ملفات وتقارير

هل تكون تونس المحطة القادمة في التطبيع مع الاحتلال؟.. خبراء يجيبون

يرفض الشارع التونسي التطبيع مع الاحتلال وطالب مرارا بقانون يجرمه- جيتي
تزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن احتمالية التطبيع بين تونس ودولة الاحتلال، وذلك على خلفية مواقف ومتغيرات سياسية بدأت بالتكشف منذ موجة التطبيع التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية باسم "إتفاقيات أبراهام"، مرورا بتصريحات السفير الأمريكي لدى تونس المثيرة للجدل، وصلا إلى أصوات جزائرية حذرت من تطبيع تونسي.

وفتح اللقاء الأخير بين وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين، تساؤلات حول الدولة التالية التي ستدخل إلى خط التطبيع مع دولة الاحتلال.

ويأتي هذا النقاش بعد قرابة أربع سنوات على التصريحات الشهيرة للرئيس التونسي، قيس سعيد، التي أدان فيها التطبيع خلال حملته الانتخابية، ودعا إلى محاكمة كل من يطبع مع دولة الاحتلال، إذ شهدت هذه الفترة العديد من الأحداث والتحركات التطبيعية في تونس، سواء على مستوى الأفراد والشركات، وعلى أعلى مستوى حكومي وبرلماني.



وفي شباط/ فبراير الماضي، أثار السفير الأمريكي المعين حديثا لدى تونس، جوي هود، جدلا بتصريحاته التي قال فيها إنه سيدعم جهود تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال في المنطقة، مشيدا بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية” التي وقعتها بعض الدول العربية.

أما خلال الأيام الماضية دعا رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية، عبد القادر بن قرينة، في تصريحات له بلاده إلى "إبقاء عينها مفتوحة بعد الزيارات المشؤومة التي جرت مؤخرا إلى تونس المتوقع من خلالها أن يكون هناك تطبيعا بين تونس وإسرائيل".

ورغم تراجع بن قرينة، المشارك في الحكومة الجزائرية، عن هذه التصريحات وقوله إنها مرتبطة "برصد تصريحات من قيادات نقابية وشخصيات مقيمة في تونس تتكلم على تنامي أنواع من التطبيع".
 

من جانبه، قال المحلل والكاتب التونسي، صلاح الدين الجورشي إن هناك حالة من التناقض والتعارض في المؤشرات حول إمكانية التطبيع في تونس، مؤكدا: "من جهة هناك زيارات لمستوطنين بجوازات سفر إسرائيلية إلى تونس، ومن جهة أخرى هناك موقف رسمي معلن يرفض التطبيع ويعبره خيانة".

وكشف الجورشي لـ"عربي21" أن تونس تعيش حالة من "الضغوط بأشكال متعددة لجرها إلى مربع التطبيع"، مضيفا أن هناك وعيا وإدراكا أن هذا الأمر لا يجب أن تتورط فيه مؤسسة الرئاسة أو الحكومة.

أما المحلل السياسي، أكرم عطا الله، فقال إنه "من صعب الحديث عن اتجاه تونسي نحو التطبيع خوفا من رده الفعل الشعبية، وخصوصا بعد ما حدث في ليبيا التي أصبحت حاليا درسا يؤشر إلى المزاج العربي وتحديدا الدول المغاربية التي لديها لديها حاله شعبية رافضه أصلا لإسرائيل".

وأضاف عطا الله لـ"عربي21" أن تونس تتردد تجاه التطبيع لأن الأمر "يحتاج إلى عملية جراحية وليس من السهل على دوله مثلها أن تقوم بالتطبيع نظرا لوجود قوى سياسية حيه وأحزاب نشطه، إضافة إلى اتحاد الشغل التونسي الذي له موقف واضح من التطبيع".

