تقارير

الأرمن أدخلوا التصوير والطباعة إلى فلسطين وهم جزء من هويتها

كنيسة أوجاع العذراء للأرمن وخلفها قبة الصخرة..

تاريخ الأرمن في فلسطين ضارب بجذوره في التاريخ، وتؤكد الروايات أنهم جاءوا في القرن الثالث الميلادي إلى القدس واستقروا فيها مشيدين لاحقا بطريركية خاصة بهم أصبحت على مر العصور مقصدا للحجاج الأرمن الذين عملوا على تأسيس الخانات ومراكز الضيافة.
 
وتعد الطائفة الأرمنية الطائفة المسيحية الثالثة بعد الروم الأرثوذكس واللاتين من حيث العدد في فلسطين، ويعود أكبر توافد للأرمن إلى القدس إلى الهجرات الأرمنية الكبرى التي شملت بلاد الشام عام 1915 في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتداعياتها.

هجرة عكسية للأرمن

وتركز الوجود الأرمني في مدينة القدس نظرا لأهميتها الدينية والتاريخية والثقافية، ففي عام 1893 كان يقطن في مدينة القدس 847 أرمنيا بحسب الإحصاء الذي نظمته الدولة العثمانية في ذلك الوقت، وكان يسكن مدينة يافا في الفترة نفسها 92 أرمنيا، فضلا عن أعداد غير محددة من الأرمن كانت تسكن بيت لحم والناصرة وعكا وغزة. وفي عام 1945م كان يعيش في القدس وحدها خمسة آلاف أرمني، وقد تناقص العدد تدريجيا بسبب الهجرة إلى ثلاثة آلاف أرمني قبيل الاحتلال عام 1967، وبحلول العام 1974 لم يكن عدد الأرمن في القدس القديمة يتجاوز الألفي أرمني. وفي عام 1985 تراجع العدد إلى حدود 1200 أرمني.

 

                           حي الأرمن بالقدس المحتلة

يبلغ عدد الأرمن اليوم في فلسطين حوالي 7500 نسمة بحسب المصادر الأرمنية، منهم ثلاثة آلاف يعيشون في مدينة القدس و2100 يسكنون حي وادي النسناس في مدينة حيفا، وهناك 300 نسمة في مدينة بيت لحم، فيما يتوزع الباقون بين عكا والرملة والناصرة وبئر السبع وقطاع غزة.

حارة الأرمن بالقدس

تقع حارة الأرمن جنوب غرب البلدة القديمة في القدس على مساحة قدرها 300 دونم، أي ما يعادل سدس مساحة البلدة القديمة في القدس. وتتكون حارة الأرمن من مجموعة من البيوت كانت في السابق مأوى للحجاج وأصبحت لاحقا بيوتا مؤجرة للأرمن، إضافة إلى دير الأرمن المكون من حيز للعبادة ومدرسة ومتحف وعيادة طبية.

للأرمن نظام مدرسي خاص، ففي مدينة القدس يوجد للطائفة الأرمنية مدرسة خاصة بهم تدعى "تركمانشاتس"، وهناك أيضا مدرسة أخرى لتخريج الرهبان وتدريس التعاليم المسيحية.

ويتكلم معظم الأرمن في فلسطين اللغات: العربية، والعبرية، والإنجليزية، والتركية، إضافة إلى لغتهم الأم الأرمنية.

المجتمع الأرمني يمكن وصفه بالمجتمع الشرقي المحافظ الذي يعتمد ضوابط سلوكية للعادات وقواعد لأصول الحياة، والأرمن في عاداتهم وتقاليدهم لا يختلفون كثيرا عن مجتمعهم الفلسطيني الواسع.
 
وانخرط شباب الأرمن في العمل الوطني الفلسطيني، وانضم عدد منهم تحت لواء الفصائل والتنظيمات والأحزاب السياسية الفلسطينية.

والأرمن يرفضون رفضا قاطعا أن يبقى الحي الأرمني في القدس تحت السيادة الإسرائيلية، فهم من حيث المبدأ ضد تقسيم المدينة المقدسة، ويرون أنها يجب أن تبقى تحت سيادة وسيطرة أبنائها الفلسطينيين.

وجود ثقافي وحضاري بارز

والأرمن أول من أنشأ ورشة للتصوير في فلسطين، وهم ثاني من أدخل الطباعة إلى فلسطين عام 1833، وأول من أسس مصنعا للسيراميك في عهد الانتداب البريطاني. كما أنهم أتقنوا فن الخزف والقيشاني والخياطة وصياغة المجوهرات، ومنهم شيخ الصيادلة الفلسطينيين نوبار آرسليان الذي كان يصنع الأدوية بيديه. وقد عمل الحرفيون الأرمن على نشر هذه الصناعات في أنحاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية.

أما اليوم فيعمل معظم الأرمن في القدس في شغل وبيع المجوهرات، وفي صناعة آنية النحاس وزخرفتها، ويملك الكثير منهم متاجر لبيع الهدايا للسياح الوافدين إلى الأراضي المقدسة.

