم لزيادة الضغوط على إسرائيل كي تقبل وقف إطلاق النار وتسمح على الأقل بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع.

twitter.com/ismail_yasa