ما وراء الضحكات؟
وأثار مقطع مصور ظهرت فيه رئيسة الحكومة التونسية السابقة، نجلاء بودن، وهي تتبادل الحديث والضحكات مع رئيس دولة الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، خلال التقاط الصور التذكارية لقمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ المصرية خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ضجّة في تونس، إذ بدت بمثابة سلوك تطبيعي.

وتسبب هذا الموقف بغضب واسع في الشارع التونسي، إلا أن الرد الرسمي الوحيد جاء عبر المتحدث باسم الحكومة التونسية، الذي قال "لم أشاهد صورة رئيسة الحكومة وهي تتحدث مع الرئيس الإسرائيلي على هامش قمة شرم الشيخ.. سيتم التثبت من الصورة ومن ثم التفاعل معها".


لكن مكتب رئاسة الاحتلال أصدر بيانا قال فيه: "عندما قدم الزعماء أنفسهم لبعضهم بعضا، كان رئيسا وزراء تونس ولبنان يقفان في مكان قريب وكان مفهوما أنهما لا يمكنهما الكلام.. والرئيس (هرتسوغ) التفت إلى القادة الواقفين إلى جانبه وقدم نفسه، كما تملي آداب السلوك".

وهذه المرة الثانية التي تتعرض فيها بودن لانتقادات تتعلق بالتطبيع، إذ أثارت صورتها في أيار/ مايو 2022، مع الإمام الفرنسي التونسي، حسن الشلغومي المعروف بـ”شيخ التطبيع” خلال موسم الغريبة، جدلا واسعا في البلاد.

ويشغل الشلغومي، منصب رئيس منتدى أئمة فرنسا، حيث اشتهر بمواقفه الداعمة للاحتلال، ويوصف بأنه من أهم الشخصيات الداعية للتطبيع.



ووصف المحلل الجورشي أن الموقف الحالي في تونس تجاه التطبيع بأنه "مشي على هامش خط التطبيع".

بينما يرجح عطا الله أن تصريحات الرئيس التونسي الشهيرة الرافضة للتطبيع كانت عن قناعة، "إلا أنه نادم عليها.. لا أقول إنه لديه رغبة بالتطبيع، لكن التصريحات هي التي تمنعه".

"ليست عدوا"
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، خرج  وزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيّس، قائلا إن "بلاده لا تعتبر إسرائيل عدوا لها.. تونس لا عدو لها"، مطالبا الدبلوماسيين التونسيين بتوضيح هذا الموقف "عدونا هو الاحتلال والاستعمار وسياسة التمييز العنصري".

وأضاف أن "تونس كانت أول دولة عربية اعتبرت أن أسلم السياسات هي التفاوض مع إسرائيل على أساس قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة"، موضحا أن "تونس كانت دائما ضد الاستعمار والتمييز، وإذا غادرت إسرائيل الأراضي الفلسطينية وتوقفت عن التمييز لن تكون عدوا لنا".




وتسببت هذه التصريحات أيضا بموجة غضب في تونس، وصلت إلى مطالبة رئيس حزب المجد التونسي، عبد الوهاب الهاني، للرئيس أن يسحب جواز سفر ونيّس الدبلوماسي، وأن يأمر وزيرة العدل بفتح تحقيقا ضده.

وعن عدم اتحاذ السلطات لأي إجراءات ضد شخصيات قامت بأفعال تطبيعية، قال الجورشي إن تونس "تتجنب اتخاذ إجراءات صارمة أو رديكالية ضد شخصيات سياسية ودبلوماسية أقدمت على خطوات جدلية متعلقة بالتطبيع في المحافل الدبلوماسية"، مؤكدا أن هناك "سيولة وتساهل في ذلك ببعض الأحيان".

وبهذا يقول المحلل عطا الله: "علينا أن نرى ما حدث في ليبيا وهروب وزيرة الخارجية بعد لقاء نظيرها الإسرائيلي لندرك أن هذا ربما يخرب على موضوع التطبيع وعلى أي دول أخرى راغبه بالقيام بعملية التطبيع.. هذا يفشل أي تقارب أو بفرمله أو يجعله خارج المزاح العام".

