ملفات وتقارير

كيف توافق الرئيس التونسي مع المتطرف الفرنسي "إيريك زمور"؟

زعم سعيد وجود مؤامرة تسعى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في تونس- جيتي
أثار موقف الرئيس التونسي قيس سعيّد بشأن المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء جدلا واسعا، مع انطلاق السلطات في ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم وسط تنام لمنسوب العنصرية في البلاد.

ودعا سعيّد خلال مجلس الأمن القومي، في 21 شباط/ فبراير الماضي؛ إلى ضرورة وضع حد لظاهرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، مرجعا الأمر إلى "ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية".

وقال سعيّد إن "هذا الوضع غير طبيعي، وهناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، وهناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011، لتوطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس".



وأشار سعيّد إلى أن "الهدف غير المعلن لهذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية، اعتبار تونس دولة أفريقية فقط، ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".

وفي الوقت ذاته، أكد سعيّد أن "تونس تعتزّ بانتمائها الأفريقي، فهي من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية، وساندت عديد الشعوب في نضالها من أجل التحرر والاستقلال".

ودعا سعيّد إلى "ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة، والعمل على كل الأصعدة الدبلوماسية والأمنية والعسكرية، والتطبيق الصارم للقانون المتعلق بوضعية الأجانب في تونس ولاجتياز الحدود خلسة".

وأثارت تصريحات سعيّد غضب الاتحاد الأفريقي، حيث أدان رئيس المفوضية موسى فقي محمد في بيان "بشدة تصريحات السلطات التونسية الصادمة ضد مواطنينا الأفارقة، والتي تتعارض مع روح منظمتنا ومبادئنا التأسيسية". 

وحاولت السلطات التونسية استدراك الأمر من خلال بيان لوزارة الخارجية قالت فيه إنه يوجد "خلط غير مبرّر وغير مفهوم" في بيان الاتحاد الأفريقي بين المهاجرين القانونيين و"الجماعات غير القانونية التي تتاجر بالبشر وتزج بهم في قوارب الموت وتستغلهم لأغراض إجرامية"، بحسب زعمها.

الوصول إلى تونسوعقب خطاب سعيّد، بدأت السلطات التونسية بترحيل عدد من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى بلدانهم، حيث أعلنت سفارة ساحل العاج أن 500 إيفواريا سيتمكنون من العودة إلى بلادهم بفضل دفع أكثر من مليار فرنك أفريقي من قبل حكومتهم لإعادتهم إلى وطنهم.

وكان حوالي 12 شخصًا يخيمون خارج السفارة الإيفوارية، بعد أن طُردوا من منازلهم في الأيام السابقة، فيما ساد الهدوء في الأحياء التي يسكنها طلاب وعمال سود، حيث نشرت رسائل "الواتساب" المذعورة شائعات عن أعمال عنف انتقامية مخطط لها.

Embed from Getty Images

وأبرمت تونس اتفاقية سفر دون تأشيرة مع ساحل العاج، البلد الذي يأتي منه غالبية مهاجريها من جنوب الصحراء الذين يقدر عددهم بنحو 70 ألف مهاجر، وباعتبارها دولة ذات نظام جامعي فرانكفوني، فقد أصبحت تونس مركزًا للطلاب من غرب أفريقيا. 



وأصبح قربها من أوروبا أيضًا عامل جذب لأولئك الذين يأملون في عبور البحر الأبيض المتوسط لإيجاد المزيد من الفرص في إيطاليا أو فرنسا.

ويصل جميع المهاجرين إلى تونس تقريبًا بشكل قانوني، ولكن بعد ثلاثة أشهر يصبح وضعهم "غير قانوني" وتُفرض عليهم غرامة شهرية تبلغ حوالي 27 دولارًا، ولا يوجد سوى القليل من الطرق التي يمكن اتباعها للحصول على إذن قانوني للعمل في تونس؛ حيث تمنع قوانين العمل المحلية الأجانب من شغل منصب يمكن للمواطن التونسي القيام به نسبيًّا.

ونتيجة لذلك؛ فإنه يعمل معظمهم في ظروف محفوفة بالمخاطر في مناصب دون إشراف أو حماية أو حقوق، وتعتبر سرقة الأجور أمرًا شائعًا، وكذلك العنف الجسدي. وبالنسبة للعديد من المهاجرين الذين يقيمون في تونس منذ أشهر أو سنوات - بما في ذلك خلال جائحة كورونا، عندما أغلقت الحدود - مع عمل متقطع وبأجر ضعيف، تصبح رسوم مغادرتهم البلاد باهظة للغاية ويُتركون في طي النسيان، ولا يكسبون سوى القليل من المال لدفع رسومهم المتزايدة باستمرار، لكن غير قادرين على المغادرة.

الاستبدال العظيم
ورغم الانتقادات التي طالت تصريحات سعيّد، إلا أن موقفه من المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء لاقى تفاعلا من اليميني المتطرف في فرنسا إيريك زمور، الذي أشاد بالخطوة.

وقال زمور عبر "تويتر"، إن "البلدان المغاربية نفسها بدأت في دق ناقوس الخطر في مواجهة تصاعد الهجرة. تونس تريد اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شعبها. ما الذي ننتظره لمحاربة الاستبدال العظيم؟". 



و"الاستبدال العظيم" هي نظرية يمينية متطرفة، صاغها الكاتب الفرنسي رينو كامو عام 2010، وتقوم على فكرة وجود "مؤامرة" أن يستبدل بالسكان الأوروبيين المسيحيين البيض سكانا مسلمين وعربا من الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتسببت هذه النظرية بحوادث عدة تعرض لها المسلمون في العالم، أبرزها الجريمة التي ارتكبها الأسترالي المتطرف برينتون تارنت ضد مسجدين في نيوزيلندا عام 2019، وأسفرت عن مقتل 50 شخصا وجرح العشرات، خلال أدائهم صلاة الجمعة، حيث ردد الجاني شعارات مؤيدة لنظرية "الاستبدال" قبل تنفيذ الجريمة.

وفي تعليق، قالت مجلة "إيكونومست" إن الرئيس التونسي يحرّض على السخط على المهاجرين السود لشغل الناس عن إخفاقاته، معتبرة أنه نفس الخطاب الذي شاع بين الشعبويين الأوروبيين. 

"حشود" من المهاجرين الأفارقة يهبطون على الوطن، جالبين معهم "العنف والجرائم والممارسات غير المقبولة". ومجيء هؤلاء ما هو إلا مؤامرة تستهدف تغيير التركيبة السكانية لأمة أبية. ومع ذلك، لا تخشوا شيئاً، فالرئيس الذي نافس على المنصب كفرد من خارج المؤسسة لينقض على النظام السياسي ويقوضه، تعهد باتخاذ إجراءات عاجلة لتأمين حدود بلاده، بحسب التقرير الذي نشرته.

وأضافت: "غدت العنصرية أداة مفيدة في يد الغوغائيين في كل مكان. إلا أن قيس سعيد لم يعد لديه من يوجه إليه اللوم. وثمة مخاوف متنامية من أن تونس قد تعجز عن سداد ديونها بدون إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي. وذلك جدير بأن يغرق اقتصادها أكثر فأكثر، ويدفع بالمزيد من المواطنين لركوب القوارب والخروج من البلاد في رحلة محفوفة بالمخاطر".

"نظرية المؤامرة"

وفي السياق، اعتبر الباحث السياسي حاتم النفطي أن تصريحات سعيّد ذات طابع عنصري واضح، من خلال تصنيف المهاجرين غير النظاميين، وكذلك من خلال الحديث عن خطر التغيير الديمغرافي في تونس.

وفي تصريح لـ"عربي21"، قال النفطي إنه رغم استدراك سعيّد بخطابه الثاني، إلا أنه لم يتخل عن نظرية "الاستبدال العظيم"، من خلال إشارته إلى وجود مؤامرة من أجل تغيير التركيبة السكانية في تونس، وتحويل التونسيين من مسلمين عرب بيض، إلى مسيحيين أفارقة سود.

واعتبر مؤلف كتاب "تونس: نحو الشعبوية السلطوية" أن هذه التصريحات جاءت في سياق أن قيس سعيّد يحكم من خلال نظرية المؤامرة، حيث يربط المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتآمرين، كما أنه تحدث عن محاولات اغتياله، رغم عدم وجود أي دليل بشأن ذلك، وكذلك تحدث عن عمليات طعن تعرض لها شباب الاستشارة في الصائفة الماضية دون وجود أي تتبع قضائي.


وأضاف: "كما أشرت في كتابي، التركيز على نظرية المؤامرة أصبح ركنا من أركان حكم سعيّد، حيث أصبح الرئيس يتحدث عن مؤامرة من أجل تغيير التركيبة الديمغرافية ضمن السياق ذاته".

وأشار النفطي إلى أن الهوية التونسية ليست مهددة، باعتبار أن عدد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المتواجدين في تونس لا يتجاوز 50 ألف، من ضمنهم 31 ألف متواجد بصيغة قانونية، مقارنة بـ12 مليون مواطن تونسي.

واعتبر أنه "يمكن القول أن فكرة العنصرية حاضرة في تونس على مستوى الثقافة السائدة، لكن على مستوى الرسمي يوجد هناك نوع من العنصرية على مستوى الإقامة".

وأضاف: "يعتبر قانون إسناد الإقامة في تونس صعبا، لكن هناك تمييز في المعاملة بين طالبي الإقامة القادمين من أوروبا مقارنة بهؤلاء القادمين من جنوب الصحراء، حيث يمكن للأوروبي أن يتجاوز الفترة المسموح به دون فيزا (3 أشهر) دون مشاكل قانونية، عكس البقية".

وقال الباحث السياسي إن وجود استبطان الشعبي للتمييز ضد السود شجع الدولة على التصرف بشدة مع المهاجرين السود من ناحية تطبيق القانون.

وخلص بالقول إن "يوجد هناك بعد عنصري في كلام سعيّد، لكن غالبا الرئيس يتبنى نظرية المؤامرة من خلال تبني نظرية الحزب القومي التونسي، الذي يضم أحد المقربين من سعيّد".

قانون الإقامة في تونس

وبحسب الأرقام الرسمية التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء، تضم تونس إلى حدود عام 2021، 21 ألف مهاجر من أفريقيا جنوب الصحراء، من ضمنهم اللاجئين وطالبي اللجوء والطلبة.

وينص القانون على أنه يجيب على كل أجنبي يقيم بالبلاد التونسية أكثر من ثلاثة أشهر متوالية أو ستة أشهر مقتطعة في بحر سنة واحدة أن يتحصل على تأشيرة وبطاقة إقامة مؤقتة تسلمان له طبقا لأحكام قانون الإقامة.

ومدة صلاحية بطاقة الإقامة المؤقتة هي نفس مدة صلاحية الوثائق التي اعتمدت لتسليمها، ولا يمكن أن تتجاوز العام الواحد إلا بترخيص خاص من كاتب الدولة للداخلية.

ويمكن لسلطة الأمن أن تسحب بطاقة الإقامة المؤقتة من أي أجنبي إذا صدرت منه أعمال تمس بالأمن العام، أو إذا زالت الأسباب التي من أجلها تحصل على بطاقة الإقامة.

وتفرض تونس ترحيل الأجانب المقيمين بشكل مؤقت عند انتهاء صلاحية بطاقة الإقامة ما لم يتحصل على تجديدها.

كما تقدم تونس إقامة للأجانب المولودين بتونس والذين أقاموا بها دون انقطاع، وللأجانب المقيمين بتونس بصورة قانونية منذ خمس سنوات بدون انقطاع، وللأجنبيات المتزوجات من تونسيين، وللأجانب الذين لهم أبناء تونسيون، وللأجانب الذين قدموا للبلاد التونسية خدمات جليلة.

ومدة صلاحية بطاقة الإقامة العادية سنتين ويمكن تجديدها، فيما يفقد حق الإقامة بالبلاد التونسية الأجنبي الذي يتغيب عنها أكثر من ستة أشهر دون أن يتحصل على تأشيرة رجوع.

كما يمكن للسلطات الأمنية أن تسحب بطاقة الإقامة العادية من أي أجنبي إذا زالت الأسباب التي من أجلها تحصل عليها، مع فرض الترحيل على الأجنبي الذي تسحب منه بطاقة الإقامة العادية.

"مقاربة اليمين المتطرف"
وقال الأكاديمي والباحث في الجامعة التونسية سامي براهم إن المشكل يتمثل في المقاربة التي طرحها الرئيس قيس سعيّد في تعامله مع أزمة الهجرة غير الشرعية.

وفي تصريح لـ"عربي21"، شدد براهم على أن خطر الهجرة غير النظام أمر مؤكد وحديث الرئيس عن هذا الملف مقبول، لكن مقاربة في تفسير تآمري للظاهرة وإعطاء انطباع بأن الهجرة لها بعد مخطط استعماري استيطاني لتغيير التركيبة السكانية في تونس ليست صحيحة.


واعتبر الباحث في علم الاجتماع أن هذه المقاربة تندرج ضمن المقاربات التآمرية التي تتبناها الأحزاب ذات النفس الشعبوي والقومي المتطرف، ومن المفاجئ أن يتبنى رئيس الدولة هذه المقاربة ضمن قضية حساسة بهذا الشكل.

ورأى أن هذه الخطوة تضع تونس ضمن الدول التي تتبنى المقاربة الشعبوية لليمين المتطرف، حيث أصبح يمكن تصنيف الخطاب الرسمي للدولة التونسية ضمن تيار اليمين المتطرف الذي يشق الحياة السياسية في أوروبا.

وشدد على أن وصول هذا الخطاب إلى موقع القرار يمثل خطرا، وتسبب في جرح عميق يصعب التئامه، وهو قابل للمزيد من التعفن في علاقة تونس بأشقائها في القارة.

واعتبر الأكاديمي أن الرئيس قيس سعيّد عبّر حرفيا عن نظرية "الاستبدال العظيم" التي ظهرت في فرنسا، بل وأضاف لها البعد الديني والعرقي، بحسب سامي براهم، الذي قال: "كأن شمال أفريقيا لا علاقة له بالقارة".

وعن  "الاستبدال العظيم"، اعتبر الباحث سامي براهم أن هذه المقاربة اختزالية لا تسندها أي دراسات سوسيولوجية، قائلا: "صحيح أن الهجرة قد تطبع الشعوب بثقافات مختلفة وتلوينات دينية جديدة، لكن السبب لا علاقة له بوجود مؤامرة من أجل تغيير تركيبة المجتمعات التي يسافر إليها المهاجرين".

وأضاف: "المسألة تُدرس من زاوية سوسيولوجية وأنثروبولوجية لا من زاوية التفسير التآمري السطحي، الذي لا يمكن من فهم ديناميكية الشعوب وهي تنتقل عبر قارات العالم، وذلك يحتاج مقاربة علمية".
وعن تهديد الهوية التونسية، قال سامي براهم إن العديد من الدول الأفريقية عربية ومسلمة، حيث لا يوجد هجرة مسيحية إلى تونس، قائلا إن "الهجرة تطبع أيضا المهاجرين بطابع الثقافة المحلية، حيث إن من الممكن أن يصبح المهاجرون في تونس عربا".

وأضاف: "تونس كانت دائما أرض عبور، واستقر فيها عدد من العابرين، بما في ذلك المالطيون والإيطاليون، الذين انخرطوا ضمن الثقافة العربية الإسلامية ولم يؤثروا على هوية تونس".

وختم سامي براهم حديثه بقوله إن "لا توجد أي دراسة علمية تؤكد صحة نظرية الاستبدال العظيم، هي نظرية بسيطة وسخيفة تعبر عن الكسل الذهني في تفسير ظواهر معقدة ومركبة".