آراء ثقافية

دراما الورش: كثير من المشاكل.. قليل من الجودة

عرفت الدراما المصرية الكتابة الجماعية في وقت متأخر
لم يكتب فينس جليجان سوى 13 حلقة لمسلسله الشهير "Breaking Bad" حيث اشترك في كتابته ثمانية آخرون، فيما عاون سبعة عشر كاتبًا ديفيد تشايس لإخراج الأيقونة التليفزيونية الموازية لعراب ماريو بوزو آل سوبرانو، وكان صراع العروش بعوالمه الواسعة وأحداثه الكثيفة خلاصة حبر ثمانية أقلام.

هكذا، تستمر في الخروج للنور أغلب أعمال الدراما الناجحة عالميًا من مكان اسمه "غرفة الكتابة" التي يملكها كل ستوديو من الستوديوهات الكبرى مثل "HBO" و"AMC" التي توازي ما نعرفه في الدراما المصرية باسم "ورشة الكتابة" وإن كانت أكثر تنظيمًا ومأسسة.

بداية متعثرة
عرفت الدراما المصرية الكتابة الجماعية في وقت متأخر، حيث ارتبطت أشهر وأنجح مسلسلات التلفزيون بأسماء كتاب نجوم، كأسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبد القوي ووحيد حامد وغيرهم. ربما يرجع ذلك إلى مقاومتهم لذلك الشكل من الكتابة، التي تجلت في هجوم عكاشة عليها بدعوى فتحها الباب لأن يقتات المؤلفون على ما ينتجه صغار الكتاب، وما يمكن أن  يترتب على ذلك من نزاعات وخصومات، فمناخ الدراما المصرية يختلف عن المناخ الذي ساعد في نجاحها في الغرب.

لم يختلف موقف وحيد حامد كثيرًا، كان متشددًا أيضًا في رؤيته لورش الكتابة كبدعة تقتل الإبداع الفردي وأصالة الفكرة التي تعبر عن كاتبها ورؤيته. لكن حامد وعكاشة، وإن صحت أجزاء من كلامهما، كانا يعبران عن صوت جيل يأفل ويواجه صناعة تلفزيونية تُعيد تشكيل نفسها لتواكب المتغيرات الثقافية، ومتطلبات وذائقة الجمهور الذي كان متحمسًا للتجديد والتجريب، واستقبل تجربة الورش بحماس كبير عززته التجارب الواعدة التي شكلت ورشة "سرد" بدايتها.

تجارب ناجحة
تأسست ورشة "سرد" عام 2016 على يد كاتبة السيناريو مريم نعوم، وقدمت العديد من الأعمال الشهيرة منها "ليه لأ"، و"سقوط حر"، و"خلي بالك من زيزي"، وآخرها "الهرشة السابعة". وتميزت كتابتها بوضوح الرؤية وتماسك البناء. وعكس إنتاجها رؤية نعوم للمجتمع التي ظهرت من قبل في أعمالها المنفردة مثل "ذات"، و"سجن النسا"، و"موجة حارة"، وهي الرؤية المعنية بمناقشة قضايا اجتماعية تخص المرأة وآمالها وإخفاقاتها ومظالمها في مختلف الطبقات الاجتماعية.

ربما لا يتحقق ذلك في أعمال ورشة "سرد" وآخرها "الهرشة السابعة"، والتي ظهرت وكأنها منفصلة عن الواقع الذي يعيشه القطاع الكبير من الجمهور المصري، حيث لا تملك غالبيته رفاهية لعب الـ"paddle" والذهاب للثيرابيست لمناقشة المشاكل العاطفية. لكنها نجحت في الآن ذاته في الوصول إلى قطاعات كبيرة من مختلف الطبقات بتركيزها على العلاقات الإنسانية والعاطفية، فهي لغة تتجاوز الطبقة.

