كتاب عربي 21

قراءة نقدية للحوار الإسلامي- المسيحي: أي تجديد وأية تحديات؟

تحديات أمام الحوار الإسلامي- المسيحي تفرض ضرورة التجديد - جيتي
شكّلت تجربة الحوار الإسلامي- المسيحي في العقدين الأخيرين محور قراءات نقدية وتقييمية من قبل المشاركين في اللقاء الاقليمي حول الحوار الإسلامي- المسيحي، والذي انعقد في بيروت بين الرابع والعشرين والسابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، بدعوة من منتدى التنمية والثقافة والحوار ومؤسسة دانميشين الدانماركية وبحضور شخصيات متنوعة من مصر ولبنان والأردن والعراق وسوريا والدنمارك.

اللقاء الذي انعقد تحت عنوان: "الحوار الإسلامي- المسيحي: تجدد، تغيير، ونقلة نوعية مستقبلية"، تحول إلى فرصة ومناسبة مهمة لإعادة تقييم تجربة الحوار ودراسة مدى الحاجة إليه اليوم، في ظل المتغيرات التي شهدها العالم العربي والعالم خلال العقدين الأخيرين، وفي ظل بروز تحديات وأولويات جديدة لم تعد تتناسب مع أهداف الحوار في المراحل السابقة حسب العديد من المشاركين في هذا اللقاء التقييمي.

وقد شهد اللقاء مداخلات تقييمية لتجربة الحوار الإسلامي- المسيحي من قبل العديد من الشخصيات التي شاركت في التجارب الحوارية طيلة العقدين الماضيين، فقد تحدث القسيس الدكتور رياض جرجور، رئيس منتدى التنمية والثقافة والحوار، عن تجربة المنتدى وأبرز إنجازاته وتجربة التعاون مع مؤسسة دانميشين على صعيد الحوار العربي- الدنماركي، والتي تعززت كثيرا بعد نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد وتداعيات ذلك على العلاقات المسيحية- الإسلامية. وعرض جرجور للمهمات الواجب القيام بها في المرحلة المقبلة لتطوير تجربة الحوار، مع الإشارة إلى أن القسيس جرجور ساهم في العديد من التجارب الحوارية خلال السنوات الخمسين الماضية.

برزت خلال العقدين الأخيرين تحديات جديدة أمام الحوار الإسلامي- المسيحي، فلم تعد المشكلة حول الجوانب اللاهوتية أو الفكرية أو النظرية، بل في مواجهة الواقع الصعب الذي يواجهه العالم العربي والعالم اليوم، من خلال انتشار الأزمات السياسية والحروب ومشاكل البيئة والفقر والجوع وغياب الديمقراطية

من جهته، العلامة السيد علي، فضل الله رئيس ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار (وهو مؤسسة عربية حوارية نشطت خلال السنوات العشر الاخيرة في بيروت) عرض للمهام المستقبلية للحوار، وخصوصا في ظل انتشار العنصرية في أوروبا، والعالم واستمرار أجواء التطرف والعنف، وضرورة تطوير آليات العمل وخصوصا بالتعاون مع الشباب والمؤسسات التربوية والإعلامية.

كما قدّم الوزير اللبناني الأسبق طارق متري رؤيته الخاصة لمستقبل الحوار الإسلامي- المسيحي، وكيفية تطويره والقضايا التي ينبغي العمل على أساسها في المرحلة المقبلة.

وشهد اللقاء عرضا لتجارب حوارية أكاديمية وعملية من عدد من الدول العربية والأوروبية، ومنها تجربة المعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، وتجربة مؤسسة أديان في لبنان والعالم العربي، وتجربة الفريق العربي الإسلامي- المسيحي، ونشاط جمعية حوار للحياة والمصالحة في شمال لبنان، إضافة لاستعراض دور المرأة والشباب والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية والشبكات المحلية في مجالات الحوار، وقدّم المشاركون خطط عمل مستقبلية أفكارا واقتراحات يمكن الاستفادة منها في المستقبل.

ومن خلال هذا اللقاء التقييمي والنقدي يمكن استنتاج العديد من الملاحظات حول تجربة الحوار الإسلامي- المسيحي، والتحديات التي يواجهها والآفاق المستقبلية وهذه أبرزها:

أولا: على صعيد الإنجازات: حقق الحوار الإسلامي- المسيحي خلال العقود الأخيرة الكثير من الخطوات الإيجابية من خلال الوثائق التي صدرت، وأبرزها وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقعت بين الفاتيكان والأزهر الشريف، إضافة لعشرات الوثائق والنداءات الأخرى، والتي ساهمت في نشر ثقافة جديدة على صعيد الحوار في مواجهة التطرف والعنف والتكفير وتبنت خطاب المواطنة والحرية وحقوق الإنسان، كما تحول الحوار إلى مؤسسات أكاديمية ومبادرات عملية مجتمعية ولم يعد محصورا في أطر مغلقة أو محدودة.

ثانيا: على صعيد التحديات: برزت خلال العقدين الأخيرين تحديات جديدة أمام الحوار الإسلامي- المسيحي، فلم تعد المشكلة حول الجوانب اللاهوتية أو الفكرية أو النظرية، بل في مواجهة الواقع الصعب الذي يواجهه العالم العربي والعالم اليوم، من خلال انتشار الأزمات السياسية والحروب ومشاكل البيئة والفقر والجوع وغياب الديمقراطية الحقيقية، وازدياد أعداد المهاجرين والموجات العنصرية التي يشهدها العالم وخصوصا الدول الأوروبية، إضافة إلى غياب العدالة الاجتماعية.

رغم وجود الكثير من المؤشرات الإيجابية ونقاط الضوء التي يمكن الاستناد إليها لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، فإن الحاجة إلى التجديد وتطوير آليات العمل تصبح ضرورية جدا، وإلا فإن هذا الحوار يصبح دون جدوى عملية وفعلية

ورغم أن بعض الوثائق والمبادرات التي صدرت في السنوات الأخيرة أشارت إلى بعض هذه التحديات، لكن الأهم كيفية التصدي العملي لها والمشاريع المطلوبة لتحقيق العدالة والأمان في العالم، في ظل تراجع تأثير المؤسسات والمرجعيات الدينية، لصالح الحكومات والقوى السياسية والحزبية وأصحاب الشركات والمصالح المالية الكبرى وشركات السلاح والمصانع.

ثالثا: حول آفاق المستقبل وآليات العمل الجديدة: لقد حفل اللقاء التقييمي بتقديم العديد من الأفكار والاقتراحات العملية ونماذج من مبادرات جديدة للعمل على أساسها، وتم تبني بعض هذه المقترحات من قبل الهيئات المشاركة في اللقاء، وخصوصا لجهة تطوير ودعم دور الشباب والنساء في مجالات الحوار والاستفادة من مواقع التوصل الاجتماعي وتعزيز الحضور الميداني والتصدي لكل مظاهر التطرف والعنف والعنصرية بكل الأشكال الممكنة، والحاجة إلى تعاون عربي- أوروبي لتقديم مشاريع جديدة تواجه الأزمات التي يعاني منها العالم اليوم.

وفي خلاصة هذا اللقاء التقييمي الإقليمي حول الحوار الإسلامي- المسيحي، ورغم وجود الكثير من المؤشرات الإيجابية ونقاط الضوء التي يمكن الاستناد إليها لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، فإن الحاجة إلى التجديد وتطوير آليات العمل تصبح ضرورية جدا، وإلا فإن هذا الحوار يصبح دون جدوى عملية وفعلية. وقد تكون مهمة الشباب والاجيال الجديدة أهم بكثير اليوم ومتقدمة على جيل الرواد الذي ساهم في إطلاق هذا الحوار وضمن استمراريته في العقود الماضية، لكن إذا لم يستطع المشاركون في هذا الحوار في مواكبة المتغيرات والتحديات العالمية والمجتمعية الجديدة فإنه يتحول إلى مجرد أفكار ونصوص نظرية لا تغني ولا تسمن من جوع.

الحوار الإسلامي- المسيحي اليوم رغم ضرورته وأهميته يصبح بدون جدوى إذا لم يتصد لهموم الناس ومشاكلها الحقيقية، ويتحول إلى مبادرات عملية تساهم في تخفيف الآلام والأزمات التي يواجهها العالم اليوم.

twitter.com/kassirkassem