بورتريه

البحيري.. "دينامو النهضة" المعتقل بسبب تدوينة

عربي21
تصفه بعض وسائل الإعلام التونسية بـ"الصندوق الأسود" لحركة النهضة.

ويرى كثيرون أنه "دينامو الحزب"، وقلب "النواة الصلبة" للحركة التي تقف في وجه العاصفة وفي مواجهة مباشرة مع الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي انقلب على حلفائه، وجمع خصومه في جبهة واحدة ضده دون أن يقصد.

نور الدين البحيري المولود عام  1958 في جبنيانة بمحافظة صفاقس، حاصل على إجازة في الحقوق من كلية الحقوق والعلوم السياسية من جامعة "تونس المنار".

وانضم عام 1977 إلى "حركة الاتجاه الإسلامي" التي أصبحت فيما بعد "حركة النهضة"، وقاد حينها الجناح الطلابي للحركة أثناء دراسته الجامعية.

التحق بعد تخرجه بسلك المحاماة في محكمة التعقيب بتونس العاصمة، وكان منسق لجنة المحامين أمام المحكمة العسكرية عام 1992.

شغل في "النهضة" عدة مناصب؛ من بينها: عضو المكتب السياسي والمكتب التنفيذي ومجلس الشورى منذ عام 1981، قبل أن يصبح مسؤولا عن القسم السياسي في الحركة، ونائب رئيس الحركة. 

وأصبح عضو المكتب التنفيذي لمركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة قبل الثورة التونسية التي أسقطت الرئيس زين العابدين بن علي.

وهو أحد مؤسسي المنظمة الوطنية للكفاح ضد التطبيع وكذلك اللجنة الوطنية لمساندة العراق في مواجهة الاحتلال والحصار، ومنذ 2011 كان عضوا في التنسيقية الوطنية لمساندة الثورة السورية، إلى جانب عضويته في العديد من الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.

قاد البحيري ممثلي "النهضة" في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، والانتقال الديمقراطي التي تشكلت مباشرة بعد نجاح الثورة التونسية.

فاز مع حركة النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي عام 2011  بمقعد عن دائرة ولاية بن عروس، وعين وزيرا للعدل في حكومة حمادي الجبالي، وللتفرغ لهذا المنصب قدم استقالته من المجلس التأسيسي كنائب في العام التالي.

بعد استقالة حكومة حمادي الجبالي، برز اسم البحيري لخلافته، لكن "النهضة" اقترحت وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة، وعين فيها البحيري كوزير معتمد لدى رئيس الحكومة من عام 2013 وحتى عام 2014 حيث ترشح للانتخابات وفاز بمقعد في مجلس نواب الشعب الجديد.

اعتقل أواخر عام 2021 بمنطقة المنار بتونس العاصمة، وهو الاعتقال الثاني له بعد سجنه عام 1987 لانتمائه لحركة النهضة.

هذا الاعتقال اعتبرته حركة النهضة في بيان لها ''اختطافا من طرف أعوان أمن بالزي المدني وتم اقتياده إلى جهة غير معلومة. وتم خلال عملية الخطف تعنيف الأستاذة المحامية سعيدة العكرمي زوجة نور الدين البحيري التي كانت برفقته". 

وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين كشف أن قرار الإقامة الجبرية في حق البحيري يتعلق بشبهات تتعلق بتقديم شهادات، للحصول على الجنسية وبطاقات تعريف وجوازات سفر بطريقة غير قانونية لأشخاص غير معروفين. وأضاف شرف الدين أن هناك "شبهة إرهاب في هذا الملف بناء على أبحاث عدلية". 

البحيري اعتبر اعتقاله بهذه الطريقة "محاولة اغتيال" من قبل الرئيسَ سعيّد، ووزير الداخلية شرف الدين.

وقال في تصريحات صحافية إنه "رفع 16 قضية ضد الرئيس سعيد ووزير الداخلية شرف الدين (..) للتحريض عليّ وتشويهي للتمهيد لمحاولة اغتيالي".

وفي آذار/ مارس العام الماضي، أعلنت وزارة الداخلية إنهاء قرار الإقامة الجبرية ضد البحيري، وغادر على إثره البحيري مقر إقامته الجبرية في مستشفى الحبيب بوقطفة في بنزرت بعد أن تعرض أثناء اعتقاله لتدهور في حالته الصحية.

لكن ما لبث أن أُعيد إيقافه في 13 شباط/ فبراير الحالي، وذلك بعد مداهمة قوات الأمن لمنزله بعد نشره تدوينة فسرتها الحكومة التونسية بأنها "تحريض على مقاومة الانقلاب" نشرت بداية العام الحالي.

هيئة الدفاع عن البحيري رأت في هذا التوقيف أنه يتضمن "عدة تهم كيدية ملفقة في قضايا أثبتت هيئة الدفاع عنه تهافت قرائنها وعجز مختطفيه على تقديم ملف قضائي متكامل ضده".

واعتبرت أن "سعيد قد حل محل القضاء وأصدر أحكامه خارج إطار القانون، بما يذكر بأساليب الأنظمة الفاشية في ترهيب الناس عبر استهداف المعارضين والتنكيل بهم".

حركة النهضة بطبيعة الحال رأت، في بيان لها، أن "توسع سلطات الانقلاب في التضييق على رموز المعارضة، والصحفيين، ورجال الأعمال، ومسؤولي اتحادات الشغل دليل على التوتر وعدم القدرة على مواجهة الأزمة".

وخلال الأيام الماضية نفذت الشرطة التونسية حملة اعتقالات شملت سياسيين بارزين ورجل أعمال يتمتع بنفوذ قوي بشبهة التآمر على أمن الدولة ومعارضين للرئيس سعيّد.

ووصل الأمر إلى اعتقال رئيس محكمة التعقيب السابق الطيب راشد، وقاضي التحقيق السابق البشير العكرمي الذي كان مكلفا بملف اغتيال السياسيين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

المشهد بأكمله مربك ومشوش إذ تشهد تونس أزمة سياسية حادة منذ تموز/ يوليو 2021، عقب إجراءات استثنائية نفذها سعيّد، منها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.

وكان الرئيس التونسي قد أعلن عن إعفاء رئيس الوزراء حينها، هشام المشيشي، وتعليق البرلمان ورفع الحصانة عن النواب. واستند سعيّد في قراراته إلى تأويله الخاص للفصل 80 من دستور 2014 الذي يخول رئيس الجمهورية اتخاذ "تدابير استثنائية" إذا ما كان هناك "خطر داهم" يهدد البلاد.

ووسط مخاوف حيال الحرية السياسية، نفى سعيّد أن يكون ما قام به انقلابا، قائلا إن تلك التحركات كانت قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى.

وتتهم المعارضة سعيّد بإقامة نظام استبدادي يقمع الحريات ويهدد الديمقراطية في تونس، إذ يواجه العديد من السياسيين إجراءات قانونية استنكرتها المعارضة ووصفتها بأنها تصفية حسابات سياسية.

وبدت قرارات سعيّد بلا غطاء شعبي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدت نسبة مشاركة متواضعة جدا لم تتجاوز حاجز الـ11% وهو رقم محرج، وربما كان اعتقال البحيري من جديد وشخصيات أخرى وازنة غطاء لستر عورة كشفتها صناديق الاقتراع بورقة توت.