أفكَار

عن القومية العربية.. هل نحن أمة واحدة؟ لماذا وكيف الجواب بالنفي والإيجاب؟

الأمة من المصطلحات الأكثر تداولا وانتشارا في تراثنا الفقهي والفكري والسياسي والحضاري العربي الإسلامي لكنه من غير مدلول دقيق..
لا تزال فكرة القومية العربية أو العروبة القائمة على فهم أن العرب أمة واحدة تجمعها اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، قائمة لدى تيار عريض من النخب العربية. وعلى الرغم من الهزائم السياسية التي منيت بها تجارب القوميين العرب في أكثر من قطر عربي، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار هذا التيار، ليس فقط كفاعل سياسي هامشي، بل كواحد من الأطراف السياسية الفاعلة في تأطير المشهد السياسي في المنطقة العربية.

ومع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، الذي دشنته الثورة التونسية، عادت الحياة مجددا إلى الفعل السياسي وتجدد السجال التاريخي بين التيارات الرئيسية التي شكلت ولا تزال محور الحياة السياسية العربية، أي القوميين والإسلاميين واليساريين، بالإضافة لتيار تكنوقراط يحسب نفسه على الوطنية ناشئا على هامش هذا السجال.

وإذا كان الإسلاميون قد مثلوا الصوت الأعلى في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي؛ بالنظر إلى كونهم التيار الأكثر تعرضا للإقصاء في العقود الماضية، ولأنه كذلك التيار الأقرب إلى غالبية روح الأمة التي تدين بالإسلام، فإن ذلك لم يمنع من عودة الحياة مجددا للتيار القومي، الذي بدا أكثر تمرسا بأدوات الصراع السياسي؛ على اعتبار تجربته بالحكم في أكثر من بلاد عربية، وأيضا لقربه من دوائر صنع القرار، خصوصا العسكرية والأمنية منها.

"عربي21"، تفتح ملف القومية العربية، أو التيارات القومية العربية بداية من المفاهيم التي نشأت عليها، وتجاربها والدروس المستفادة من هذه التجارب، بمشاركة كتاب ومفكرين عرب من مختلف الأقطار العربية، والهدف هو تعميق النقاش بين مكونات العائلات الفكرية العربية، وترسيخ الإيمان بأهمية التعددية الفكرية وحاجة العرب والمسلمين إليها.

يواصل الكاتب والباحث الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان في هذه المقالات الخاصة بـ "عربي21"، قراءة مفهوم القومية العربية من خلال مناقشة علمية تأخذ بعين الاعتبار مختلف مكونات القومية الطبيعي منها والثقافي.


"نحن" العربية.. ماذا تعني؟

إن كلمة "نحن" التي تستوقف القارئ لأول وهلة في هذا العنوان وقد تستفز شعوره وتستحث فضوله.. تمثل في حقيقتها ضمير أي مواطن عربي مسلم أو نصراني أو مسلم أعجمي (ملتزم أو علماني) ينتمي قطريا إلى وطن ودولة وينتمي قوميا إلى أمة قد يحصرها البعض في حدود الدولة والإقليم الذي ينتسب إليه الفرد قانونا بجنسيته الورقية .. ويجعلها البعض الآخر تتجاوز هذه الحدود الإدارية والجغرافية لتشمل أقطار ودول الأمة (العربية) التي لا يعترف بسواها على خريطة المنطقة، في حين يعتبرها البعض الآخر أمةً صغرى ضمن إطار الأمة الكبرى (الإسلامية) التي يصر طرف رابع على عدم اعترافه بوجود أية أمة أخرى غيرها على امتداد رقعة العالم الاسلامي!!

بناء على أن الأمة عند الله واحدة استنادا إلى النص القرآني الصريح "إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون".. (الأنبياء 92).. ذلك هو الموضوع المشكل الذي سنحاول معالجته باختصار وتركيز كبير بما لا يتجاوز الحيز المخصص لنا في الموقع.. ونتناول فيه تحديد المفاهيم وتقديم البراهين وتوضيح الدوافع وإبراز الخلفيات والدعائم التي يستند إليها كل طرف في تحديد وتعريف "أمته" وإلغاء ما دون ذلك لمن يشاء من الزملاء!!؟!

