سياسة دولية

هل شكلت السلطة الفلسطينية تحديا سياسيا وأمنيا لدولة الاحتلال؟

شرعية السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن باتت في نقطة الحضيض لدى الرأي العام - الأناضول
نشر معهد بحوث الأمن القومي مقالا بعنوان "إسرائيل وتعزيز السلطة الفلسطينية – جوهر صندوق المعضلة"، جاء فيه أن السلطة الفلسطينية منذ ثلاثة عقود تشكل تحديا سياسيا وأمنيا لدولة الاحتلال.

ورأى المقال أن السلطة الفلسطينية شكلت مرحلة في الطريق لدولة مستقلة، مشيرا إلى أن كلا من قيادات الاحتلال والسلطة يعتبر أن الوقت يعمل لصالحه بعد سلسلة من المفاوضات والمبادرات السياسية الفاشلة.

وفيما يلي النص الكامل للمقال الذي كتبه كل من كوبي ميخائيل، وتمير هايمن، واوري فيرتمان:

رغم الأمل في أوساط إسرائيليين وفلسطينيين -وهذا صحيح حتى نيسان 2023- وجدت العملية السياسية نفسها في طريق مسدود، وهذا تقريباً منذ ثلاثة عقود بعد إقامتها وبعد سلسلة من المفاوضات والمبادرات السياسية التي فشلت، وبات كل واحدة من قيادات الطرفين تؤمن بأن الوقت يعمل لصالحها، وغابت محفزات حقيقية باتجاه اتفاق دائم وانعدام القدرة السياسية على قيادة خطوات سياسية مهمة على أساس تنازلات تاريخية. بموازاة ذلك، ولأسباب يمكن ربطها بالطريق المسدود السياسي، وفي الانقسام ما بين حماس وفتح، فإن اختيار إسرائيل للحفاظ على الانفصال بين كلا الكيانين الفلسطينيين مع استيعاب حماس وكذلك السلطة الفلسطينية المسؤولة عن إدارة الحياة اليومية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، تفقد من قوتها؛ فقد تآكلت المكانة العامة وهي موجودة في مسار متواصل ومتدهور ربما ينتهي بانهيارها.

أولاً، السلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها لا يحكمون أجزاء من المنطقة الواقعة تحت مسؤوليتهم حيث منظمات محلية، إلى جانب منظمات الإرهاب المعروفة، تنجح في توسيع الصفوف والبنى التحتية للإرهاب في نفس المناطق من أجل القيام بعمليات إرهابية ضد الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين في مناطق "يهودا والسامرة" وفي إسرائيل.

إن محاولة ربط الأسباب لذلك بالنشاطات العسكرية الإسرائيلية في مناطق "أ" وفي تشكيل الحكومة الحالية، لا يقنع بما يكفي نظراً لأن ضعف السلطة الفلسطينية في القطاعات الشمالية، مع التأكيد على محافظة جنين، يعتبر حقيقة واقعة منذ سنتين، والذي عرف رفاهية وازدهاراً اقتصادياً، ومكن منظمات الإرهاب من تشكيل تنظيمات محلية في منطقة العملية. كل هذه تعزز الادعاء بأن الواقع في مناطق السلطة الفلسطينية يشير إلى دلائل واضحة من الفشل السياسي مثل ظواهر معينة في دول فاشلة ومنهارة في الشرق الأوسط بعد هزة الربيع العربي.

ثانياً، شرعية السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن باتت في نقطة الحضيض لدى الرأي العام الفلسطيني، حيث تمسكه بمقاومة الإرهاب واستمرار التنسيق الأمني، تعتبر أموراً ليست ذات صلة، وأنها لا تخدم أو تدفع قدماً بالمصالح الفلسطينية، ولهذا فهو غير شرعي.