جزيرة جربة
وطالما كان دخول اليهود إلى تونس من حج الغريبة، وهو مناسبة دينية يهودية يؤدي خلالها اليهود الحج إلى معبد الغريبة في جزيرة جربة جنوب تونس، من خلال جوازات سفر تونسية أو أوروبية، إلا أن موسم 2022 شهد وجود إسرائيليين في مطار تونس قرطاج وتجميع جوازات سفر إسرائيلية من قبل دليل سياحي.

وسبق ذلك إقدام وكالات سفر على إعلان رحلات مباشرة من مطار بن غريون الإسرائيلي إلى مطار تونس قرطاج، حيث نشر إسرائيليون صورا لهم أثناء جولات سياحية بتونس.



وأدان الشارع التونسي هذه الحادثة، مؤكدا تمسكه بالموقف الثابت في رفض التطبيع، كما أصدرت العديد من الأحزاب السياسية مواقف رافضة.



تجريم "معطل" للتطبيع
وفي مطلع آب/ أغسطس الجاري، أعلن البرلمان التونسي، بدء لجنة الحقوق والحريات دراسة مقترح قانون يطالب بتجريم التطبيع مع الاحتلال، إذ قدمت اللجنة "قراءة أولية بخصوص أهمية مشروع القانون بالنسبة للشعب التونسي، ومساندته غير المشروطة للقضية الفلسطينية العادلة"، بحسب وكالة الأناضول.

وتتعدد المبادرات في تونس منذ 2011، للمطالبة بسن قانون مماثل، إلا أنها لم تمر للتفعيل أو حتى تتبنها كتل برلمانية معينة.

ويذكر أنه في أواخر 2015، قدمت كتلة الجبهة الشعبية بالبرلمان التونسي مشروع قانون لتجريم التطبيع، إلا أنه لم يمرر للمصادقة عليه أبدًا في جلسة عامة.

وفي 2018، كان البرلمان قد أعلن "لجنة القدس وفلسطين"، وأدان حينها تطورات الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من اعتداءات لقوات الاحتلال، إلا أنه حتى لم تعلن معلومات ثابتة عن أنشطة اللجنة.

وجرى تقديم مشروع قانون آخر لتجريم التطبيع في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وذلك على خلفية إعلان الإمارات والسودان والمغرب تطبيع العلاقات مع الاحتلال، إلا أن القانون أيضا لم يرَ النور.

أما في تموز/ يوليو 2023، فقد شهر تقديم كتلة "الخط الوطني السيادي" في البرلمان التونسي، مقترح قانون لتجريم التطبيع، في ثالث مقترح من نوعه الذي يعرض على البرلمان.

ويذكر أنه في آب/ أغسطس 2022، شددت وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية على التزامها بأحكام المقاطعة العربية للاحتلال وفق مبادئ جامعة الدول العربية، وذلك ردا على ما تتداوله تقارير ومواقع إخبارية عن إجرائها مبادلات تجارية مع "إسرائيل".

ويقول المحلل الجورشي إن "الأطراف السياسية في تونس يبدو أنها لا تريد وتحذر من أن تدفع بالمؤسسة التشريعية لإصدار قانون يعتبر التطبيع جريمة، وهذا الحذر يلازم القوى السياسية منذ حركة النهضة وحتى الآن".



وذكر أن حركة النهضة كانت في موقف قوي، إلا أنها كلما طرحت فكرة التطبيع كانت ترفضه، لكنها لم تتحرك بشكل فاعل لإقرار تشريع وقانون يجرم التطبيع.

وأشار الجورشي أن هذا الموقف قد يكون "لتجنيب تونس ضغوطا يمكن ألا تحتملها، وهذا موقف يبدو أنه متفق عليه ضمنيا من جميع القوى السياسية في البلاد".

شبهات تطبيع
وفي وقت لم يتم المصادقة فيه على أي مقترح قانون لتجريم التطبيع، صادق الرئيس التونسي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، على ما يسمى "الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط المعتمد بمدينة مدريد وهو بروتوكول متعلق بحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية في بحر المتوسط.