الأمة من المصطلحات الأكثر تداولا وانتشارا في تراثنا الفقهي والفكري والسياسي والحضاري العربي الإسلامي.. ورغم ما يوجد عليه هذا المفهوم من انتشار وحضور، إلا أنه ليس ذا مدلول دقيق ومحدد بكيفية واضحة لدى المثقفين، فضلا عن العامة وأشباه الأميين
وعليه فإن ضمير "نحن" بهذا المعنى قد يكون لسان حال أي مواطن في أي قطر عربي سواء بوصفه وطنيا (إقليميا) أو قوميا (عربيا) أو أمميا (إسلاميا) وفي جميع الحالات إما أن يكون السؤال استفسارا وتعجبا أو استغرابا واستنكارا أو استهزاء، أو نقدا ذاتيا ممزوجا بالمرارة والأسى على الحالة التي آل اليها وضع "خير أمة أخرجت للناس" في فلسطين وأفغانستان والبوسنة وتركيستان وكشمير وبورما والقرم والشيشان وغيرها من الأقطار المحتلة من غيرها والمستحلة بعدها من بعضها والمتصارعة مع أطرافها والمشتتة باستبداد معظم حكامها والواحدة في نظر أعدائها.. وهو من المفارقات العجيبة كما نلاحظه في الملمات والصراعات الدولية الحالية التي يظهر فيها الاستقطاب نحو الأمة وحولها بالسلب والإيجاب بشكل يبعث على الاعجاب والاستغراب..

ولاشك أن كل قارئ جاد من أبناء الأمة الأصلاء يجد نفسه طرفا في هذا الطرح بأي حال من الأحوال؛ إلا أن الإجابة عن السؤال لا يمكن أن تكون متساوية في درجة الإقناع للجميع أو الرضا بالتالي من الجميع لعدة اعتبارات منها اختلاف المنطلقات والعقائد والمستويات ودرجات الفهم والاستيعاب لموضوع كبير في هذا الحيز الصغير..

إلا أن الإجابة عن السؤال من المؤكد أنها موجودة، على كل حال وعلى كل طرف أن يقرأها بتمعن فإن وجدها مقنعة له تبناها ودعا إليها وإن كانت غير ذلك أعرض عنها أو ناقشها بالتي هي أحسن في إطار تبادل الآراء والافكار.. على أنه وفي جميع الحالات والأوضاع لا يمكن التبنّي والاقتناع، أو الرفض والامتناع قبل التجرد والتواضع والاطلاع ..

معنى الأمة

إن الأمة من المصطلحات الأكثر تداولا وانتشارا في تراثنا الفقهي والفكري والسياسي والحضاري العربي الإسلامي..  ورغم ما يوجد عليه هذا المفهوم من انتشار وحضور، إلا أنه ليس ذا مدلول دقيق ومحدد بكيفية واضحة لدى المثقفين، فضلا عن العامة وأشباه الأميين، ومما زاد في هذه الهلامية والمرونة أن تكرار وروده (في 44 آية) من القرآن الكريم لم يكن بمعنى واحد محدد ولكنه متعدد ولا يفهم إلا من من السياق ..  ومنه نذكر على سبيل المثال وليس الحصر سبع حالات لدلالات مختلفة لكلمة "أمة" وهي:

1 ـ  الجماعة مطلقا "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران: 104)

2 ـ جماعة من الناس يربطها رابط الجيل والقرن: "كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ .." (الرعد: 30)

3 ـ الجماعة والجنس من كل كائن حي، ولو لم يكن بشرًا "وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم". (الأنعام: 38).

4 ـ جماعة كل نبي، من الذين أرسل إليهم، سواء آمنوا به أو ظلوا على كفرهم.. فهم جميعا يجمعهم جامع الدّعوة ورابطها... والذين آمنوا منهم يجمعهم جامع الإيمان ورابطة الاجابة... "ومن ذرّيتنا أمة مسلمة لك".. (البقرة: 128)

5 ـ الفرد إذا قام ـ بامتيازه ـ مقام الجماعة... كالرجل المتعدد الفضائل والخصال؛ الجامع لصفات الخير والصلاح و الفلاح : "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (النحل: 120)

6 ـ الدين والملّة كرابط يجمع النّاس فيجعلهم أمة "وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ" (الزخرف: 23)

7 ـ الحين والزمان كرابط جامع لمن يعيشون هذا الحين والزمان "وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ". (هود: 8)

وزيادة عن ذلك فإننا نجد الراغب الأصفهاني (505هـ ـ 1108م) يعرف الأمة في كتابه "المفردات "كما يلي: "كل جماعة يجمعها أمر ما، إما دين واحد أو مكان واحد، سواء أكان ذلك تسخيرًا أم اختيارًا وجمعها أمم .." وقد ظل مدلول الأمة في الغالب يعني جماعة أو مجموعة من الأفراد المتجانسين الذين تغلب على أكثرهم بعض الصفات التي تجعل منهم جماعة متميزة عن غيرهم من أبناء جنسهم .