نتائج الاستطلاع الربعي لخليل الشقاقي، الذي يتناول حزيران 2023 تشير إلى أن معظم الجمهور الفلسطيني يعتقد بأن السلطة الفلسطينية تشكل عبئاً على الشعب الفلسطيني (63 في المئة مقابل 33 في المئة)، ويعبر عن عدم رضاه من أداء أبو مازن (80 في المئة مقابل 17 في المئة)، ومن جانب آخر، لا يتم تشخيص تنظيم شعبي أو سياسي لعزله فعلياً.

علاوة على ذلك، معظم الجمهور يعتقد بأن مصلحة الشعب الفلسطيني هو حل السلطة الفلسطينية (50 في المئة مقابل 46 في المئة) وأن بقاءها ليس سوى مصلحة إسرائيلية (63 في المئة مقابل 34 في المئة). بالإضافة إلى ذلك، فإن الجمهور الفلسطيني يؤيد إقامة تنظيمات مثل "عرين الأسود" والذين لا يمتثلون لتعليمات السلطة الفلسطينية (71 في المئة مقابل 23 في المئة) ويعارض دعوة السلطة الفلسطينية لتلك التنظيمات بالتجرد من سلاحها (80 في المئة مقابل 16 في المئة).

هذه الأرقام تثبت جيداً أن الجمهور الفلسطيني قد مل من السلطة الفلسطينية ويرى فيها جهازاً إسرائيلياً لتخليد الاحتلال، وأنه يرى في التنظيمات المسلحة وفي الكفاح المسلح وليس في السلطة الفلسطينية وعملية المفاوضات، آلية وأسلوب لاستمرار النضال ضد الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. تأثير المرآة يمكن تشخيصه أيضاً في الجانب الإسرائيلي، حيث يؤمن معظم الجمهور بأن السلطة الفلسطينية لم تعد شريكاً، وأنه في حالة قيام دولة فلسطينية فإنها ستتحول إلى دولة إرهاب معادية لإسرائيل.


فعلياً، انعدام الثقة بالسلطة عميق جداً إلى درجة أن الجمهور الفلسطيني والذي في أغلبه يقدر اندلاع انتفاضة ثالثة (51 في المئة مقابل 45 في المئة) يعتقد في غالبيته أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لن تشارك فيها؛ (62 في المئة مقابل 33 في المئة). الجمهور الفلسطيني أيضاً لم يعلق آماله على مساعدة خارجية، ولهذا يعتقد بأن الخلاص لن يأتي من السلطة الفلسطينية ولا من الدول العربية وبالتأكيد ليس من إدارة بايدن. كما يبدو، يدرك الجمهور الفلسطيني أن مصيره بيديه.

ثالثاً، في وقت لا تلوح في الأفق أي عملية سياسية، يزيد الجمهور الفلسطيني تطرفاً في مواقفه ويبتعد عن الرؤيا المرتبطة بفكرة الدولتين وعملية سياسية مع إسرائيل. أكثر من أي وقت آخر (وهنا يمكن تشخيص تأثير المرآة في أوساط الجمهور الإسرائيلي).

استطلاع الشقاقي في حزيران 2023 يشير أن معظم الجمهور الفلسطيني يعارض فكرة الدولتين (70 في المئة مقابل 28 في المئة) ويعتقد أنها غير قابلة للتحقق (71 في المئة مقابل 28 في المئة). وكذلك، فإن 52 في المئة من الجمهور الفلسطيني يعتقد أن المقاومة المسلحة هي أسلوب العمل المفضل لتحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية، مقابل 21 في المئة فقط يعتقدون أنه يجب العمل بواسطة مفاوضات سياسية. لهذا ليس من المفاجئ أن يؤيد معظم الجمهور الفلسطيني العمليات الإرهابية داخل إسرائيل ضد المواطنين (57 في المئة مقابل 38 في المئة). رواية المقاومة المسلحة تتغذى أيضاً من عمليات تلقين وتنشئة اجتماعية تقودها السلطة الفلسطينية في إطار المنهاج الدراسي، بتحريض ممنهج لزعماء فلسطينيين بواسطة وسائل الإعلام وبالوعظ في المساجد وفي دفع الأموال للأسرى الأمنيين وعائلات الإرهابيين، الذين تحولوا إلى "شهداء" ورموز وطنية فلسطينية.