وأصبحت تونس بعد هذه المصادقة عضوة في إطار إقليمي واحد مع دولة الاحتلال ومجموعة من الدول الأخرى، رغم أن دول مثل مصر والجزائر وليبيا وتركيا رفضت سابقا الانضمام لهذا البروتوكول.



وبهذا يقول، الجورشي إن هذا الموقف التونسي الحالي من التطبيع قد يكون "لتجنيب البلاد ضغوطا يمكن ألا تحتملها، وهذا موقف يبدو أنه متفق عليه ضمنيا من جميع القوى السياسية في البلاد.. هناك شعار وهناك وتجنب إصدار في نفس الوقت".

وأوضح أن الضغوط التي تتعرض لها تونس تتمثل بالاتحاد الأوروبي الشريك الأوسع لتونس، والذي يحاول جر البلاد نحو التطبيع، إضافة للولايات المتحدة وموقف السفير الذي أعلن صراحة أنه يعمل على دعم التطبيع، وهي تصريحات اعتذر عنها لاحقا بسبب اعتبارها تدخلا في شؤون داخلية.

كما يقول المحلل أكرم عطا الله بذات الشأن: إن "تونس بالتأكيد تتعرض لضغوطات.. وكل الدول العربية تتعرض لضغوطات، كما أن الولايات المتحدة نفسها تضع هذا الموضوع أولوية بالنسبة لها، هناك ضغوطات ماليه واقتصاديه ودبلوماسية، وتونس تتعرض لشتى أنواع الضغوطات".

وأضاف "من الصحيح أن تونس وضعها الاقتصادي صعب، ومع ذلك الأمور ليس بالشكل الذي تتبناه إسرائيل أو الولايات المتحدة على الأقل".

يذكر أن العديد من التونسيين يطالبون الرئيس سعيد بالوفاء لشعاره الشهير "التطبيع خيانة عظمى"،  الذي كرره في أيار/ مايو 2021 خلال تصاعد العدوان على قطاع غزة قائلا: “أكره كلمة تطبيع. فليس وضعا طبيعيا أن تكون تحت الاحتلال وكذلك أن تكون لك علاقات مع المحتل. كل دولة حرة في اختياراتها ولكن القضية تتعلق بالخيانة والتنكر للحق المشروع للشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته (…) وإنكار الحق الفلسطيني هو خيانة عظمى”.

وشاركت تونس في حزيران/ يونيو الماضي، في النسخة 19 من مناورات "الأسد الأفريقي" بحضور من كيان الاحتلال ممثلا بوفد من 12 جنديا وقائدا من لواء غولاني سيء السمعة.

إضافة إلى ذلك، شارك أساتذة تونسيون، يدرّس أغلبهم بالجامعة التونسية، إلى جانب أكاديميين من دولة الاحتلال، في ملتقى بفرنسا تحت عنوان” اليهود والقانون في تونس من الحماية إلى الاستقلال (1881-1956) بين التقدّم التاريخي والارتداد الديني”، بتنظيم جمعية فرنسية تُدعى بـ "تجمّع تاريخ يهود تونس".

وعقب هذه المشاركة، وقّعت منظمات وجمعيات غير حكومية تونسية على عريضة ترفض التطبيع الأكاديمي، مؤكدة أن ذلك يأتي بسبب "المساهمة بعدم الاستجابة لمطالبة التونسيّين المستمرة منذ عقود بإصدار قانون يجرم كافة أشكال التطبيع".

حملات شعبية
في غضون ذلك، تستمر الفعاليات والحملات الشعبية الرافضة للتطبيع والمطالبة بتجريمة، ولعل أبرزها كانت حملة #جرّموا_التطبيع_إن_كنتم_صادقين، التي انشطت في أيار/ مايو 2022، وتضمنت حراكا ميدانيا أمام القصر الرئاسي في قرطاج.