ارتباط تجربة "سرد" باسم مريم نعوم جعلها قادرة على تقديم إسهامات ناجحة في الدراما المصرية. ربما لم يحالف الحظ تجارب أخرى لم يترأسها اسم كاتب لامع، فظهر ما أُطلق عليه "كتابة الترزية"، وهي الكتابة السريعة غير المتأنية التي تنتجها الرغبة في إثبات الحضور في السباق الرمضاني، كتابة تحت اسم ورشة دون توضيح المشاركين فيها فيتفرق دمها، فلا تجد من تثني عليه أو تنتقده.

رحابة الكوميديا
يظهر ذلك الشكل بقوة في الكتابة الكوميدية التي تفتح مساحة واسعة لنجاح الكتابة الجماعية، كما حدث مع "سيتكوم" "راجل وست ستات" و"تامر وشوقية" وغيرهما. فالمسلسلات الكوميدية بطبيعتها تُركز على كوميديا قائمة على المبالغة في المواقف ولامنطقية الأحداث، أكثر من التركيز على رسم الشخصيات وتطورها، والبناء الدرامي وتسلسله المنطقي.

لذلك فبينما تعاني المسلسلات الدرامية أحيانًا من مشكلة الكتابة الجماعية التي تظهر في فجوات درامية ومنحنيات أُغفلت في تطور الشخصية، تصبح الكوميديا ملعبًا صالحًا للكتابة الجماعية حيث يتقاذف المشاركون النكات فيما بينهم ليخرج إلينا المشهد مضحكًا دون قصد آخر، وقد ظهر هذا في مسلسلات مثل "الصفارة"، و"تامر وشوقية"، و"راجل وست ستات"، و"جت سليمة"، و"الباب في الباب".

ورش الأشباح
تلك الرحابة الكوميدية المشجعة على النجاح لم تتسع لمحمد سعد، الذي قدم لنا "إكس لانس" من خلال ورشة "بلاك هورس"، التي غابت أسماء المشاركين فيها عن تترات المسلسل والإنترنت، إذ يقف جوجل عاجزًا أمام إظهار نتائج مفيدة حين تسأله عن ورشة "دراماتورجي"، أو ورشة "بلاك هورس"، أو ورشة "ملوك". وكأنك تكلفه بمطاردة أشباح.

ورشة "بلاك هورس" على سبيل المثال، لم تُظهر نتائج البحث عنها سوى صفحة فقيرة المعلومات على موقع السينما، ولم يُشر الفنان محمد سعد على صفحته على "فيسبوك"، ولا مخرج العمل إبرام نشأت إلى أيٍ من أسماء المشاركين في الورشة.

في حين بقيت ورشة "ملوك" دون مرجعيات على الإنترنت، دون صفحة على موقع السينما أو السوشيال ميديا. أنتجت ورشة "ملوك" مسلسل "الأجهر"، ومن قبله "توبة" للفنان عمرو سعد، مؤسسها ومالكها. وتنحصر المعلومات المتاحة عنها في ما يقوله المشرف على الكتابة بها أحمد حلبة في أحد حواراته بأنها ليست ورشة هواة كما يعتقد البعض، يشاركه الكاتب محمد فوزي، والكاتب أحمد بكر، ولكلٍ منهم إسهاماته التي نالت العديد من الجوائز من قبل، وهم يعملون معًا في حالة من الانسجام التام.

وتزداد صعوبة البحث عندما نفتش عن ورشة "دراماتورجي" التي كتبت مسلسل "بابا المجال" تحت إشراف الكاتب محمد الشواف، فلا يأتي ذكرها في أي حوار للفنان مصطفى شعبان أو كاتب المسلسل بحد ذاته، ولكن يظهر اسمها على صور أفيش العمل وكأنها وضعت للترويج لمسلسل ليتماشى مع موضة "الورش".

