مقالات مختارة

موسم الذهاب إلى القمر

1300x600

لا ينبغي لأحد أن يتصور أن الحياة سوف تتوقف حتى تصل الحرب الأوكرانية إلى نهاية؛ أو حتى يتغير النظام العالمي بشكل أو آخر؛ أو تتوقف موجات التضخم التي ألَمّت بالعالم؛ أو حتى تحل القضية الفلسطينية. مهما كان العالم ممتلئًا بضجيج الأزمات الطبيعية والإنسانية، فإن هناك أمرًا واحدًا لا يتوقف عن التغيير والتطور والتقدم أيضا، وهو السعي الدائم للإنسان من أجل استكشاف الكون ومعه الكثير من التكنولوجيات الجديدة.

 

تعبير «غزو الفضاء» كان ذائعًا منذ زمن بعيد في مخيلة السينما، وفي نهاية الخمسينيات من القرن الماضى خرج إنسان سوفيتى اسمه يوري جاجارين إلى خارج كوكب الأرض؛ وقبل نهاية الستينيات كان نيل أرمسترونج الأمريكى قد مشى على القمر. على مدى نصف القرن، عرفنا تدريجيا أن الكون ممتد إلى ما لا نستطيع تخيله، والمؤكد أنه سحيق فى الزمن إلى أكثر مما تدركه الملكات الإنسانية.

الأقمار باتت كويكبات صغيرة ملحقة بالكواكب، وتلك داخلة في أجرام تدور حول نجوم، وهذه جميعها تعيش في مجرات ومدارات، وسرعان ما نبهنا تليسكوب «جيمس ويب» إلى أن هناك بعد الكون- الذي بتنا نعرف الكثير عنه- أكوانا أخرى.

 

منذ البداية كانت الأسئلة كثيرة، هل يوجد إنسان في مكان ما لا نعرفه، أو حتى توجد خلية عضوية معلقة في لحظة ومدار آخر؛ وهل من الأفضل للبشر أن يركزوا جهودهم على سلامة كوكبهم، أو أن حل مشاكل الأرض ربما يأتي من السماء؟.

 

أصبح السفر إلى «المريخ»، أحد كواكب المجموعة الشمسية، ممكنا في المدى الزمني الذي يعرفه الإنسان، وما كان مهمّا في وقت ما هو أن يكون التعاون الدولي قائما، ووجدت جماعة السينما أن من الممكن تكوين «قومية» إنسانية من خلال العولمة، وأفلام كثيرة تشير إلى غزو قادم من خارج الأرض. ولكن العقبة الكبرى جاءت دوما من التكلفة، وأنه لا يمكن ولوج الكون دون محطات دائمة، وبالفعل تعاونت ١٦ دولة على إنشاء محطة فضائية، تحملت واشنطن وموسكو القدر الأكبر من الإسهام فيها.

دائما كان هناك من يعتقد أن «القمر» يصلح لهذه المهمة، ولكن إهمال أمريكا وروسيا لغرامهما الأول بحثا عن أسفار أبعد في الفضاء السحيق جعل استثمار قمرنا مؤجلا لأنه على أي حال لم يكن هناك حل للمعضلات الأساسية لبناء محطة دائمة تنطلق منها الرحلات إلى بقية الكون.

 

أهم المعضلات كانت أن بناء المحطات سوف يحتاج أحمالا ثقيلة، حيث لم يكن باستطاعة المركبات، حتى المكوكية منها، أن تقوم بالمهمة. خلال الأعوام الأخيرة، وعن طريق «القطاع الخاص»، بات ممكنًا تصور رحلات مستمرة للبشر من وإلى الكويكب القريب كخطوة لابد منها للانطلاق إلى ما هو أبعد. دخل «جيف بيزوس»، صاحب «أمازون»، إلى الصورة مع آخرين، إلا أن «إيلون ماسك» جاء بالصاروخ «سبيس إكس»، قليل التكلفة وسهل الاستخدام، لكي يؤسس لما كان مستحيلًا من قبل.

 

الآن فإن وكالة «ناسا» الأمريكية تؤجر من الرجل بدلًا من إنتاجها للصواريخ بنفسها، وهي تخطط الآن لرحلتين إلى القمر خلال نوفمبر الجاري؛ وفي نفس الشهر فإن شركة «هاكيوتو» اليابانية سوف تطلق رحلتها الأولى من الولايات المتحدة، وعلى نفس الصاروخ حاملة مركبة، هي نتاج تعاون ياباني إماراتي، يمكنها السير على سطح القمر. ما هو معلوم أن هناك دولا أخرى- مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل- تسعى في نفس المسار سواء كان المآل هو الجانب المضيء أو الآخر المظلم من القمر.

ما يزعج في الأمر أن البشر كما يبدو سوف يحملون مآسيهم على كوكب الأرض إلى الكواكب الأخرى. روسيا خرجت من الشراكة في المحطة الفضائية الدائمة لكي تقيم محطة خاصة بها، بعد أن ضاقت بها الدنيا من السيطرة الأمريكية؛ أما الصين فقررت منذ البداية أن تكون محطتها ملكا خاصّا لها. ومع الدول فإن الشركات الخاصة بات ممكنًا لديها أن تبنى محطاتها الخاصة، وقبل عام، فإن «أمازون» أعلنت أنها سوف تُقيم محطتها الدائمة على سطح القمر قبل نهاية عام ٢٠٢٤.

 

الأمر فيه الكثير من الأعمال المحققة للربح؛ ومن قبل، فإن «الأقمار الصناعية» التي تتابع الطقس، والأخرى الضرورية للاتصالات، والثالثة التي تتبع حركة الإنسان ومركباته على الأرض حققت أرباحًا طائلة. وعندما تنتهي شبكة أقمار السيد «ماسك» لكي يُقيم «واي فاي» كونيًّا، فإنه سوف يجلس على عرش أغنى الأغنياء لفترة طويلة. ولكن ما لا يعلمه أحد هو نتاج المحطات الفضائية الأمريكية والروسية والصينية؛ والتساؤل عما إذا كانت نتائجها نقل الصراع على الأرض إلى أجواز الفضاء!.

 

(المصري اليوم)