اقتصاد عربي

رغم الاكتفاء الذاتي لماذا اختفى الأرز من الأسواق بمصر؟

الحكومة أجبرت المزراعين على تسليم جزء من محصولهم وفرضت غرامات كبيرة على المخالفين- عربي21
اشتكى مواطنون وتجار تجزئة في مصر، من اختفاء الأرز المحلي من الأسواق، وتداوله في الخفاء بسعر يتجاوز 35% من السعر الذي حددته وزارة التموين.

وتحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الأرز البلدي بنسبة تتجاوز 90% في الكثير من السنوات، رغم محاولات الحكومة الحثيثة لتقليل مساحته الزراعية بسبب شراهته للمياه.

وزرعت مصر 1.5 مليون فدان أرز، تنتج نحو 3.5 مليون طن أرز أبيض، في حين تستهلك مصر 3.2 مليون طن سنويا، وفقا لتصريحات علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية.

وفي عام 2020 سجلت نسبة الاكتفاء الذاتي من الأرز 98.3% بحسب الجهـاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ثاني سلعة استراتيجية غذائية للمصريين بعد القمح.

ورصدت "عربي21" اختفاء الأرز من الأسواق بما فيها السلاسل التجارية في محافظات القاهرة الكبرى، وفي حال توفره لا يسمح للعميل إلا بشراء 2 كيس أرز زنة الكيس 1 كجم بالسعر الرسمي 15 جنيها للكيلوغرام، في حين يباع خارج الأسواق بسعر 20 جنيها، (الدولار يساوي 24.45 جنيها).

وتوفر الحكومة الأرز للمواطنين عبر منافذ القوات المسلحة والشرطة والمجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين، بسعر 12 جنيها للكيلوغرام السائب و15 جنيها للكيلوغرام المعبأ، ولكن بكميات محددة لكل مواطن.

وقال تجار وخبراء؛ إن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية اختفاء الأرز وتحوله إلى سلعة مضاربة باعتباره أحد أهم السلع الغذائية للمصريين، بعد أن أجبرت الفلاحين على توريد محصول الأرز بأسعار متدنية، ومن ثم امتناع الكثيرين عن بيعه لوزارة التموين.


وقبل بدء موسم حصاد الأرز، الذي يبدأ في 25 آب/ أغسطس ويستمر حتى منتصف شهر كانون الثاني/ ديسمبر المقبل، أصدرت وزارة التموين قرارا يلزم المزارعين، للمرة الأولى، بتسليمها طن أرز عن كل فدان (حوالي 25% من إنتاج الفدان).

وقررت توقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم، وذلك بهدف جمع مليون ونصف مليون طن هذا الموسم، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز.

وشملت العقوبات التي اقرتها وزارة التموين بحق الممتنعين المنع من زراعة الأرز الموسم المقبل، والحرمان من الأسمدة والمبيدات المدعمة لجميع المحاصيل لمدة عام، فضلا عن سداد عشرة آلاف جنيه مقابل الطن الذي لم يُسلم.

وجاءت أسعار توريد الأرز الشعير (قبل عملية التبييض) أقل من المتوقع، حددت وزارة التموين سعر توريد الأرز عريض الحبة عند 6850 جنيها للطن، ورفيع الحبة بسعر 6600 جنيه، وهو أقل بنحو 30% عن سعر السوق المحلي.

ومع بدء موسم الحصاد، عزف الكثير من الفلاحين عن بيع محصول الأرز للحكومة رغم العقوبات المقررة، ومنع القطاع الخاص من جمع أي كميات، ما دفع شعبة الأرز بغرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية بتقديم مذكرة إلى مجلس النواب، حمّلت فيها قرارات وزارة التموين مسؤولية نقص المحصول وطالبت بتحرير سوق اﻷرز.

اختفاء الأرز وسيطرة السوق السوداء

وقال بائع في المتاجر الكبيرة لـ"عربي21": "لا يوجد لدينا أي كميات أرز للعرض، وطالبنا وزارة التموين بتوفير بعض الكميات لعرضها للجمهور، ولم يصل إلينا أي رد حتى الآن، والأرز المتوفر هو الأرز المستورد الهندي والفلبيني والتايلندي، الذي لا يفضله المصريون".

وأكد أن "وزارة التموين هي من تحتكر الأرز الآن، إلى جانب التجار الكبار وبعض المضارب التي استطاعت الحصول على كميات مهربة من الأرز من التجار، ولم يسبق أن اختفى الأرز من هذا المكان منذ افتتاحه قبل 15 عاما"، مشيرا إلى أن "السوق السوداء هي من تسيطر الآن".

وأعرب عدد من المواطنين عن اندهاشهم من عدم وجود الأرز في أكثر من مكان، وقالت إحدى السيدات: "ظاهرة اختفاء الأرز كارثة بمعنى الكلمة، ماذا سوف نطعم أطفالنا، أضطر إلى الاتصال بوالدتي لإرسال بضعة كيلوغرامات من إحدى المحافظات، وصول الأزمة إلى الأرز أمر غير معتاد ولا متصور!".

وأشارت في حديثها لـ"عربي21": "ذهبت إلى أكثر من مكان بحثا عن أي كمية للأرز، وفي كل مرة يقول لي البائع إن الكمية نفدت، وأشك أن تكون هناك أي كمية تم توفيرها، هي كلمات ومسكنات حتى تأتي إلى مكانه مرة أخرى، ما يجري يدل على الفشل".

ضرب المحاصيل الاستراتيجية بمقتل


حمل مستشار وزير التموين سابقا، الدكتور عبد التواب بركات، الحكومة المصرية مسؤولية سوء إدارة توريد محصول الأرز، وفشلها في جمع الكميات المستهدفة كما فشلت سابقا في توريد محصول القمح، قائلا: "لقد أخطأت وزارة التموين عندما قررت عرض سعر متدن على الفلاح للحصول على الأرز، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع تكلفة الإنتاج، رغم علمها بأنه سعر غير عادل".

وأوضح في تصريحات لـ"عربي21": "الأرز هو بديل رغيف الخبز ورديفه على موائد المصريين الفقراء والأغنياء، وكانت تكتفي مصر منه ذاتيّا لعقود وقرون طويلة، وله شهرة دولية لتميزه في الجودة والطعم، وكان رافدا للعملة الصعبة حتى تخفيض زراعته بقرار حكومي من 2 مليون فدان قبل 2013 إلى 724 ألفا فقط بعد مجيء الجنرال السيسي للحكم، بدعوى أنه شره لاستهلاك مياه الري، وهي معلومة غير صحيحة، وهو القرار الذي حوّل مصر من دولة مصدرة للأرز إلى مستوردة.

وأكد أن "نظام السيسي أهدر فرصة الاكتفاء الذاتي من الأرز، وفي شهر أيار/مايو الماضي، قال وزير التموين في بيان؛ إن الهيئة العامة للسلع التموينية، اشترت 50 ألف طن من الأرز الأبيض من الهند ومن الصين، وهي سياسة خبيثة تهدر الأمن الغذائي وتهدد الأمن القومي".