تبدو تلك الورش الشبحية أشبه بعروسة الماريونيت ذات الخيوط التي يتحكم فيها شخص ما، فمحمد سعد يشتهر بنزاعاته مع المخرجين والمنتجين لفرض رؤيته على العمل، وهو ما حدث في مسلسل "إكس لانس"، إذ أدى النزاع بينه ومخرج العمل إلى ترك الأخير المسلسل في أيام التصوير النهائية. وحين نشاهد العمل نجد أنفسنا أمام مسلسل كُتب ليناسب ارتجالات سعد التي تبتعد عن الأحداث وتفسح المجال لشخصية الحناوي التي قدمها من قبل في فيلم "كركر".

وبالنظر إلى حالة مسلسل "الأجهر"، ومسلسل "بابا المجال"، يظهر الشك في كونها كتابة ترزية حيكت من أجل بطل العمل، وليس عملًا أصليًا كُتب للبحث عن الأصلح لتجسيده. إذ التزمت تيمات المسلسلين بعالم "الشبحنة" الذي قدمه عمرو سعد ومصطفى شعبان معًا في مسلسل "ملوك الجدعنة" في 2020، ثم انفصلا ليقدم كل منهم تجسيده المنفرد لـشبح الحارة الذي يتسيد عالمه ويحقق انتقامه، وإن كان مسلسل "الأجهر" وسع من نطاق "الشبحنة" ليشمل مغامرة عمرو سعد في تجارة الألماس في قارة أفريقيا.

مشاكل الملكية الفكرية
تفتح مجهولية تلك الورش وكُتابها جدلًا أخلاقيًا آخر عن الحق الأدبي والمادي للكتاب. وإذا عُدنا إلى نموذج "غرفة الكتابة" الأمريكي، نجد أن تتر بداية كل حلقة يحمل اسم كاتبها إلى جانب اسم صاحب القصة الأصلي، كما أن موسم جوائز المسلسلات دائمًا ما يبرز الكُتاب بتخصيص جائزة لكتابة الحلقات، بخلاف فرع تكريم السيناريو الأصلي للمسلسل، وهو مظهر من مظاهر مأسسة غرفة الكتابة وسر نجاحها. ولكن آفة حارتنا هي اختلاط الحابل بالنابل، فيتحول كل موسم رمضاني إلى ساحة لنزاعات الملكية لم تسلم منها حتى الورش الناجحة. مؤخرًا، أثارت ورشة "سرد" جدلًا حين طُرح البوستر الأول لـ"الهرشة السابعة" ولم يُذكر سوى اسم ورشة "سرد" تحت خانة تأليف المسلسل.

وهو الأمر الذي سرعان ما تغير ونُشرت بوسترات للمسلسل تحمل اسم دينا نجم كمشرف على الكتابة. ولكن الجدل استمر مع عمل آخر حين نشرت المؤلفة منى الشيمي تدوينة تعبر عن استياءها فيه من الخلط الذي قامت به منصة "شاهد" حين نسبت مسلسل "الهرشة السابعة" لها.

وحين يتعلق الأمر بالحقوق فلورشة "سرد" سابقة، حيث اتُهمت مريم نعوم وورشتها من قبل بسرقة فكرة مسلسل "ليه لأ" من الروائية سمر نور، والتي قدمت لها الفكرة في مسابقة للورشة عام 2016 ورُفضت، وهو الأمر الذي دعى نقابة المهن السينمائية للتحقيق في الموضوع.

ولكن القضية الأهم كانت للمؤلفة رشا عزت الجزار، التي اتهمت صناع وكُتاب مسلسل "جت سليمة" بسرقة مشروعها الفيلمي الذي يحمل نفس الاسم، وانضمت لها روان أبو خشم مؤلفة رواية "فاكيت أفريب" التي ادعت أن هناك أحداثًا في المسلسل مسروقة من روايتها نسبها صناع المسلسل لأنفسهم.

جرت العادة أن يصطدم ذلك الجدل في النهاية بجدار توارد الأفكار، وربما سيظل الجدل موجودًا وبقوة مع كل نجاح لعمل درامي يخرج تحت مظلة الورش إلى أن يتم وضع ضوابط تحكم العملية الإبداعية، تلزم المنتجين بكتابة أسماء المشاركين في العمل على التترات كخطوة أولى.