في الوقت نفسه، منظومة الإرهاب التي تعيشها إسرائيل منذ آذار 2022 واستمرار عملية "كاسر الأمواج" التي بدأت في أيار 2022، تغذي هي أيضاً رواية المقاومة المسلحة وخلقت واقعاً من الاحتكاك المتواصل والمتزايد، يقود بدوره إلى عدد إصابات مرتفع في الجانب الفلسطيني. منظومة الإرهاب هذه تحث على العمل، وآخذة في الاتساع مع انضمام شبان عديدين فقدوا منذ فترة ثقتهم بالسلطة الفلسطينية، وملوا من النظام القائم ويعملون للتغيير بواسطة مقاومة مسلحة على قاعدة إقامة تنظيمات محلية والتي لا تنتمي بالضرورة إلى منظمات الإرهاب الفلسطينية المعروفة، ولكنها بالتأكيد مدعومة من قبلها.

الاحتكاك اليومي يخلق كل يوم أبطالاً فلسطينيين يتحولون إلى رموز وطنية، والذين يغذون منسوب الدافعية لشبان آخرين للانضمام إلى دائرة الإرهاب والمقاومة. في اختبار النتيجة، بعد عام تعيشه إسرائيل في منظومة الإرهاب، تبين أن عدد الفلسطينيين الذين يشاركون فيها ليس كبيراً، ومنسوب دافعيتهم ارتفع، وحجم الإرهاب اتسع، وحجم عمليات أجهزة الأمن الفلسطينية آخذ في الاتساع. الواقع الأمني يتحول إلى واقع معقد وخطير أكثر، واحتمالية اشتعال واسع هي أعلى.


مغازي ضعف السلطة الفلسطينية
النتيجة المطلوبة من هذه البيانات، بالأساس عندما نحلل نتائج الاستطلاع على خلفية التصعيد الشديد في عيد الفصح الماضي (أبريل 2023) والشعور الذي يترسخ في أوساط حماس و"حزب الله" وإيران، هو أن إسرائيل اليوم في نقطة انكسار وضعف، وأن بالإمكان العمل ضدها من عدة جبهات في الوقت نفسه، وهو ما زاد معقولية اندلاع العنف متعدد الساحات وتوسيع نطاقه، والذي سيشكل تحدياً كبيراً على الأمن الوطني لإسرائيل.

إن منح الضعف المتواصل للسلطة الفلسطينية وقدرتها المحدودة جداً على تخفيف التصعيد على الأرض، يطرح سؤالاً فيما يتعلق بدرجة التأثير الذي قد تكون لسلطة فلسطينية أقوى، حيث المسلمة المقبولة في المؤسسة الأمنية أن سلطة قوية أكثر وتقوم بدورها، إنما تخدم المصلحة الإسرائيلية وتساهم في التهدئة والاستقرار الأمني. افتراض أن الإجابة على سؤال: كيف بالإمكان تعزيز السلطة الفلسطينية وماذا يمكن أو يجب أن تكون مساهمة إسرائيل في هذه الغاية؟ فهذا لا يشكل في حالة تعزيزها خياراً واقعياً في الواقع الحالي، سواء لأسباب سياسية داخلية إسرائيلية أو لأسباب مرتبطة بالساحة الفلسطينية وبقيادتها، أما بافتراض أن استمرار ضعف السلطة سيسرع التدهور الأمني، فيجب فحص سبل تمنع إضعاف السلطة الفلسطينية أو اختيار تنفيذ خطوة أحادية الجانب بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبدعمها.