وكان الأرمن يسيطرون تقليديا على قطاع صناعة الأحذية، لكن هذا القطاع راح يتقلص بسبب منافسة الأحذية الجاهزة الصنع، وبسبب مضايقات الاحتلال لقطاع الصناعات الفلسطينية بشكل عام في مدينة القدس.

تضم فلسطين عددا من المؤسسات الأرمنية.. من بينها:

مكتبة دير مار يعقوب: أسست مكتبة دير مار يعقوب عام 1929 بأموال تبرع بها الثري الأرمني غولبنكيان، وتضم أكبر مجموعة من الوثائق الأرمنية القديمة في العالم، ويعتقد أن تاريخ بعضها يرجع إلى القرون المسيحية الأولى، وقد ترجم عدد محدود من الوثائق العربية إلى اللغة الأرمنية في كتابين: الأول بعنوان "التاريخ المتسلسل للقدس" للمؤرخ الأرميني هوفانيسيان، وصدر في القدس عام 1890، والثاني بعنوان "تاريخ القدس" للمؤرخ الأرمني سافلانيان، وصدر في القدس أيضا عام 1931.

 

                 مدخل كاتدرائية القديس يعقوب للأرمن في مدينة القدس

ومن بين الوثائق الموجودة في مكتبة دير مار يعقوب عهد نبوي يروي أن وفدا أرمنيا مؤلفا من أربعين راهبا كان قد سافر إلى مكة وأعلن أعضاؤه ولاءهم للنبي محمد عليه السلام قبل الفتح العربي للقدس بسنوات، وأن النبي كلف معاوية بن أبي سفيان بكتابة هذا العهد للأرمن للحفاظ على امتيازاتهم وممتلكاتهم في الأراضي المقدسة. وفضلا عن هذا العهد ثمة العهدة العمرية، وعهد أرسله علي بن أبي طالب إلى البطريرك الأرمني أبراهام عام 625.

مطبعة الأرمن: أسسها الأرمن الغريغوريون في القدس عام 1848، وأصدروا عددا من الكتب بالحرف الأرمني تناولت موضوعات دينية، وقد ذكر هذه المطبعة الأب لويس شيخو اليسوعي الذي زارها في أواخر القرن التاسع عشر.

متحف دير مار يعقوب: افتتح عام 1978 في إحدى المباني القديمة بالدير التي كانت سابقا معهدا لاهوتيا.

المستشفى الأرمني: أسس في القدس عام 1951، وما زال يعمل حتى اليوم.

الجمعية الخيرية الأرمنية: تأسست الجمعية الخيرية الأرمنية في القدس عام 1935، وتعمل في خدمة أبناء الطائفة.

وتملك البطريركية ثاني أضخم مكتبة أرمنية للمخطوطات في العالم، وأقدم مطبعة في القدس تأسست عام 1833.

فلسطينيون من أصول أرمنية

وسميت الطائفة الأرمنية بهذا الاسم نسبة إلى أرمينيا بلدهم الأصلي، ولكن الأرمن في فلسطين يعتبرون أنفسهم فلسطينيين مع أنهم يعتزون بوطنهم الأصلي وجذورهم الأرمنية.

يقول الأرمن: "نحن، إثنيا أرمنيون، وقوميا فلسطينيون"، ويؤكد هذا الرأي انخراط الطائفة الأرمنية في المجتمع المحلي الفلسطيني وانتساب الشباب الأرمني للمؤسسات والفصائل الوطنية الفلسطينية، وكذلك مشاركتهم في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي مواجهة الاستيطان وتهويد مدينة القدس، ولذلك يشعر الأرمني بأنه لا فرق بينه وبين أي مواطن فلسطيني آخر.

 

               المطبعة الأرمنية تأسست عام 1833 كأول مطبعة بالقدس

واعتمدت البطريركية على التبرعات من الشعب الأرمني في جميع أنحاء العالم لسنوات طويلة، لكن هذه التبرعات شحيحة جدا في الوقت الحاضر، وتعيش البطريركية على العقارات المؤجرة فقط، وهي بالكاد تكفي لتغطية مصاريفها.

المصادر

ـ الأرمن في فلسطين، مركز المعلومات الفلسطيني (وفا).
ـ كيف وصل الأرمن إلى القدس؟، فضائية الجزيرة، 3/9/2017.
ـ الطائفة الأرمينية في فلسطين، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.
ـ أسيل جندي، الأرمن.. جزء من فسيفساء المجتمع المقدسي، الجزيرة نت، 30/4/2016.
ـ بيدروس در ماتوسيان، أرمن فلسطين: 1918- 1948، مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 92 - 
خريف 2012.
ـ ميسة أبو غزالة، الأرمن الفلسطينيون.. أنشأوا أول ورشة تصوير في القدس، الإمارات اليوم، 1/7/2009.