ومن التعريفات الحديثة التي تفرق بين مفهوم "الأمة" و"الدولة" وتقترب من مفهوم (الأمة الإسلامية) كما هي في الواقع بالنسبة للعديد من الشروط الواجب توفرها في تكوين الأمم.. نورد هذا التعريف الجامع في المعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي جاء فيه : "الأمة جماعة من الناس تجمعهم عناصر مشتركة كوحدة الأصل واللغة والعقيدة والتراث الفكري، مما يجعلهم وحدة حضارية واحدة، ويخلق عندهم شعور بالانتماء إلى تلك الوحدة وتعلقا بها. والأمة حقيقة اجتماعية وحضارية خلافا للدولة التي تعتبر وحدة سياسية وقانونية. ويلاحظ أن الأمة الواحدة قد تكون موزعة بين عدة دول، كما أن الدولة قد تضم عناصر من أمم مختلفة".

الأمة المحمدية

وقبل أن نخوض في هذا الموضوع نود أن نوضح المعنى المقصود من استعمالنا هنا مصطلح "الأمة المحمدية" والذي يختلف عن المصطلحات المتداولة حول هذا الموضوع، وهي بالتحديد:

1 ـ الأمة الإسلامية: (وتضم المسلمين فقط عربا وغير عرب).
2 ـ الأمة العربية: (وتضم العرب فقط مسلمين وغير مسلمين).
3 ـ الأمة العربية ـ الإسلامية: (وتضم في مدلولها أمتين منفصلتين: إحداهما عربية فقط "بمسلميها ونصاراها ويهودها ووثنييها وملاحدتها".. والأخرى إسلامية فقط (وهي لا تتضمن في هذه الحالة من العرب سوى المسلمين).. وهو ما يبرر ويحتم أحيانا استعمال تعبير (الأمة العربية والإسلامية) وهو تعبير نرفضه تماما لأنه يوحي بأن هناك أمتين في العالم الإسلامي والله لا يقول إلا بأمة واحدة فقط وبنبيها الواحد الخاتم لجميع الرسالات والمرسل للعالمين جميعا إلى يوم الدين ولذلك نريد أن نتجاوز هذا التعبير المزعج والمحدث للهذا اللبس لدى المسلمين وغير المسلمين من الأبناء والأعداء على حد سواء.. ونستبدل به تعبيرا أكثر صراحة ووضوحا للتدليل على الأمة الواحدة وهو مصطلح (الأمة المحمدية) بدل (الأمة الإسلامية) التي لا يستقيم المعنى إذا استعملناها (من غير واو العطف) وذلك استنادا إلى النص القرآني ذاته : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ." (ال عمران 144).
ما هو المنطق الذي يمنع شرعا أو قانونا أي مسلم مؤمن حقيقي صادق (غير زنديق أو عميل مرتزق أو منافق!؟) في أي بلد في العالم سواء كان يعيش أكثرية في دولة مسلمة أو أقلية بين أكثرية غير مسلمة في دولة أجنبية (خارج الأمة المحمدية).. ماذا يمنعه أن يحب ويتقن لسان القرآن مثل يوسف إسلام في بريطانيا ومثل كل أجدادنا الأمجاد في بجاية والقيروان وفاس وتلمسان.. هذه اللغة الربانية لو كان فعلا مسلما من أهل القران!!؟؟

والأمة بهذا المعنى تتجاوز مفهوم (الدولة الأمة) الذي أوقع بعض المسلمين في هذا اللبس لأن (الأمة الدولة)  بهذا المعنى (المعجمي الغربي) لا تتجاوز الحدود السياسية أو الجغرافية للقطر المعني (بمواطنيه المسلمين وغير المسلمين) وسواء كان هذا القطر ضمن الدائرة العربية بأقطارها المعروفة الآن والتي تضمها جامعة الدول العربية، أو ضمن الدائرة الإسلامية الأوسع بأقطارها المعروفة أيضا والتي تضمها "منظمة المؤتمر الإسلامي" التي أصبحت تسمى الآن "منظمة التعاون الإسلامي" أو ضمن "رابطة العالم الإسلامي" وفي هذا الخصوص يتساء ل الدكتور محمد عمارةعن الحقيقة من وراء هذا؟ فيقول: وهل المسلمون أمة واحدة أم أنهم أمم بتعدد الأوطان والأجناس التي تتوزع العالم الإسلامي الكبير!؟

ويعزو هذا الخلط في مفهوم الأمة لدى هؤلاء الذين ينفون وجود "الأمة الإسلامية" إلى تأثرهم بتعريفات بعض القواميس الغربية "للأمة" بما يجعلها تختلط في المفهوم مع الدولة حيث يقول: "فهذا الخلط بين الأمة والدولة هو ثمرة من ثمار التأثير الفكري الغربي في مادة ومضمون هذه المفاهيم و القواميس "الغربية"، وهو أيضا خادم للأهداف الغربية من وراء إشاعة هذه المضامين التي تكون فكر القراء والباحثين العرب والمسلمين".