كما قلنا، يعرف جهاز الأمن كما يعرف التيار الرئيسي في المستوى السياسي بقيادة رئيس الحكومة، أن لإسرائيل مصلحة واضحة في وجود سلطة فلسطينية قوية وتقوم بدورها، بحيث تستطيع أن تحكم بفعالية وتوفر حاجات السكان المحليين، وتعمل لاجتثاث الإرهاب، وتعمق التعاون الأمني وتتمسك بالحوار وبالسعي لاتفاق سياسي. من الجانب الآخر، للحكومة والائتلاف الحالي جهات لا تريد فقط سلطة فلسطينية قادرة على القيام بدورها وقوية باعتبارها حاجة استراتيجية لإسرائيل، إنما يعمل هؤلاء بهدف متعمد وبضغوط سياسية إلى جانب تشجيع مبادرات على المستوى الميداني، لتعميق السيطرة الإسرائيلية على مناطق "ج" وتغيير الوضع الراهن في القدس إلى جانب المطالبة بنشاطات حثيثة وأكثر عنفاً ضد الإرهاب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، التي ينظر لها بنظرهم كجسم مؤيد للإرهاب. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، فإن التصعيد وتجديد التوتر سيقود إلى تعميق الفوضى في مناطق السلطة الفلسطينية وإلى إضعافها بصورة سترسخ تبرير توسيع المستوطنات الإسرائيلية، والذي سيقتضي سيطرة إسرائيلية جديدة على مناطق الضفة الغربية بصورة ستدفع كل احتمالية للتوصل إلى اتفاق إلى فضاء عدم المعقولية.

بهدف منع انهيار السلطة الفلسطينية، فقد سمعت مرات عديدة نداء بأن على دولة إسرائيل العمل لتعزيز السلطة الفلسطينية وتتخذ خطوات تساعد في ترميم أجهزة أمنها وتطوير الاقتصاد الفلسطيني. بيد أنه من المهم التأكيد أن إسرائيل والقيادة الفلسطينية لا ترى بنفس النظرة أهمية سلطة فلسطينية قوية. في حين أن التأكيد الإسرائيلي هو بخصوص أداء السلطة والتمسك بعملية سياسية على قاعدة مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فإن القيادة الفلسطينية تريد سلطة قوية ليست فقط لغايات أداء متطور، بل من أجل تعزيز السيطرة السياسية والمدنية على ظروف غياب الشرعية – المحافظة على مبنى القوة القائم مع تفضيل واضح للقيادة القائمة ولمقربيها والحاجة إلى تحسين قدرات النفوذ في الساحة الدولية بصورة تضاعف فعالية استراتيجية التدويل. هذا في خلاف مطلق مع الرؤيا الإسرائيلية المعروفة في نظرهم كاستراتيجية شرعية ومفضلة، والتي هي ليست عنيفة أو تفسر كداعم للإرهاب. في النقطة الزمنية الحالية حيث حماس المدعومة من "حزب الله" وإيران تتحدى السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتحسن قدرات إرهابها، وتعمق سيطرتها على مناطق السلطة الفلسطينية وتشجيع استغلال الحرم كصاعق يحدث تصعيداً متعدد الساحات، تتحول مسألة تعزيز السلطة الفلسطينية إلى أكثر تعقيداً ومشروطة بالضرورة بسياسة إسرائيلية تجاه حماس. من الواضح أن كل خطوة إسرائيلية لتعزيز السلطة الفلسطينية يجب أن تبدأ بإضعاف حماس نظراً لأن فكرة تعزيز السلطة الذي سيقود بدوره إلى إضعاف حماس، لم يعد ساري المفعول في ظل الظروف الصعبة القائمة.

خطوة كهذه هي عملية عسكرية تشكيلية يجب أن تخدم هدفاً سياسياً أوسع، هدفاً يقود إلى عودة السلطة إلى السيطرة الفعالة على كل محافظات السلطة، بما في ذلك تعزيز أجهزة الأمن بخطوات تأهيل في الأردن وبروحية التفاهمات في لجان العقبة وشرم الشيخ، وعودة السلطة إلى قطاع غزة وتأهيل قطاع غزة كمكون آخر لاتفاقات إبراهيم وتوسيعها من خلال تجنيد الشراكة المهمة في العالم العربي وإعادة ربط قطاع غزة بالضفة الغربية، وتغيير اتفاقات باريس بصورة تحسن القدرات المالية للسلطة، وكل هذا في إطار استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين.