ملفات وتقارير

ما دلالات دعم السيسي عودة الميرغني للخرطوم؟

الميرغني عاد إلى الخرطوم بطائرة خاصة أمر بها السيسي- تويتر
بعد نحو 9 سنوات من حياته في مصر، غادر السياسي السوداني ورئيس الحزب "الاتحادي الديمقراطي الأصل"، محمد عثمان الميرغني، مرشد "الطريقة الختمية"، القاهرة، عائدا للعاصمة السودانية الخرطوم، الاثنين، بطائرة خاصة، وسط وداع مصري رسمي.

وفي هذا الإطار، أمر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي بتوفير طائرة مصرية خاصة لنقل الميرغني ومرافقيه من قيادات الحزب والطريقة إلى السودان، تقديرا لمكانته الوطنية وقيمته السياسية والروحية، وفق ما نقلته الصحف المصرية.


الميرغني، يعود للسودان في ظل أوضاع سياسية واقتصادية ومعيشية صعبة يمر بها السودان في ظل حكم المكون العسكري للبلاد، التي تشهد من آن إلى آخر تظاهرات واحتجاجات واسعة، مطالبة برحيل المكون العسكري، وتسليم السلطة في الخرطوم لحكومة مدنية.

وتثير عودة الميرغني في هذا التوقيت الكثير من التساؤلات، كما أن الدعم الذي قدمه السيسي للميرغني وإعادته للخرطوم هو وأنصاره يثير التساؤلات حول أهداف السيسي من ذلك، والمهمة التي يعود بها الميرغني لبلاده؟

"مكان وسط التعقيد"

وفي إجابته، قال الإعلامي السوداني حسن إبراهيم، إن "الميرغني وأسرته كانوا وما زالوا ممثلي مصر في السودان"، مضيفا لـ"عربي21": "لكن الوضع الآن تجاوز الميرغني والزعامات التقليدية".

ويقول: "بالطبع لا يزال لاسمه ثقل في السودان والصومال وجيبوتي، حيث تتمتع الطريقة (الختمية) بنفوذ معتبر. لكن المعادلة السودانية تعقدت كثيرا، والنفوذ الإماراتي الإسرائيلي يتزايد في ظل استقطابات حادة".

وأكد أن "محمد عثمان الميرغني رجل مريض، وأشك أن يستطيع تأدية المهام المرجوة منه، رغم ثقل اسمه وتاريخه".

وقدم إبراهيم قراءة للمشهد السوداني، موضحا في نهايته هدف مصر من إرسال الميرغني، بعد 9 سنوات قضاها في منفاه بالقاهرة، بعيدا عن الأحداث التي شهدتها السودان.

وقال إن "العسكر بالسودان منقسمون، فهناك رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وهناك قوة الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)".

وأضاف: "مهما يحاول البرهان، ويصرخ، فهو كان وما يزال من معسكر الإخوان المسلمين؛ لكن دواعي البراغماتية السودانية المعتادة في الخداع الاستراتيجي تجعله يدلي بتصريحات عن الإسلام السياسي".

وتابع: "أما نائب رئيس مجلس السيادة حميدتي، فهو الحصان الجامح بالسياسة السودانية؛ يميل لمن يحفظ وضع مليشيا الدعم السريع التي تحولت إلى جيش مواز بكامل أسلحته، بما فيها أسراب (سوخوي 35)، و(mig 29)".

ولفت إلى أنه في "هذه الأيام ينسق حميدتي مع الإمارات وإسرائيل، وقد ابتعث شقيقه إلى تل أبيب للقاء قيادات الموساد، وبعدها افتتح مكتب التنسيق الأمني بين السودان وإسرائيل".

وختم بالقول: "ومصر تحاول أن تجد مكانا وسط كل هذا التعقيد".

 

اقرأ أيضا: الميرغني يعود إلى السودان بعد نفيه 10 سنوات في مصر

"استعداد لانتخابات قادمة"

من جانبه، قال الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور خيري عمر، إن "الميرغني في مصر لنحو 40 سنة"، مشيرا إلى أن هناك خلفية تاريخية يجب توضيحها لكي نعرف هدف القاهرة من إرسال الميرغني للخرطوم الآن بطائرة خاصة وفي وداع رسمي.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة "صقريا" بتركيا، أوضح لـ"عربي21" أن "الميرغني من فريق تيار الاتحاديين بالسودان"، ملمحا إلى أن "هذا التيار يؤيد فكرة الوحدة مع مصر، وكان سابقا ضد الانفصال عنها، والذي تم عام 1956".

ولفت إلى أنه في ذلك الوقت "صعد تياران، أحدهما (الأنصار) أو حزب (تيار الأمة) أو تيار السودنة، والثاني تيار الاتحاديين أو (الختمية)، حيث عمل التياران في السياسة حتى العام 1989، وتبادلا الحكم منذ الانفصال عن مصر".

وأوضح أنه "بعد انتخابات العام 1986، -لم يحدث بعدها انتخابات أخرى- تطور الوضع السياسي للحزب الاتحادي، ودخل في موجات صراع داخلي بين الاتحاديين أو الختمية وبين الخريجين، رغم أنهما تيار مؤيد للوحدة مع مصر، ما عرض الحزب لانقسامات".

الأكاديمي المصري وباحث العلوم السياسية، قال إن "الميرغني الآن يحاول أن يعيد وحدة الحزب بقدر الإمكان، حتى تكون القوى السياسية القريبة من مصر متماسكة عند عقد أي انتخابات محتملة في الخرطوم، وهذا هو الهدف الحالي".

وأضاف: "الهدف الثاني مترتب على السابق، حيث إنه في تشكيل الحالة السودانية الجديدة، قد تكون هناك مشاركة أو تقاسم بين الاتجاهات المختلفة المرتبطة بمصر والأخرى المرتبطة بإثيوبيا، مثل (تيار الأمة) الذي تعرض هو الآخر للتفكك".

وأشار إلى احتمال أن "يكون حزب الاتحاد ظهيرا للحكومة السودانية القادمة أو ظهيرا للمكون العسكري بالجيش، إذا تم تشكيل الحكومة بالخرطوم بطريقة غير الانتخابات التشريعية".

وحول احتمالات تدخل مصر في الحالة السودانية، أوضح أنه "منذ انفصال السودان الذي تم بموافقة برلمان الخرطوم نهاية 1956، وقبلته مصر بطريقة هادئة، ولم يكن نتيجة صراع أو ثورة، وتم بطريقة هادئة، ما مكن القاهرة من احتفاظها بالروابط مع السياسيين السودانيين ومنهم الختمية".

ويرى أن الأمر لن يغضب عسكر السودان، مشيرا لاحتمال أن يكون رغبة مصر في جلب الاتحاديين كبديل مدني لعسكر السودان بتفاهم مع المكون العسكري، لافتا إلى أن "جماعة الختمية منسجمة دائما مع السلطة والدولة منذ الانفصال، ولم تكن بعيدة عنها إلا بمرحلة الرئيس السابق عمر البشير".

وعن احتمال أن يضايق هذا التوجه حميدتي، القريب من الإمارات وإسرائيل، أكد الأكاديمي المصري أن "الخيارات المصرية تتماهى مع التيارات الرئيسية في السودان، سواء قلب المؤسسة العسكرية أو الحزب الاتحادي".

وأوضح أن ذلك الوضع مستثناة منه "الأحزاب الصغيرة الأخرى المتفرعة من الماركسيين والحزب الشيوعي، رغم مكوثهم طويلا في مصر، كما أن حزب الأمة لم يسع لتوثيق العلاقات مع مصر، على الرغم من حكمه السودان لفترات، بل كان يأخذها بعيدا عن القاهرة".

"صراع التحالفات"

وفي تقديره، قال الباحث والكاتب السوداني، عباس محمد صالح، إن "المشهد السياسي الحالي في السودان تتقزم فيه الإرادة الوطنية لصالح تدخلات خارجية متعددة، تهدف لإعادة خارطة التحالفات ورسم حدود وأدوار الفاعلين في الحقل السياسي".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "وبالتالي، هناك صراع على الأحزاب التاريخية، باعتبارها عامل ترجيح في الساحة السياسية، ومنها الحزب الاتحادي الديمقراطي، بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني".

وأكد أنه "تاريخيا، كما نعلم، الأحزاب والتيارات الاتحادية (أو الوحدوية) تعدّ، ولا تزال، حليفا قويا لمصر، وبالتالي وفي ضوء عودة الميرغني، أعتقد أنه سيدعم الخيارات والتوجهات المصرية بالسودان بمرحلة حاسمة من عملية الانتقال السياسي المعقدة والهشة، سواء كانت الخيارات المصرية مع مكونات مدنية أو عسكرية".

لا يعتقد عباس أن "المكون العسكري بالسودان سيغضب من مصر أو السيسي حال كانت عودة مولانا الميرغني ستعزز من رجحان كفة هذا الفريق أو ذاك من المجموعات المتنافسة أو المعادية له؛ لأنه خاضع أيضا لعلاقات خارجية من قوى أخرى ليست فقط مصر".

وأشار إلى أنه "ربما تعمل مصر لترجيح كفة المكون العسكري بمواجهة الآخرين، مع سيطرة عدم اليقين وسوداوية المشهد السياسي وفوضويته في المدى المنظور، وبالتالي لا يشعر العسكر في السودان بأي تشكك تجاه أي تدخل مصري في هذه المرحلة".

"أوضاع السودان"

وتأتي عودة الميرغني للخرطوم بعد نحو أسبوع من دعوة الأمم المتحدة الفرقاء السودانيين للتوصل لاتفاق لإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية، التي تفاقمت مع انقلاب عسكري نفذه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

كما تأتي تلك العودة في وقت تعهد فيه البرهان، بخروج المؤسسة العسكرية من السلطة، وهو ما تبعه إعلان قوى الحرية والتغيير موافقتها على عملية سياسية.

وتزامنت تصريحات البرهان مع إعلان قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)، الأربعاء، إجازتها تصورا لاتفاق إطاري مع المكون العسكري، فيما تجري محادثات بين قوى الحرية والتغيير والجيش منذ أسابيع.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أعلنت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) التوصل إلى "تفاهمات أساسية" بين العسكر والمدنيين في السودان.

ومنذ 11 آب/ أغسطس 2019، يعيش السودان مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.