ونعتقد أنه لحكمة بالغة ورسالة موحية من المدبر الحكيم إلى المسلمين جميعا أن أرسل خاتم أنبيائه ورسله إلى الناس أجمعين ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (سبأ 28) بما يوحي إلى العالم بأسره أن كل المؤمنين برسالته طواعية بالاكتساب الإرادي والانتساب الحر إلي الأمة المحمدية طواعية بكل اقتناع ودون إكراه: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".( البقرة 256)

يعني أن كل المسلمين أصحاب القبلة الواحدة يعتبرون بالضرورة المنطقية والإيمانية من قومه بناء على قوله تعالى في آية أخرى "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. (سبا 4)

فلهذه الحكمة البالغة كان هذا الرسول الأعظم من الناحية العرقية أو السلالية كلدانيا (من العراق) ومن الناحية الرسالية واللسانية عدنانيا (من الحجاز) علما أنه لم يكن يتحدث الكلدانية لا هو ولا جده الأكبر إسماعيل ابن إبراهيم وهاجر (المصرية)!؟

وبناء على قول العزيز الحكيم ايضا في آية أخرى "ِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" (ال عمران 19)،  فإن كل مسلم في العالم هو من قوم محمد ومن أمة محمد بالضرورة كما هو واضح..

ولا نتصور أبدا أنه يوجد مسلم صادق عاقل في هذا العالم يستطيع أن يقول: أنا مسلم ولكنني لست من قوم محمد أو من أمة محمد..  ولذلك أوحى الله إلى مصطفاه قوله إلى عباده في موطنه الرسالي: "لا ترفعوني فوق عدنان" وعدنان هذا هو جده المستعرب الواقع في التسلسل الأسري قبل إسماعيل عليه السلام وذلك تماما مثل مئات الملايين من المسلمين المستعربين بعد الفتح المبين من تخوم بلاد فارسه والأناضول إلى مراكش بالمغرب الأقصى الحالي ونهر السينغال...

وإن هذ النعمة المهداة من الله إلى البشرية ضد العنصرية والعصبية القبلية هو الذي قال: "لا فرق بين عربي (ناطق بالعربية) اوأعجمي (ناطق بغير العربية) إلا بالتقوى".

هذا مجمع عليه شرعا وقانونا ومنطقا وقرآنا أيضا بنصه الصريح: "ِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات13) وليس أغناكم وأعلمكم وأبيضكم لونا وأصفركم شعرا وأشرفكم نسبا وصهرا وهو ما لا يختلف حوله مسلمان صادقان من المليارين الحاليين فوق البسيطة وسيصلون إلى أكثر من ثلاثة ملايير قبل قيام الساعة بكل تأكيد وليس ذلك من أيامنا ببعيد..

وإذا اتفقنا على هذه المسلمة فما هو المنطق الذي يمنع شرعا أو قانونا أي مسلم مؤمن حقيقي صادق (غير زنديق أو عميل مرتزق أو منافق!؟)  في أي بلد في العالم سواء كان يعيش أكثرية في دولة مسلمة أو أقلية بين أكثرية غير مسلمة في دولة أجنبية (خارج الأمة المحمدية).. ماذا يمنعه أن يحب ويتقن لسان القرآن مثل يوسف إسلام في بريطانيا ومثل كل أجدادنا الأمجاد في بجاية والقيروان وفاس وتلمسان.. هذه اللغة الربانية لو كان فعلا مسلما من أهل القران!!؟؟  وليس قوميا عنصريا سلاليا ما أنزل الله به ولا بها من سلطان عند الإنسان المسلم في أي مكان... سواء في تركيا أو البانيا أو إيران أو ماليزيا أو أندونيسيا أو باكستان أو أفغانسان كما قال ابنها البار والعالم الرباني جمال الدين الأفغاني رمز وحدة الأمة الإسلامية الداعي لها إلى اتخاذ البيان العربي لسانا قوميا لها في كل أرض الخلافة.. وقد قتل غدرا على أيدي أعداء المسلمين في إسطنبول سنة 1897..  من أجل هذه الفكرة الوحدوية للأمة المحمدية.